في ظل عالم تتصاعد فيه أسعار الفائدة وتتزايد الضغوط على الشركات المثقلة بالديون، يبرز سؤال جوهري، وهو هل يستطيع النظام المالي العالمي الصمود أمام موجة محتملة من التعثرات والإفلاسات؟.
وعلى رغم تنامي الأخطار وتعدد التحديات، يؤكد خبراء صندوق النقد الدولي أن الصورة ليست قاتمة بالكامل، إذ يمكن، من خلال سياسات ذكية وسد الفجوات في الرقابة والتشريعات، تحويل هذه التهديدات إلى فرص لتعزيز الصلابة الاقتصادية، هذا ما ناقشته جلسة "الزاوية التحليلية" نقاط ضعف قطاع الشركات في عالم أسعار الفائدة المرتفعة "بعنوان تزايد الأخطار على الاستقرار المالي"، والتي جمعت خبراء من الصندوق لاستعراض أبرز نقاط الضعف في قطاع الشركات، وسبل مواجهتها في عصر التمويل المرتفع الكلف.
وجمعت الجلسة كلاً من الاقتصادي في قسم الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي برونو ألبوكويرو، والمحامية في القسم القانوني في الصندوق أنجوم روشا.
استهل ألبوكويرو حديثه بتصوير واقع معاناة أصحاب المشاريع الصغيرة قائلاً "تخيل أنك صاحب مشروع صغير، قضيت سنوات من الجهد لبنائه، ومع تحسن الأداء وارتفاع الطلب، فجأة ترتفع أسعار الفائدة بشدة، تتدخل البنوك المركزية لمكافحة التضخم، فترتفع أقساط القروض، وتختفي فرص إعادة التمويل، فالبنك الذي كان يقدم القروض بسهولة بالأمس، بات اليوم متردداً، حتى الزبائن بدأوا يقلصون الإنفاق، فماذا تفعل؟ هل تلغي خطط التوسع؟ هل تسرح الموظفين؟ هل تغلق أبوابك؟".
وأضاف أن "هذه ليست حالة فردية، بل واقع يواجه ملايين الشركات حول العالم، الصغيرة منها والكبيرة، والتي اقترضت بكثافة عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، معتقدة أن تلك الظروف ستدوم".
من "وفرة السيولة" إلى "ندرة التمويل"
وأشار ألبوكويرو إلى أن العالم يشهد تحولاً من بيئة "وفرة في السيولة" إلى "ندرة في التمويل"، إذ تتجمد الاستثمارات وتفقد الوظائف ويتزايد خطر الانكماش، ما يحتم على الشركات اعتماد استراتيجيات مرنة ومصادر تمويل متنوعة.
من جانبها، استعرضت أنجوم روشا أبرز التحديات الراهنة التي تواجه قطاع الشركات، على رغم الدعم الحكومي خلال جائحة "كوفيد-19".
وأبرزت صعود شركات "الزومبي"، وهي كيانات غير منتجة تستمر بفضل التمويل الرخيص، مما يؤدي إلى سوء تخصيص رأس المال ويعوق النمو.
وأشارت إلى أن هذه الشركات مثلت في عام 2023 نحو 10 في المئة من الشركات المدرجة، وهو ضعف المعدل المسجل في عام 2000، وأن العديد من الشركات تواجه تحديات إعادة تمويل ديونها وسط ارتفاع أسعار الفائدة، لا سيما في الدول ذات الديون ذات الفائدة المتغيرة.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن موجة من الإفلاسات قد تزعزع النظام المالي العالمي، مشيراً إلى أن رأسمال البنوك في الأسواق الناشئة قد يتراجع بنسبة تصل إلى 35 في المئة خلال ثلاث سنوات، نظراً لاعتماد هذه الاقتصادات بصورة أكبر على القروض المرتبطة بمعدلات تعثر مرتفعة.
وأكد ألبوكويرو أن "سد فجوات البيانات وتوسيع نطاق الرقابة ليشمل المؤسسات غير المصرفية مثل بنوك الاستثمار وشركات التأمين وصناديق التقاعد، يعزز صمود الاقتصادات في وجه الصدمات".
ودعت روشا إلى أن يوفر النظام القانوني آليات فعالة لإنقاذ الشركات القابلة للاستمرار، وتصفية غير القابلة بسرعة وكفاءة، مشددة على أن هذا التوازن ضروري للحفاظ على دورة اقتصادية صحية.
واختتم ألبوكويرو الجلسة بالتأكيد أن الأخطار لا تعني التشاؤم، مشيراً إلى أن السياسات الذكية كتحسين نظم الإفلاس، سد الفجوات التنظيمية، وتعزيز الرقابة، كفيلة بتحويل مواطن الضعف إلى عناصر قوة واستقرار.
اندبندنت عربية