سيرياستيبس :
قالت مصادر رسمية إن تركيا سترفع القيود المفروضة على الواردات من البضائع السورية، في الوقت الذي تعمل فيه الدولتان على استعادة علاقاتهما الاقتصادية.
وبعد محادثات بين الهيئة العامة للموانئ البحرية والبرية السورية ووزارة التجارة التركية، ستسمح أنقرة بدخول البضائع السورية إلى الأسواق التركية وعبرها إلى دول أخرى، وفقا لما صرح به المتحدث باسم الهيئة السورية، مازن علوش، لوكالة الأنباء السورية (سانا). وأكدت وزارة التجارة التركية القرار، وأعلنت أن خردة المعادن ستستثنى من المرور إلى دول ثالثة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تعمل فيه الدولتان على استعادة العلاقات بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي. وتعمل تركيا بسرعة لإعادة تأسيس العلاقات مع سورية وتهدف إلى المساعدة في إعادة الإعمار الاقتصادي بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية.
وفي نهاية عام 2011، وبعد أن انتقدت تركيا القمع الوحشي الذي مارسه نظام
الأسد السابق ضد الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، ألغت سورية اتفاقية
التجارة الحرة مع أنقرة. واستمر التبادل التجاري التركي مع شمال سورية،
الذي كان تحت سيطرة فصائل المعارضة المتحالفة مع تركيا لسنوات. ووفقا
للبيانات الرسمية التركية، وصلت صادرات أنقرة إلى شمال سورية إلى 2ر2 مليار
دولار، في حين بلغت واردات سورية 450 مليون دولار في السنة التي سبقت سقوط
الأسد. وزار الرئيس السوري أحمد الشرع تركيا هذا الشهر، في زيارته
الخارجية الثانية بعد السعودية. وأجرى محادثات مع الرئيس رجب طيب أردوغان،
الذي عرض الدعم في مكافحة الإرهاب.
قلق في قطاع النسيج التركي
بينما سادت الحماسة في أوساط السوريين للعودة إلى بلادهم بعد الإطاحة ببشار الأسد، بدأت الأعمال التجارية المعتمدة عليهم في تركيا باحتساب الخسائر التي قد تترتب على ذلك.
يقول علي غوزجه الذي يدير "أيه إل جي تكستيل وهي شركة ملابس في غازي عنتاب (جنوب شرق) حيث يقطن نصف مليون سوري "قدم السوريون مساهمات كبيرة في قطاع النسيج هنا. إذا غادروا، فستكون هناك مشكلة عمالة خطيرة". وأضاف "لا نتوقع أن يغادروا فجأة، لكن إذا حصل ذلك، فقد نعاني من نقص خطير في العمالة"، مضيفا أن 70 في المئة من العاملين لديه هم من السوريين.
يعبّر غوزجه عن القلق الواسع الذي يراود قطاع النسيج التركي.
ويؤكد يوسف ساميل قنديل المسؤول عن مراقبة الجودة لدى "بيني جيي للألبسة "جميع العاملين هنا سوريون"، في منطقة أونال حيث يوجد عدد كبير من شركات النسيج.
وقال لفرانس برس "إذا غادر السوريون، فستزداد تكاليف العمالة بشكل كبير ومن ثم تكاليف الإنتاج".
تعد تركيا سادس أكبر مصنّع في العالم للنسيج وتعتمد في صناعتها على المناطق الجنوبية التي تستضيف معظم اللاجئين السوريين البالغ عددهم حوالي 2,9 ملايين في تركيا.
تظهر الأرقام الحكومية بأن حوالى 100 ألف سوري يملكون تراخيص عمل، لكن خبراء يعتقدون بأن نحو مليون سوري ينشطون في الاقتصاد التركي، معظمهم بشكل غير رسمي، في مجالات مثل البناء والصناعة والنسيج.
ومن شأن مغادرتهم أن تحدث ثغرة كبيرة في القوة العاملة في قطاع يعاني من ضغوط التضخم وارتفاع التكاليف. وحتى الآن، عاد أكثر بقليل من 81 ألف شخص، بحسب بيانات وزارة الداخلية، رغم أن مراقبين يتوقعون ازدياد هذا العدد في (حزيران)يونيو مع عطلة عيد الأضحى.
قرار ضخم
وعلى أرضية مصنع "أيه إل جي"، يجلس عشرات الشباب من رجال ونساء منحنين فوق ماكينات الخياطة الصناعية حيث ينتجون آلاف القمصان.
وتم تعليق علم الاستقلال السوري الذي بات علم البلاد عقب سقوط الأسد، في المكان، بينما توجد لافتة باللغة العربية على باب دورة المياه.
ويقول زكريا بوظو، وهو عامل يبلغ من العمر 55 عاما يرغب بالعودة إلى سورية "لبدء عمل تجاري جديد هناك"، "إذا غادر السوريون، فلن يعود هناك أي شخص ليعمل" في "أيه إل جي". لكن الخبراء يشيرون إلى أن المشهد معقد بالنسبة للسوريين، إذ لا أساس للمخاوف من مغادرة جماعية بسبب عدم اتضاح الأمور في البلاد بعد حرب استمرت 13 عاما.
وقال الأستاذ مراد إردوغان الذي لطالما لفت استطلاعه "بارومتر السوريين" إلى مخاوفهم حيال سلامتهم واحتمالات النزاع والبنى التحتية المنهارة في سورية، "رغم أنهم سعداء جدا برحيل الأسد، إلا أن ذلك لم يكن إلا حاجزا واحدا أمام عودتهم". أسس معظم هؤلاء حياة جديدة في تركيا حيث تم تسجيل أكثر من 970 ألف مولود خلال السنوات الـ12 الماضية.
ورغم ظروف العمل الصعبة، إلا أنهم يدركون أنهم لن يجدوا على الأرجح بديلا أفضل في بلدهم، بحسب مراد إردوغان.
ويؤكد لفرانس برس "قالوا لنا إنهم يواجهون الكثير من المشاكل في تركيا ويعملون جاهدين لقاء مبالغ زهيدة. لكن إذا عادوا، وحتى لو عثروا على عمل، قالوا إنهم لن يحصلوا إلا على 14 دولارا شهريا"، وهو مبلغ يجنون أكبر منه بكثير في تركيا. وأضاف أن "العودة قرار هائل. لهذا السبب، أعتقد أن 20 في المئة منهم كحد أقصى سيعودون وسيستغرق ذلك الكثير من الوقت". نقل الإنتاج إلى سورية ورغم ضبابية الوضع، يبحث غوزجه عن طرق جديدة لأقلمة العمل مع عودة بعض السوريين، الذين يتحدر حوالى نصفهم من منطقة حلب الواقعة عبر الحدود مقابل غازي عنتاب. وقال لفرانس برس "أصبحنا مقرّبين جدا من عمالنا السوريين"، مضيفا أنه إذا اضطر الأمر "فسنفتح ورشا في سورية لهم وسنواصل إنتاجنا هناك". ورغم الدمار الذي حل في معظم مناطق سورية، يقول خبير الهجرة لدى "معهد بروكينغز" في واشنطن كمال كيريتشي، إن هناك إمكانية لتنمية علاقات تجارية في المستقبل. وأوضح لفرانس برس بأن "سورية مكان واعد جدا على الأمد البعيد. في الأحوال المثالية، يمكن أن تكون لدينا حدود اقتصادية مفتوحة إلى حد كبير ليكون بإمكان الناس التنقل" بين البلدين. وأضاف أن من شأن ذلك أن يصب في مصلحة "الصناعات التركية والاقتصاد وسورية ونظامها الجديد".
يمكن في نهاية المطاف إعادة إحياء فكرة ما تعرف بمنطقة "شام غن" للتجارة الحرة والتنقل دون تأشيرات بين سورية والأردن ولبنان وتركيا. وهي مستوحاة من منطقة "شنغن" في الاتحاد الأوروبي لكنها انهارت مع اندلاع الحرب عام 2011.
وقال كيريتشي "يمكن إعادة إحياء كل ذلك بسهولة تامة، لكن المفتاح في أيدي السلطات الجديدة" في سورية.