سيرياستيبس رحاب الابراهيم : كان مجرد التلفظ بكلمة “دولار” بمثابة جريمة في عهد النظام السابق،
لدرجة أن المواطنين كانوا يستعاضون بها بكلمات فكاهية على “السكت”
كـ”النعناع”، لكن اليوم اختلف الوضع كلياً بعد ما أصبح تصريف العملات مهنة
علانية في الشوارع في حلب وجميع المدن السورية، يصرخ الصرافون بأعلى صوتهم
على الملأ بتصريف الدولار إلى الليرة السورية وغيرها من عملات وكأنهم
يعبّرون عن فرحتهم من التخلص من تلك الإجراءات غير المنطقية التي كانت
تستخدم لمصالح شخصية وتخدم قلة قليلة بغية الإثراء غير المشروع.
وأمام هذه المشهدية كانت الليرة السورية تستعيد بعض قوتها المسلوبة مع
استمرار تراجع الدولار وانخفاضه، الذي لا شك انعكس بالإيجاب على المواطنين
عبر تخفيض أسعار بعض السلع وخاصة الأساسية، وسط ارتفاع أصوات محذرة من هذا
الانخفاض الوهمي، غير المستند إلى أسس اقتصادية قائمة على عودة عجلة
الإنتاج والتصدير، فالمضاربون استخدموا هذه النقطة وعمدوا إلى استغلال
الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب لجهة اضطرار المواطنين إلى بيع مدخراتهم
نتيجة عدم قبض الرواتب وانحباس السيولة في المصارف، بغية تحصيل أرباح كبيرة
ترضي جيوبهم.
صحيفة “الحرية” تواصلت مع الدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري
للتحدث عن انخفاض سعر الصرف وتأثيره على الواقع الاقتصادي ومخاطره على
العاصمة الاقتصادية بالتحديد، حيث أكد أنه بعد انتصار الثورة السورية،
وسقوط النظام البائد، كان من الطبيعي أن تشهد سوريا انفتاحاً سياسياً
واقتصادياً متزايداً، أثرت على سعر صرف الليرة السورية، وهذا أدى إلى تحسن
كبير لمصلحتها أكثر من المتوقع وصل إلى ٧٥٠٠ ليرة مقابل الدولار.
تحسن ولكن..؟!
هذا التحسن حسب د.حزوري لم يكن نتيجة لتحسن اقتصادي حقيقي، بل جاء بسبب
العامل النفسي نتيجة الانفتاح الحاصل، إضافة إلى سياسات حبس السيولة في
المصارف، ونقص السيولة لدى المواطنين، إذا منعت بعض المصارف السحب نهائياً،
بينما سمحت أخرى بسحب محدود لا يتجاوز 500 ألف ليرة يومياً ثم أصبح
أسبوعياً منذ يومين، عدا عن احتجاز أموال التجار والصناعيين لدى منصة تمويل
المستوردات، التي تقدر بأكثر من ٦٠٠ مليون دولار بالليرة السورية، والتأخر
بصرف الرواتب والأجور، ما يضطر قسم كبير من المواطنين لبيع مدخراتهم من
الدولار، وهنا استغل المضاربون ذلك الوضع ليحققوا أرباحاً فاحشة عبر
المضاربة على الليرة السورية، مستغلين رفض المصرف المركزي والمصارف المرخصة
وشركات الصرافة، شراء القطع الأجنبي وفق النشرة الرسمية.
مضاربات
يضيف د.حزوري أن تحسن الليرة السورية الكبير غير المستدام، لم يأت نتيجة
زيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير، بل نتيجة مضاربات وعوامل نفسية، وهذا
يحمل مخاطر، منها الركود الاقتصادي، حيث يعطل نقص السيولة الأنشطة التجارية
والصناعية، وبالتالي تباطؤ في الأسواق وتسريح للموظفين وإغلاق بعض المعامل
إن استمر لفترات طويلة فبعض المنشآت التي تتمتع برأسمال عال وسيولة مرتفعة
يمكنها تحمل الركود فترات طويلة وأخرى قد لا تستطيع الصمود أكثر من شهر.
موجة تعثر مصرفي
هذا التحسن أيضاً حسب الدكتور حزوري يؤدي إلى مخاطر تتعلق بالقروض وتعثر
المصارف، فإذا استمر انخفاض الدولار إلى دون ٥ آلاف ليرة سيؤدي ذلك إلى
تعثر معظم الشركات المقترضة في سداد التزاماتها، ويهدد بقاءها وبقاء
الشركات المتعاملة معها، وهذا يؤدي إلى موجة تعثر مصرفي كبيرة، عدا عن
زعزعة الثقة بالنظام المصرفي وخاصة أن السياسات السابقة تضعف ثقة المودعين
والمستثمرين في القطاع المصرفي ويوجه للتعامل النقدي، وهذا له آثار كبيرة
سيئة على جميع المستويات.
الخيار الأفضل
وبيّن الدكتور حزوري أن ثبات سعر الصرف بحدود ١٣ ألف ليرة، كما هو في نشرة
المصرف المركزي، مع هامش زائد ناقص ٥ %، هو أهم من تحسن وهمي لقيمة الليرة
السورية غير مبرر اقتصادياً، فسعر صرف بين ١٢٥٠٠ و١٣٥٠٠ ليرة مع زيادة
الرواتب بشكل مدروس، مع حرية السحب والإيداع ضمن المصارف، هو أفضل من تراجع
السعر إلى ما دون ٧٥٠٠ ليرة مع ركود اقتصادي حاد.
إغلاق منشآت
وشدد الدكتور حزوري على أن المطلوب حالياً سياسات تضمن استقرار الأسواق دون
التضحية بالنشاط الاقتصادي، متسائلاً ما هو السيناريو القادم؟ إذا استمرت
هذه السياسات دون ضخ سيولة كافية، فإن التحسن الحالي في الليرة سيكون
مؤقتاً، وسينتج عنه كوارث تؤدي إلى مزيد من الركود وإلى إغلاق المنشآت
وتسريح العمال وإلى مزيد من الفقر والبؤس الاجتماعي.
ويحذر من خطورة ذلك، وخاصة أنه بدأ تكشف آثار ذلك في مدينة حلب، عاصمة
الاقتصاد السوري، حيث أعلنت أكبر منشأة للصناعات النسيجية في الشيخ نجار
التوقف عن الإنتاج، بسبب تكلفة الكهرباء والجمارك وسعر الصرف، وهناك منشآت
أخرى ألغت عقودها التصنيعية أيضاً، بسبب ارتفاع التكاليف المحسوبة بالليرات
السورية كالكهرباء وأجور العمال.
د.حزوري: مخاطر اقتصادية ومصرفية ويمكن اللجوء إلى التسعير المؤقت بإحدى العملات المستقرة
تسعير مؤقت
يشدد د.حزوري على أنه في حال كانت هناك مبررات موضوعية تتطلب تقييد
السيولة، وللحفاظ على النشاط الاقتصاد واستمرار عمليات الإنتاج يمكن اتخاذ
عدة إجراءات كالتسعير المؤقت، بعملة تتمتع بالاستقرار، وليكن الدولار
مثلاً، حيث يمكن احتساب كل التكاليف بالدولار بما فيها الخدمات الحكومية
وقيمة الكهرباء والأجور، وحتى أسعار الخدمات من نقل ومحروقات، فالاقتصاد
يحتاج سياسة نقدية تهدف إلى تحقيق توازن حقيقي بين استقرار الليرة من جهة
وإلى استدامة النشاط الاقتصادي من جهة أخرى . الحرية
|