سيرياستيبس :
كتب الدكتور نبال الياس نجمة :
في المسألة التمويلية
المال عصب الدولة، وعلى الدولة أن تملك المال، وان تكون خزائنها ملآنة، من اجل القيام بواجباتها الاساسية والضرورية، بدأً من دفع رواتب العاملين لديها، ومرورا بإنفاقها على المؤسسات والخدمات، وانتهاءاً بتمويل مشاريع التنمية الوطنية. ومن هنا تبدو الحاجة ملحة للبحث عن مصادر تمويل متعددة تسمح للدولة بتحقيق النهوض الاقتصادي، وتوطيد السلم الاهلي، وخاصة في ظل التقدم الحاصل في عملية رفع العقوبات الاقتصادية.
اولا: الاستثمارات: وخاصة من قبل رجال الاعمال السوريين المقيمين في الخارج والراغبين في العودة الى الوطن او المساهمة في عملية البناء، او حتى لأهداف ربحية بحتة. فهؤلاء لديهم اعمال ناجحة وقدرات مالية وخبرات استثمارية. ومن المفيد استقطابهم وحثهم على المجئ وتقديم الدعم لهم، ومنحهم التسهيلات اللازمة لضخ الاموال في الاقتصاد السوري.
ثانيا: المساعدات الدولية: وهذه تأتي من الدول المانحة، العربية او الأجنبية، بغرض الدعم الانساني او الاقتصادي او السياسي، وترتبط بحسن العلاقات الثنائية، او الدولية، ومصداقية الادارة السياسية وانفتاحها على الآخرين. وهي قد تكون على شكل منح وهبات، عينية او مادية، وقد تكون على شكل ودائع طويلة الاجل بالعملة الاجنبية، يمكن الاستفادة منها في تغذية الاحتياطي النقدي، ودعم استقرار اسعار الصرف، وتمويل المشاريع الاستثمارية.
ثالثا: الضرائب والرسوم : تستطيع الدولة من خلال سلطاتها العامة إما تحسين عملية الجباية على الضرائب الحالية، او فرض مجموعة من الضرائب والرسوم الاضافية على بعض النشاطات الاقتصادية. فهي تجلب للدولة موارد مالية هامة، ذات طبيعة جارية ومستمرة، كما تساهم في التوزيع العادل للدخل القومي. ويجب في ذلك مراعاة الوضع الاقتصادي العام وظروف الناس المادية وقدرتهم التكليفية، وعدم تعارض الضرائب والرسوم المفروضة مع مبدأ الاقتصاد الحر الذي اعتمدته الادارة السياسية في تحديدها لشكل الاقتصاد السوري في المرحلة القادمة.
رابعا: الخصخصة: ونقول هنا الخصخصة الجزئية وليست الكلية، لبعض اصول الدولة، من شركات او مصانع، وبيعها للقطاع الخاص، وذلك من خلال عملية شفافة وحرفية، مبنية على التقييم العادل، وعلى حفظ حقوق العاملين. فالخصخصة الجزئية تؤمن للدولة موارد مباشرة من بيع الاصول، وموارد مستقبلية متأتية من تحسين التشغيل وزيادة الانتاجية.
خامسا: القروض: لا بأس بالاقتراض ان كان بحدود معقولة، وتكاليف منخفضة، وشروط ميسرة. ومن الممكن الاقتراض من المؤسسات المصرفية الدولية او هيئات التمويل الداعمة للتنمية الاقتصادية، وتقديم الضمانات السيادية اللازمة لذلك، على ان يكون الغرض من الاستدانة هو تمويل المشاريع الاستثمارية ذات العائد الاقتصادي المرتفع والذي يتجاوز مردودها المادي تكاليف تمويلها او خدمة ديونها.
سادسا: مصادر التمويل عن طريق الودائع الداخلية: تجمعت ودائع ليست بقليلة داخل المصارف المحلية العاملة خلال السنوات الاخيرة وذلك بسبب عدم قدرة المصارف على توظيفها او بسبب فرض قيود متعددة على العمليات المصرفية. ويمكن الاستفادة من هذه السيولة المالية إما لتمويل مشاريع استثمارية داخلية، او لاقراض الدولة عن طريق طرح برنامج للسندات الحكومية، يكون له فوائد اضافية من ناحية السياسات النقدية في ضبط المعروض النقدي والمساهمة في استقرار الاسعار.
سابعا: استرجاع الاموال المنهوبة: وهذا بند مهم، يتجاوز في جوهره هدف الحصول على الاموال، ويتعداه لرفع الغبن الذي اصاب السوريين من ممارسات شبكات الفساد المرتبطة بالنظام السابق عبر سنوات طويلة. فلا بد من اجراءات تساعد في آن واحد على تحقيق العدالة الانتقالية، والاسهام في رفد خزينة الدولة.
ثامنا: الاستفادة من موجودات الجهات العامة، الحزبية او الامنية، والتي تم حلها او تفكيكها، ومصادرة اصولها، واعادة تشغيلها او التصرف بها بشكل يوفر عائد مادي منها، واستغلال امثل لها، يؤمن مصدرا اضافيا للمال، ويعود على الاقتصاد بالنفع العام.
تاسعا: فك الحجز على المبالغ المالية، والاصول العائدة للدولة السورية، المجمدة في المصارف الدولية منذ سنوات طويلة بسبب العقوبات الاقتصادية والسياسية، والعمل على المطالبة بها، وبفوائدها المتراكمة، وتحريرها من قيودها والإستفادة منها لدعم الاقتصاد السوري.
عاشراً : المساعدة على حل الازمة المصرفية في لبنان، والتي بدأت تتوفر اسباب انفراجها، والضغط باتجاه ايجاد الحلول العملية والمقبولة لاستعادة السوريين لودائعهم، والتي من شأنها توفير سيولة كافية لاعادة تدوير عجلة الاقتصاد الوطني.
وفي الختام، فمن المناسب ان يتم العمل على مختلف المحاور السابقة بشكل متوازي، فالتركيز على واحدة واهمال البقية يرفع من مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للمال، ويقلل من فرص النجاح، ويحد من تنوع واستدامة مصادر التمويل. فالرؤية تحتاج لعين واحدة، اما الحقل البصري السليم فيحتاج الى عينين.