سيرياستيبس :
على مدى عقود، شكّلت العقوبات الاقتصادية
إحدى أبرز الأدوات التي استخدمها المجتمع الدولي للضغط على سوريا؛ فمنذ
السبعينيات، عاشت البلاد تحت طائلة عقوبات متفرقة، تصاعدت حدّتها منذ
اندلاع الأزمة السورية العام 2011.
أثّرت هذه العقوبات بعمق على الاقتصاد
السوري؛ فحاصرته بالقيود وحرمته من موارد حيوية، ما ألقى بظلاله على حياة
المواطنين والبنية الاقتصادية الوطنية، وبما عزز من خسائر اقتصاد البلاد.
ومع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، تعود
العقوبات إلى الواجهة، ولكن هذه المرة في سياق مختلف.. فما هو مصير
العقوبات المفروضة؟ وهل ستشهد سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي؟ أم
أن آثار هذه العقوبات ستبقى جاثمة على الاقتصاد السوري لسنوات قادمة؟
رئيس الائتلاف السوري، هادي البحرة،
قال في تصريحات لـ عربية، بعد ساعات من سقوط نظام الأسد، إن رفع
العقوبات عن سوريا سيكون من أول مطالب المعارضة بعد تسلمها مقاليد الحكم في
البلاد، متوقعاً أن تستغرق عملية انتقال السلطة نحو 18 شهراً، والتي تبدأ
بالاستفتاء على الدستور خلال 6 أشهر ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة للبرلمان
أو الرئاسة وفقاً للنظام الذي سيختاره السوريون.
أبرز المحطات الرئيسية في جذور العقوبات المفروضة على سوريا، وتحولاتها على مر السنين.
من السبعينيات حتى 2011
شهدت سوريا قبل عام 2011 سلسلة من
العقوبات الأميركية والغربية التي فرضت عليها لأسباب متباينة، ما بين
الأسباب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، بهدفة الضغط على الحكومة
السورية لتغيير سياساتها الإقليمية والدولية. وقد ركزت معظم هذه العقوبات
على قطاعات محددة وامتدت آثارها إلى الاقتصاد السوري والنسيج الاجتماعي
للبلاد بشكل لافت.
بدأت العقوبات الأميركية على سوريا في
السبعينيات، وتحديداً في العام 1979، نتيجة إدراجها ضمن قائمة الدول
الراعية للإرهاب، على وقع دعمها المعلن لأطراف مثل حزب الله اللبناني.
واشتدت الضغوط مع توقيع قانون محاسبة
سوريا واستعادة السيادة اللبنانية في العام 2003، والذي فرض عقوبات صارمة
تضمنت:
- حظر تصدير التكنولوجيا الأميركية إلى سوريا، خاصة المعدات ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.
- تقييد الاستثمارات الأميركية في سوريا ومنع الشركات الأميركية من الدخول في عقود مع الحكومة السورية.
- حظر التعاملات المالية مع جهات حكومية سورية.
كانت هذه العقوبات جزءًا من استراتيجية أميركية لإضعاف النفوذ السوري في لبنان والحد من دعمها لـ "حركات المقاومة".
بدأ تطبيق العقوبات في مايو/ آيار 2004 إبان فترة جورج بوش الابن، وأقر الرئيس الأسبق باراك أوباما بتجديدها في مايو 2010.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1986، فرضت
المجموعة الأوروبية حزمة من العقوبات شملت حظر بيع الأسلحة الجديدة إلى
سوريا، وحظر الزيارات رفيعة المستوى، ومراجعة موظفي السفارة والقنصليات،
وفرض تدابير أمنية صارمة فيما يتصل بالخطوط الجوية العربية السورية. وقد تم
رفع هذه التدابير في عام 1994. وقد منعت الولايات المتحدة الشركات
الأميركية من بيع طائرات أو مكونات لشركة الطيران السورية.
في الفترة ما بين مارس/آذار وأغسطس/آب
2004، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية، في إطار
متابعة سياسة ما وصفته واشنطن بـ "مكافحة محور الشر" وهي السياسة التي
انتهجتها إدارة بوش ، والتي "تدين حيازة النظام السوري المزعومة لأسلحة
الدمار الشامل، وتدين قبضته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق ،
فضلاً عن دعمه لمنظمات قوى التحرير مثل حزب الله وحماس".
أصدر بوش حينها أمراً تنفيذياً يجمد الأصول المالية لبعض المسؤولين السوريين والمؤسسات الحكومية.
وفي العام 2006، فرضت الولايات المتحدة
قيودًا جديدة على صادرات المواد الحساسة، بما فيها التقنيات الطبية وبعض
المنتجات الاستهلاكية. كما استهدفت العقوبات البنك التجاري في سوريا، بما
يقضي بمنع البنوك الأميركي من التعامل معه.
وفي 2008، استهدفت واشنطن القطاع المصرفي السوري، حيث تم فرض عقوبات على البنوك التي يشتبه في دعمها لنشاطات تمويل الإرهاب.
العقوبات المفروضة على سوريا بعد الحرب
منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس/ آذار
2011، تعرضت البلاد لسلسلة من العقوبات الدولية التي فرضتها دول ومنظمات
عالمية كإجراء ضغط سياسي واقتصادي على الحكومة السورية، بهدف إنهاء الصراع
والضغط من أجل حلول سياسية. ورغم تفاوت طبيعة العقوبات من دولة إلى أخرى،
إلا أنها شكلت تحديًا كبيرًا للاقتصاد السوري والمجتمع ككل.
وشددت الولايات المتحدة قبضتها الاقتصادية
على سوريا من خلال تجميد أصول الدولة السورية في البنوك الأميركية، وفرض
قيود على التعاملات التجارية مع الكيانات المرتبطة بالحكومة. كما عززت
العقوبات عبر قانون قيصر لعام 2020، الذي استهدف قطاعات حيوية مثل الطاقة
والبنوك بشكل غير مسبوق.
تم إقرار قانون قيصر لحماية المدنيين
السوريين في الولايات المتحدة عام 2019، وبدأ تطبيقه في يونيو 2020. يستهدف
القانون النظام السوري وحلفاءه من خلال فرض عقوبات اقتصادية شديدة تهدف
إلى محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة خلال النزاع السوري.
يشمل القانون تجميد أصول الأفراد
والكيانات المرتبطة بالنظام السوري، وفرض قيود على التعاملات المالية، وحظر
دعم المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار في سوريا دون التحقق من أنها لا
تعود بالنفع على النظام. كما يمتد تأثير القانون ليشمل الشركات والمؤسسات
الدولية التي تتعامل مع النظام السوري، مما وسّع نطاق الضغوط الاقتصادية
على البلاد.
بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011، بدأت
الولايات المتحدة بفرض عقوبات صارمة استهدفت النظام السوري. ففي أغسطس/ آب
من العام نفسه، أعلنت عن حظر يشمل قطاع النفط السوري، بالإضافة إلى تجميد
أصول الدولة السورية وعدد من الشخصيات المرتبطة بالنظام. كما تضمنت
العقوبات حظر تصدير السلع والخدمات الأميركية إلى سوريا، بما في ذلك
المنتجات التي تحتوي على مكونات أميركية بنسبة تتجاوز 10%.
في سبتمبر/ أيلول 2011، انضم الاتحاد
الأوروبي إلى هذه الجهود بفرض حظر مشابه على قطاع النفط السوري، مما زاد من
الضغوط الاقتصادية على النظام. وفي الوقت نفسه، أعلنت أستراليا عن حزمة
عقوبات استهدفت بشكل شامل التعاملات المتعلقة بالأسلحة، والنفط، والغاز
الطبيعي، والمعادن الثمينة، والبتروكيماويات، بالإضافة إلى حظر التعامل مع
أفراد وكيانات مرتبطة بالنظام السوري ومتهمين بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات
لحقوق الإنسان.
في مطلع العام 2012، وسّع الاتحاد
الأوروبي نطاق عقوباته لتشمل قطاعات الطاقة والأسلحة والتمويل، فضلاً عن
قطاع التعدين. تزامن ذلك مع إصدار الولايات المتحدة أوامر تنفيذية في
أبريل/ نيسان ومايو/ آيار، أضافت عقوبات جديدة على الكيانات الأجنبية التي
تحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
وفي يونيو/ حزيران من العام ذاته، انضمت دول أوروبية إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، مما عزز من تأثيرها الدولي.
وفي
السياق نفسه، فرض الاتحاد الأوروبي حظراً على تجارة السلع الفاخرة مع
سوريا، إلى جانب تعزيز القيود على القطاعات الأمنية وتكنولوجيا الاتصالات.
كما تم تجميد أصول 120 شخصية ومؤسسة سورية، بما في ذلك الرئيس السابق بشار
الأسد والبنك المركزي السوري، ومنعهم من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في مارس/ آذار 2017، شهد مجلس الأمن
الدولي محاولة لتمرير مشروع قرار يهدف إلى فرض عقوبات على النظام السوري
بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنه قوبل برفض روسيا والصين باستخدام حق
النقض (الفيتو).
وفي أبريل/ نيسان من نفس العام، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على 270 موظفًا حكوميًا بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون.
مع استمرار الأزمة، أعلن الاتحاد الأوروبي
في مارس، آذار 2021 أن العقوبات ستظل قائمة إلى حين حدوث تحول سياسي في
سوريا. وفي مايو/ آيار 2022، مدّد الاتحاد هذه العقوبات لعام إضافي.
تخفيف جزئي للعقوبات
وفي فبراير/ شباط 2023، وبعد الزلزال
المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، دعت المنظمات الإنسانية إلى تخفيف العقوبات
المفروضة على سوريا لتسهيل جهود الإغاثة. استجابةً لذلك، أعلنت الولايات
المتحدة عن رفع مؤقت لبعض العقوبات لمدة 180 يومًا، مؤكدة أن الإعفاءات
تشمل جميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة الإنسانية. كما أعلن الاتحاد
الأوروبي عن تخفيف العقوبات لمدة ستة أشهر لتسريع جهود الإغاثة.
وفي مارس 2023، فرضت أوكرانيا عقوبات
إضافية استهدفت 141 شركة و300 شخصية سورية بعد زيارة الأسد لموسكو ودعمه
للحرب في أوكرانيا. تضمنت العقوبات تجميد أصول الدولة السورية داخل
أوكرانيا وقطع العلاقات الاقتصادية. بالتزامن مع ذلك، بدأت تركيا بتخفيف
العقوبات الاقتصادية على سوريا، مشيرة إلى رغبتها في تطبيع العلاقات مع
النظام السوري، في إطار محاولات لحل القضايا العالقة مثل الوضع في شمال
سوريا
بهذا الشكل، استمرت العقوبات الدولية على
سوريا في التوسع والتكيف مع المستجدات السياسية والإنسانية، مما عزز من
تعقيد الوضع الداخلي والدولي للبلاد.
ومع انقضاء سنوات الأزمة وبدء تغير المشهد
السياسي، تبرز اليوم أسئلة حيوية حول كيفية تطور العلاقات الدولية مع
سوريا، وكيفية التعامل مع الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد النزاع