سيرياستيبس : رغم الإجماع الإسرائيلي على
الترحيب باغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد السيّد حسن نصر الله، بوصفه
«العدوّ اللدود وقاتل آلاف الإسرائيليين»، لم تغب التباينات في تحليل
«المكاسب» من الحدث وتوقّع تداعياته. وفيما كان عدد من الكتّاب والمحلّلين
ينظرون بواقعية إلى الحدث الكبير لجهة تأثيره وتداعياته، ذهب بعضهم إلى حدّ
فرض شروط المنتصر على المهزوم، داعين إلى تغيير الشرق الأوسط بما يتماشى
مع مصلحة إسرائيل.وسأل كارميت فالنسي من معهد دراسات الأمن القومي «السؤال
الأصعب على الإطلاق: ما هو التالي؟»، مشيراً إلى أن حزب الله تعرّض لضربة
شديدة، لكنه «لا يزال يتمتع بقدرات عسكرية متقدمة. فقد عمل على بناء قوته
لعقود من الزمن، وخصوصاً منذ عام 2006، بما في ذلك مجموعة الصواريخ
الدقيقة، وترسانة من الصواريخ والقذائف بشكل عام». لذلك، «فحتى لو تضررت
قدراته بشكل كبير، فإنه لا يزال يشكل تهديداً»، ورأى أن إسرائيل «تدخل
منطقة من عدم اليقين الشديد، إذ كان نصر الله شخصية نعرف استراتيجياتها
ونستطيع أن نتوقعها، والفراغ الذي خلّفه يقلب كل التفاهمات والمعادلات التي
تم وضعها في ما يتصل بحزب الله. وفي المستقبل، سيكون أمام إسرائيل عمل شاق
في التحليل والتعامل مع خصم جديد في حقبة ما بعد نصر الله». ولم يكن
عاموس هرئيل (هآرتس) أكثر تفاؤلاً، إذ تساءل «هل ستندم إسرائيل على
اغتيالها نصر الله؟»، ورأى أن «من الأفضل تخفيف هتافات النصر. فعندما يكون
حزب الله وإيران مصابين بالصدمة، على إسرائيل الاستعداد لتصعيد محتمل في
ردودهما». وعاد هرئيل بالذاكرة إلى أيام اغتيال الأمين العام السابق لحزب
الله السيّد عباس الموسوي، فـ«عندما استُبدل نصر الله بموسوي، سرعان ما
تبيّن أن التصفية الأولى كانت عملية خاطئة. وتبيّن أن نصر الله كزعيم حوّل
حزب الله من منظمة محلية إلى رأس حربة لنفوذ إيران في المنطقة كلها». وعاد
هرئيل إلى الأصل، معتبراً أن الأهم في هذه المرحلة هو الرد الأميركي على
الأحداث الأخيرة، فالهجوم في الضاحية «دفن جهود وقف إطلاق النار في الصيغة
الحالية، وعلى الإدارة الأميركية طرح خطة جديدة وبسرعة واستخدام الضغط
السياسي الذي لم تستخدمه حتى الآن، إذا كانت تنوي التوصل إلى نتائج»، ورأى
أنه «ليست للأميركيين قدرة حقيقية على التنصّل من تصفية نصر الله، لكنهم
أيضاً غير راضين عن خطوات نتنياهو الذي أمر بالهجوم أثناء المفاوضات حول
وقف النار»، معتبراً أن «لدى الإدارة الأميركية خوفاً كبيراً من أن يحاول
رئيس الحكومة جرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية لضرب المنشآت النووية
في إيران». بدوره، قرأ جدعون ليفي («هآرتس») وقائع الأيام الأولى بعد
الاغتيال، موجّهاً السؤال إلى الإسرائيليين «وضع إسرائيل سيئ مثلما كان في
السابق، فعلامَ تفرحون بالضبط؟». وأضاف: «في الأسبوع الأول من دون (الشهيد
السيّد) حسن نصر الله، يجب أن ننظر حولنا. الضفة الغربية على شفا الانفجار.
إسرائيل عالقة من دون أي مخرج في غزة المدمرة. المخطوفون عالقون هم أيضاً.
شركة تصنيف الائتمان موديز خفّضت اقتصادها إلى الحضيض (...) عن مكانة
إسرائيل الدولية من الأفضل عدم التحدث، كان يكفي أن ننظر إلى الجمعية
العمومية أثناء إلقاء نتنياهو لخطابه. أيضاً الوضع الأمني أسوأ مما يبدو.
انتظروا الحرب الإقليمية التي لا يزال اندلاعها ممكناً. أول أمس، اقتربنا
منها بخطى كبيرة. في هذه الأثناء، الدولة تعيش في حالة رعب. عشرات آلاف
ممّن أُخلوا من الشمال لم يقتربوا من بيوتهم حتى خطوة واحدة». وحاول
أوري هالبرين («جيروزاليم بوست») رسم المشهد من جديد بالاستفادة من عملية
الاغتيال، فدعا إلى «خلق واقع أمني جديد من شأنه أن يغيّر موازين القوى في
الشرق الأوسط في المستقبل»، ورأى أنه «يمكن تحقيق ذلك من خلال تحالف
إسرائيلي - سُنّي بقيادة السعودية، وهو حالياً على عتبة التحقق بشكل غير
مسبوق»، ودعا إلى «تنفيذ الاستراتيجية الجديدة على مراحل. ففي الأمد
القريب، لا بد من تحقيق أهداف الحرب، إعادة المحتجزين، وتدمير قدرات حماس
العسكرية، والعودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم. وفي الأمد المتوسط، لا
بد من إقامة تحالف إقليمي استراتيجي قائم على المصالح المشتركة مع العالم
السنّي تحت زعامة السعودية»، معتبراً أن «هذا من شأنه أن يحدّ من النفوذ
الإيراني في المنطقة (...) ولا بد أيضاً من إقامة حكومات سنّية معتدلة في
الساحات الفلسطينية واللبنانية والسورية». أما في الأمد البعيد، فرأى
هالبرين أنه «لا بد من التوصّل إلى ترتيب دولي مع إيران يعمل على الحدّ من
نفوذها في الدول التابعة لها مثل اليمن والعراق مقابل تخفيف العبء
الاقتصادي الكبير على الشعب الإيراني»، معتبراً أن «انتخاب رئيس معتدل في
إيران أخيراً يمنح الأمل في إعادة حسابات المصالح الإيرانية في المنطقة». وذهب
عاموس يادلين، إلى الحديث عن كيفية استثمار الفرص الناتجة من غياب الأمين
العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله عن المشهد، داعياً إسرائيل إلى «تحديث
أهداف الحرب، إذ عليها أن تقرر إذا ما كان عليها التمسك بهدف إعادة سكان
الشمال بأمان، أو المضيّ نحو هدف أكثر طموحاً، يتمثل في إسقاط حزب الله، بل
أيضاً ربما استمرار تهشيم الحلقة النارية التي حاصرتنا إيران بها، وبعد
ذلك البدء بالعمل ضد الخلية التي تدير هذا كله في دمشق». ورأى أنه «إذا
قررت إسرائيل التمسّك بالهدف الذي حددته قبل أسبوعين (إعادة سكان الشمال
إلى منازلهم بأمان)، فإن عليها أن تسمح للولايات المتحدة بأن تقودها نحو
معاهدة مع لبنان تضمن تطبيقاً مختلفاً تماماً لقرارَي مجلس الأمن الرقم
1559 و1701؛ بحيث يستند التطبيق هذه المرة إلى منظومات رقابة وإنفاذ أقوى
كثيراً، وإلى إغلاق الحدود السورية - اللبنانية، ومنع عمليات تهريب السلاح.
كما يضمن نزعاً تاماً للسلاح في المنطقة الواقعة جنوبيّ خطّ الليطاني،
والتعامل مع هذه المطالب بصفتها مطالب لا تقبل التفاوض أو المهادنة، وتوفر
لإسرائيل شرعية العمل ضد تنامي العمل العسكري في لبنان، كما فعلت في سوريا
قبل الحرب». وبنفَس القادر على فرض الشروط، قال يادلين إنّ «على حزب الله
الآن أن يقرر إذا ما آن الأوان للتخلي عن الصيغة التي أصرّ عليها نصر الله،
والتي تربط جبهة الشمال بغزة». وضع إسرائيل سيّئ مثلما كان في السابق، فعَلامَ تفرحون بالضبط؟ وفي
إطار فكّ حلقة النار الإيرانية المحيطة بإسرائيل التي تحدث عنها يادلين،
دعا الأخير إلى «التفكير في ضرب نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، الذي
مثّل الجسر الأساسي للإمدادات العسكرية وتنامي حزب الله»، داعياً إيّاه إلى
أن «يختار الآن إذا ما كان يريد مواصلة العمل في خدمة الإيرانيين، ليعرّض
بذلك بقاءه للخطر، أو أن عليه أن يغيّر سلوكه ويغلق الحدود السورية أمام
عمليات تهريب السلاح الإيراني». وذهب يادلين بعيداً في الحديث عن أن
«إسرائيل لديها أيضاً فاتورة مفتوحة مع الحوثيين في اليمن، والميليشيات في
العراق». وفي السياق نفسه، رأى موشيه بوزايلوف («معاريف») أن اغتيال
السيّد نصر الله «يؤشر إلى بداية خطوة أوسع، هدفها ضرب المشروع النووي
الإيراني وضمان مستقبل الشرق الأوسط. وهو مرحلة واحدة في خطة استراتيجية
أوسع، إذ أعدّت إسرائيل نفسها مسبقاً لردٍّ محتمل من جانب إيران، التي هي
تحت ضغط شديد في ضوء الخسائر الجسيمة التي تكبّدها حزب الله». وأضاف أن
«التوقعات واضحة، فإيران ستردّ، وستضطرّ إلى ذلك بشكل يحافظ على مكانتها في
العالم الشيعي»، ورأى أنه «ليس صدفة أن خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة،
قبل نحو ساعتين من الهجوم، حذّر إيران من أن أيام تجَلّد إسرائيل انتهت».
وقال بوزايلوف إنه فهم مما قاله نتنياهو أن «إسرائيل تتوقع رداً إيرانياً.
وبحسب فهم نتنياهو الاستراتيجي وجهاز الأمن الإسرائيلي، سيوفر الردّ
الإيراني الواسع، سواء من خلال هجمة صواريخ أو هجمة وكيل في المنطقة، شرعية
لإسرائيل للعمل بشكل أوسع، ثم مهاجمة المشروع النووي الإيراني مباشرة»،
معتبراً أن «تصفية قيادة حزب الله في هذا التوقيت ليست إلا وسيلة لتحقيق
الهدف الأكبر: تصفية البرنامج النووي الإيراني». الاخبار
|