سيريا ستيبس – علي محمود جديد

قرارات معينة منفصلة عن الواقع تماماً، وبمختلف أبعاده ما تزال تُصدرها بعض الإدارات، بناءً على قواعد باتت منهارة لا تنسجم مع الواقع، ولا تُحاكيه على الإطلاق، ولا ندري كيف تستسيغ هذه الإدارات مثل هذه القرارات على الرغم من وضوح تناقضها مع الوقائع ..؟! وفي الحقيقة لا نجد أي مبرر موضوعي لذلك.

فقد أصدر السيد وزير الاتصالات والتقانة مؤخراً قراراً غريباً من هذا القبيل، يحدد فيه أجور ساعات التدريب للمدربين العاملين لدى الهيئة العامة للاستشعار عن بعد، والمكلفين بالتدريب من خارج ملاكها.

وقد حدد القرار أجر الساعة الواحدة / 300 / ليرة سورية لحامل شهادة الإجازة الاختصاصية، و / 260 / ليرة لحامل شهادة الإجازة غير الاختصاصية، و / 220 / ليرة لحامل شهادة أحد المعاهد المتوسطة، و / 180 / ليرة سورية للذين لا يحملون الشهادات السابقة.. !

ويوضح القرار أن هناك هيئة إشراف ( بحالها ) على هذه الدورات التدريبية الداخلية، وقد تمّ تفويضها بمنح الأجور لهؤلاء المدربين، بالإضافة إلى أجور يومية أخرى لمساهمين آخرين في هذه الدورات، يعملون على تقديم الدعم اللوجستي لها ..!

والحقيقة فإن الأمور من الواضح أنها تحتاج إلى هيئة – على الأقل – لأن المبالغ الهائلة التي ستصرفها من الصعب تخليصها هكذا ببساطة، وكان من الأفضل أن تبادر إحدى البنوك السورية لافتتاح فرع لها ضمن هيئة الاستشعار عن بعد، لتستخدم خبرتها وتتمكّن من تسديد تلك الأجور، ولاسيما لأولئك العاملين في الدعم اللوجستي، فقد بدا وضعهم المالي الناجم عمّا سيحصلونه من أجور، لقاء ما سيقدمونه من دعم، حساسٌ جداً، وربما يحتاج إلى عمليات مصرفية تُعنى بضمان المخاطر.

المشرف الإداري وأمين السر

فمن هؤلاء الداعمين ( المشرف الإداري ) على الدورات، وقد حدد له القرار أجراً يومياً باهظاً يصل إلى / 60 / ليرة، وتمّ تفويض هيئة الإشراف بصرف هذا المبلغ عدّاً ونقداً، كما تمّ تفويضها – فوق هذا كله – بصرف مبلغ هائل لأمين سرّ الدورات يصل إلى / 40 / ليرة سورية يومياً، كي يتمكن من حفظ أسرار الدورات، وتنظيمها والإعداد لها بشكلٍ جيد، وفي الواقع فإن هذا التنظيم والإعداد يحتاج إلى جهدٍ ودقة في العمل من خلال تنظيم ساعات التدريب وعدم تضاربها، فيستحق ذلك الأجر بجدارة، وليس لنا أن نعتبره أجراً مبالغاً فيه، حتى وإن بدت مظاهر الرفاهية على أمين السر ( والبعزقة ) على مصروفاته، فلا بأس بهذه الامتيازات الضخمة لأن عمله مهم وضروري لإنجاح تلك الدورات التدريبية.

مشكلة السائقين

إنني أشعر بالتعاطف مع رئيس مرآب هيئة الاستشعار عن بعد، وأقدّر له إحراجه من السائقين، حيث من الصعب عليه جداً التوفيق بينهم عندما يهبُ أحدهم امتياز فرزه لصالح إحدى الدورات التدريبية، لأن السائق الذي يُفرز لصالح دورة تدريبية، سيكون بانتظاره هو الآخر تعويضاً يومياً محرزاً يصل إلى / 25 / ليرة – واللهِ – وقد فوّض القرار هيئة الاشراف على الدورات التدريبيّة، بصرف هذا الأجر لكل سائق يقوم على تخديم هذه الدورات، ولذلك كان الله بعون رئيس المرآب الذي نقترح عليه إجراء مفاضلة بين السائقين حتى يخلّص نفسه من الحرج ومن الواسطات والمحسوبيات..!

مشكلة المستخدمين الأقوى

ومن الدّاعمين لوجستياً لهذه الدورات ( الآذن ) مثلما جاء في القرار، وهو المستخدم الذي سيتفرّغ للضيافة والمراسلات وتلبية الأوامر، ولا شك بأنّ أي مستخدم سيُفرز يوماً لصالح هذه الدورات سيكون سعيداً جداً، ومتحمّلاً لكل الجهد، وربما المضايقات التي قد تُصادفه خلال عمله، لأن قيامه بهذه المهمة ستضعه أمام كنزٍ حقيقي أقرّه له القرار إيّاه عندما حدّد له وبكل جرأة أجراً يومياً يصل إلى / 20 / ليرة ..! ( واللهِ .. جوز عشرات يعني ) والأخطر من ذلك أن هيئة الإشراف على الدورات التدريبية هي المكلفة أيضاً بصرف أجور الآذن .. والمشكلة إن كان هذا المستخدم شاباً صغيراً، فهو ( لن يأخذ وعيه ) من كثرة مشاكسة الصبايا له كي يتنعمنَ بمثل هذه المبالغ .. !

وماذا بعد ..؟!

في الحقيقة نرى أن هذا الواقع لا يحتاج إلى الكثير من التعليق أو التحليل، فهو مُعلّقٌ عليه سلفاً، ومُحللٌ تلقائياً، ولكننا نقول بالنهاية بأن الأجر يعكس تقديراً لقيمة العمل .. وإن كنّا ما نزال نُقدّر الأعمال بهذا الشكل القزمي، فنحن أمام طريق طويلٍ طويل .. ودهاليز ومتاهات .. لن تُمكّننا من الوصول إلاّ إلى أكثر الحالات رداءةً وتخلفاً .. بكل أسف.

طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق