ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:04/01/2025 | SYR: 02:36 | 04/01/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 العقد الاجتماعي البعثي الفاشل
الدكتور دريد درغام : هكذا ضاعت جهود الجميع في شعارات زاحفة من الإصلاح السياسي إلى الاقتصادي إلى الإداري..
30/12/2024      




سيرياستيبس :
كتب الدكتور دريد درغام - الاستاذ الجامعي وحاكم مصرف سورية سابقا :

يجدر التذكير بأن سوريا قد دخلت في ركود اقتصادي غير مسبوق في سنوات الثمانينيات مما جعلها في أمس الحاجة للوقود وقطع الغيار وغيرها من متطلبات التنمية. في التسعينيات عاد الانفتاح على سوريا مع وقوفها مع التحالف الدولي ضد العراق وانخراطها في محادثات السلام وازدهر الاقتصاد مع سياسة حمائية متزايدة دون وضوح في سيناريوهات وقف الدعم. وسرعان ما تغير الموقف السوري عام 2003 فأصبح معاديا للتحالف ومتقارباً مع تركيا. وتسارع التقارب دون الأخذ بالاعتبار الخطر الذي سيقضي على الكثير من فرص العمل في الورشات والصناعات السورية التي كانت مخطئة في الاطمئنان إلى استمرار السياسة الحمائية الحكومية. 
وبعد اغتيال الحريري أصبح النظام السوري أكثر تشبثاً بمحور المقاومة دون أي وضوح الهدف على الأمد البعيد. 
ومع الربيع العربي عام 2011 دخلت سوريا في عنف غير مبرر بدلاً من تسويات سياسية على غرار ما جرى في الأردن والمغرب وغيرها.
ومع أن الحرية أحد شعارات البعث كان اهتمام نظام البعث منذ بداية السبعينات بزيادة عدد فروع الأمن لتكوين أجواء أقرب إلى رواية 1984 حيث تراقب الفروع المواطنين كما تراقب بعضها، أما الأخ الأكبر فيراقب كل شيء في برجه العاجي، ويسحق كل من يهدد استقرار منظومته. وشهدت السنوات الأخيرة إقرار منظومة البعث لمجموعة هائلة من القوانين والقرارات التي تسمح لأي مسؤول بأن يلاحق أي شخص ينتقد أو يحرض أو يكتب ضد توجهات السلطة. 

كيف استطاعت السلطة تهدئة السوريين طوال أربعة قرون من الزمان؟ بالإضافة إلى النظام الأمني المخيف، اعتمد نظام البعث بعد استلام حافظ الأسد على عقد اجتماعي غير معلن!
رغم فشل وعدم وضوح الأولويات في النموذج التنموي أثناء السبعينات (استهلاك وعقارات واستثمارات فاشلة وتورم بالقطاع العام)، لم يتراجع البعث عن التأميم واستمر في زيادة عدد العمال وأبنية القطاع العام دون انتاج حقيقي مستدام. كما استمرت عمليات استملاك الأراضي الزراعية دون وضوح في طريقة توزيعها أو كفاءة الانتاج فيها فضلاً عن بقاء مساحات شاسعة مستملكة دون استثمار جدي أو فعال. وتبنّى البعث حينها سياسة الاستيعاب والتوظيف المكثف وغير المبرر مع زيادة كبيرة في عديد أفراد وضباط الجيش.
بالعودة إلى الماضي، استفاد الاقتصاد السوري بعد 1990 من اكتشافات نفطية كبيرة؛ فقد ارتفع إنتاج النفط السوري من 17 ألف برميل قبل ذلك العام إلى أكثر من 500 ألف برميل في التسعينيات، ومع تصدير الكثير من المواد الأولية الإضافية ومنها الفوسفات تمكن البعث من الاستمرار بتمويل العقد الاجتماعي الفاشل المتمثل برواتب منخفضة مقابل أسعار مواد أساسية زهيدة (خبز وزيت وملابس وشاي ووقود وكهرباء). 
ورغم تنبيهات الاقتصاديين لمخاطر الفجوة بين الفقراء والاغنياء وضرورة رفع ملموس في الرواتب، كانت الإجابة دوماً أن الدولة تؤمن الأساسيات للجميع (بمن فيهم الأغنياء) بسعر بخس فلماذا التذمر. 
في تلك الفترة ازدهر الكثير من المشاريع الخدمية والصناعية التي حققت أرباح طائلة. ونسي معظمها أن الانخفاض المصطنع في التكاليف هو أهم سبب لنجاح الأعمال والقدرة على المنافسة بالتصدير. ورغم النفقات المستورة إلى ذوي النفوذ تعتبر الرواتب الرخيصة عموماً (ترتبط بالرواتب الأرخص في القطاع العام)، وسياسة دعم الطاقة (لتر المازوت بسوريا كان 7 ليرات مقابل 60 في تركيا و35 في لبنان) من أهم عوامل القدرة على تخفيض تكلفة الإنتاج عموماً. وقد غابت طوال العقود الماضية أي رؤية تضمن فطام معظم تلك الشركات أو مواكبتها نحو نموذج اقتصادي مستدام في ظل منافسة حقيقية. 
على سبيل المثال منذ الاستقلال زاد عدد سكان سوريا 6 أضعاف على الأقل بينما لم يزد إنتاج القمح في أحسن أحواله عن 3 أضعاف. وفي غياب نموذج تنمية مستدام عاد الموقف السوري إلى التقلب من انفتاح على الإصلاح السياسي عام 2000 إلى محاربة ربيع دمشق في 2001. وضاعت جهود الجميع في شعارات زاحفة من الإصلاح السياسي إلى الاقتصادي إلى الإداري..


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق