ما أكثر ما تريد هذه الحكومة تنفيذه ولكن هل تستطيع ؟  
سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:15/04/2025 | SYR: 07:24 | 16/04/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE

 المسافة الناعمة بين طهران وأنقرة
15/04/2025      



عدم وجود لجان تنسيقية استراتيجية يعكس غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين لوضع إطار عمل طويل الأمد مما يجعل المشروع الثقافي عرضة للمصالح السياسية المتقلبة




سيرياستيبس :

سالمة الموشي - باحثة وكاتبة سعودية

بالنسبة إلى إيران فالثقافة تمثل أداة للهوية الوطنية وإبراز نفوذها الحضاري، بينما في تركيا تُستخدم الثقافة كأداة لتعزيز القومية التركية وتوسيع دائرة النفوذ في مناطق جغرافية تعتبرها تركيا ضمن نطاق نفوذها الثقافي، وهذا التباين في الرؤى يشكل عقبة رئيسة أمام أي تقدم فعلي في التعاون الثقافي بين البلدين.


في يناير (كانون الثاني) 2024 أعلنت إيران وتركيا تخصيص عام 2025 عاماً ثقافياً مشتركاً بين البلدين، وكان الإعلان بمثابة فرصة لتحسين العلاقات الثنائية بين الجارتين اللتين شهدتا تاريخاً طويلاً من التنافس والتباين الجيوسياسي، وخلال الأشهر القليلة الماضية تراجعت الحماسة لهذا المشروع المشترك ليُظهر أن كثيراً من التحديات السياسية والثقافية قد تضع هذا العام الثقافي على مفترق طرق، وفي هذا السياق تبدو التساؤلات حاضرة مثل هل يمكن للثقافة أن تكون أداة دبلوماسية فعلية؟ أم أن المصالح السياسية والاختلافات التاريخية ستظل هي المهيمنة؟ فبينما كانت طهران تأمل في أن يسهم هذا المشروع الثقافي في تعزيز العلاقات الثنائية، وبخاصة في سياق التوترات الإقليمية المستمرة، لم تُظهر التطورات الأخيرة التزاماً حقيقياً بتنفيذ المبادرة، في حين أن تركيا أعلنت اهتمامها بتوسيع حضورها الثقافي في المنطقة، فإن الممارسات السياسية الأخيرة قد أكدت أن الثقافة قد تتحول إلى ساحة تنافس رمزي بدلاً من أن تكون وسيلة للتقارب، فخلال مناسبات عدة، ومنها الاحتفال بعيد النوروز هذا العام، غابت إيران عن المشهد الرمزي مما أسهم في تعميق الهوة بين الطرفين، وينظر إلى ذلك في طهران كإقصاء متعمد لدور إيران الثقافي الذي تعتز به إلى حد التقديس، مما يطرح تساؤلات حول قدرة البلدين على تجاوز هذه الفجوة الرمزية، وأحد الأسباب الجوهرية لهذا التراجع يعود أيضاً لأن إيران ترى في الثقافة أداة سيادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهويتها القومية، فعيد النوروز فمثلاً ليس مجرد احتفال سنوي بل هو رمز لهوية فارسية تفخر إيران بها كونها بالنسبة إليها تعكس امتداد إيران الثقافي في المنطقة، وبالتالي فإن أية محاولة لتهميش هذا الحدث في سياقات إقليمية أو دولية تُعتبر بمثابة تهديد لمكانة إيران التاريخية، ومن هنا كان غياب أي تمثيل إيراني في احتفالات النوروز التي أقيمت في تركيا بمثابة مؤشر على الفجوة الرمزية بين البلدين، وهو ما زاد من تعميق الخلافات بينهما، كما شكل منعطفاً في احتفال العام الثقافي 2025 بين البلدين وتغير حجم المسافة الناعمة بينهما.

وتُظهر السياسة التركية أيضاً معايير مختلفة في التعامل مع الثقافة، إذ يُنظر إلى الثقافة في تركيا كأداة لتعزيز النفوذ الإقليمي، وبخاصة عبر مشروع "العالم التركي" الذي تتبناه، ويبرز هذا المفهوم بوضوح في السعي التركي إلى تعزيز الروابط الثقافية مع الدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى والقوقاز، وفي هذا السياق يُعتبر النوروز جزءاً من هذا الإطار مما يجعل أية تغييرات في سياق الاحتفال أو تهميش الرموز الإيرانية بمثابة مؤشرات لتوجهات سياسية غير مرغوب فيها من الجانب الإيراني، ولعل ما يزيد تعقيد الوضع هو تباين الرؤى بين البلدين حول مفهوم "الثقافة المشتركة".

وبالنسبة إلى إيران فإن الثقافة تمثل أداة للهوية الوطنية وإبراز نفوذها الحضاري، بينما في تركيا تُستخدم الثقافة كأداة لتعزيز القومية التركية وتوسيع دائرة النفوذ في مناطق جغرافية تعتبرها تركيا ضمن نطاق نفوذها الثقافي، وهذا التباين في الرؤى يشكل عقبة رئيسة أمام أي تقدم فعلي في التعاون الثقافي بين البلدين، كما يبدو أن من أبرز الأسباب التي أسهمت في تراجع حماسة البلدين لمبادرة "عام 2025 الثقافي" هو غياب التنسيق المؤسسي والإطار الإستراتيجي المنظم لهذا المشروع، ولم يجر حتى الآن إعلان خريطة طريق واضحة تحدد الفعاليات المشتركة أو الأنشطة المتفق عليها، مما يترك المجال مفتوحاً للتفسير والتأويل، كما أن عدم وجود لجان تنسيقية إستراتيجية يعكس غياب الإرادة السياسية لدى الطرفين لوضع إطار عمل طويل الأمد، ويجعل المشروع الثقافي عرضة للمصالح السياسية المتقلبة.

ولقد أدت التصريحات الإعلامية المتبادلة بين الطرفين حول عيد النيروز إلى تصعيد التوترات، مما جعل هذا المشروع الثقافي يبدو كأداة للاستعراض السياسي أكثر منه فرصة للتعاون الفعلي، وعلى رغم أهمية هذا المشروع في تحسين العلاقات بين الجارتين فإن تفشي الخطاب السلبي تجاه الرموز الثقافية المشتركة من شأنه أن يعيد رسم مشهد العلاقات الثقافية بين البلدين بصورة أكثر تآكلاً، وعلى رغم ما يبدو من توتر في العلاقة الثقافية بين إيران وتركيا فإن هناك فرصة حقيقية لتحويل عام 2025 إلى نقطة انطلاق جديدة إذا ما جرى تبني منهجية أكثر دبلوماسية في إدارة هذا التعاون الثقافي، لكن ذلك يتطلب أولاً إعادة تعريف "الثقافة المشتركة" بعيداً من التصورات السياسية الضيقة، والتركيز على جوانب تتيح لكل طرف الحفاظ على خصوصياته الثقافية والرمزية.

وقد يتطلب الأمر الاعتراف بحقيقة أن كل طرف لديه اهتماماته الخاصة التي يجب أن تحترم في السياق الثقافي، فإيران من جانبها تحتاج إلى التأكيد على مكانتها الثقافية كداعم للهوية الفارسية، بينما يجب على تركيا أن تتفهم خصوصية الرموز الثقافية الإيرانية التي تلتقي مع قيمها القومية في كثير من الجوانب، وإذا استطاع البلدان الوصول إلى صيغة من التعاون الثقافي المتوازن الذي يعترف بكل هذه الحقائق، فإن عام 2025 قد يُعتبر بداية لعهد جديد من التقارب الثقافي بينهما.

ومن خلال قراءة سياق المرحلة الحالية لهذا التقارب فيبقى عام 2025 الثقافي بين إيران وتركيا اختباراً حقيقياً لمدى قدرة البلدين على تجاوز خلافاتهما السياسية وتحويل الثقافة إلى جسر للتعاون المستدام، وإذا استمر كل طرف في استخدام الثقافة كأداة لتحقيق أهدافه السياسية الضيقة فإن هذا المشروع سيظل حبراً على ورق، أما إذا أعيدت صياغة الرؤى والاعتراف المتبادل بالخصوصيات الثقافية فإن هذا العام قد يتحول إلى بادرة تأسيسية لتقارب حقيقي ومؤثر في العلاقات بين الجارتين.

اندبندنت عربية


شارك بالتعليق :

الاسم : 
التعليق:

طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق