سيرياستيبس : تتمتع التقنيات الجديدة بالقدرة على تحسين العلاقة بين الحكومات والمواطنين، وأدت البوابات الضريبية وأنظمة تكنولوجيا المعلومات الجمركية والخدمات عبر الإنترنت إلى تبسيط التفاعلات مع السلطات العامة، وتقليل العقبات البيروقراطية، وزيادة الشفافية.
خلال الوقت الحالي، يظهر الذكاء الاصطناعي التوليدي "جين أول" باعتباره القوة التحويلية التالية، وبفضل قدرته على فهم وإنتاج اللغة البشرية يفتح الذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانات تتجاوز الأتمتة البسيطة. لكن في مجال حساس سياسياً مثل الضرائب، فإنه يثير أيضاً أسئلة مهمة يمكن أن تقوض الثقة بسرعة. وبدأت السلطات الضريبية في استكشاف الذكاء الاصطناعي التوليدي على رغم أن معظم الجهود لا تزال في مرحلة تجريبية مبكرة، وكان المجال الأكثر وضوحاً حتى الآن هو تحسين التواصل مع دافعي الضرائب. وفق تقرير حديث لصندوق النقد الدولي تحت عنوان "كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد كلاً من جامعي الضرائب ودافعي الضرائب"، يجيب المساعد الافتراضي في سنغافورة عن الأسئلة الضريبية بلغات متعددة، ونجح في خفض استفسارات مركز الاتصال إلى النصف. فيما نشرت كوريا دليل الذكاء الاصطناعي لمساعدة المواطنين في تقديم الضرائب ودفعها، وفي فرنسا يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل رسائل البريد الإلكتروني الواردة واقتراح مسودة ردود لموظفي الخدمة المدنية للتحقق من صحتها. وعلى رغم أن هذه التطبيقات واعدة فإن سؤالاً أكثر عمقاً يبرز هو هل يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي تغيير العلاقة بين الحكومات والمواطنين بصورة كبيرة؟ علاوة على ذلك، كيف سيؤثر ذلك على الطريقة التي يختبر بها المواطنون الضرائب ويتصورونها، وهي عملية حساسة سياسياً يحكمها القانون لكنها متشابكة بعمق مع الأعراف والممارسات الاجتماعية؟ ما الجديد في الذكاء الاصطناعي التوليدي؟
يرى صندوق النقد الدولي أن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها حالياً سلطات الضرائب والجمارك تنبؤية ومصممة لوظيفة واحدة. ويحللون مجموعات كبيرة من البيانات المنظمة، مثل الإقرارات الضريبية أو المعاملات السابقة، لإنتاج أشياء مثل درجات الأخطار للإشارة إلى الاحتيال المحتمل.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو نظام عام يفهم جميع أشكال المعلومات تقريباً، وهو مصمم للتفاعل مع البشر بأية لغة ويمكنه التعامل مع مجموعة من المهام، بدءاً من صياغة الرسائل وحتى تقديم التوجيه التفاعلي حول اللوائح الضريبية ومساعدة المسؤولين في تحقيقاتهم.
ومن خلال تدريب وكيل الذكاء الاصطناعي التوليدي على النصوص القانونية وقوانين الضرائب، وإجراءات التشغيل والمبادئ التوجيهية الداخلية يمكن للإدارات تكييفه مع حاجات محددة، والنتيجة هي نظام ديناميكي قادر على فهم وإنتاج المحتوى الذي يمكن لموظفي الخدمة المدنية ودافعي الضرائب التفاعل معه، بحسب تقرير صندوق النقد.
تحويل العلاقة بين الحكومات والممولين وأضاف التقرير "في حين أن أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة تعمل في كثير من الأحيان على تعزيز الكفاءة، فإنها لم تغير بصورة جذرية الطريقة التي تعمل بها سلطات الإيرادات أو تتعامل مع المواطنين. وحلت في الغالب محل المهام أو الأنظمة اليدوية للنمذجة الاقتصادية القياسية أو الإحصائية". مع الذكاء الاصطناعي التوليدي هناك آثار أكثر عمقاً، وعلى المستوى الداخلي يمكن أن يساعد مسؤولو الضرائب والجمارك على التركيز على الأدوار التحليلية والقائمة على الحكم، مما يسمح لهم بأن يصبحوا متخصصين في الرقابة ويزيد إنتاجيتهم، وفق ما يخلص التقرير. وعلى المستوى الخارجي يمكن للأدوار التحليلية تقليص الفجوة المعرفية بين الإدارات ودافعي الضرائب، والمساعدة في تفسير الأحكام المعقدة والتنقل بين القوانين وتحديد الخصومات، وحتى ملء النماذج تلقائياً.
وبالنسبة إلى البلدان منخفضة الدخل، يوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي الفرصة لدفع الإصلاحات التنظيمية والقفز إلى أحدث الأنظمة، وعلى سبيل المثال في مدغشقر تريد هيئة الجمارك استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين إدارة الأخطار ومكافحة الاحتيال وزيادة الإيرادات، باستخدام البيانات المتراكمة على مدى 10 أعوام لتدريب نظامها. ويمكن للتفاعلات الشبيهة بالبشر التي توفرها أدوات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تخصيص العملية كما هو موضح في سنغافورة وكوريا، إذ يمكن للمستخدمين طرح الأسئلة وتلقي ردود بلغة واضحة. ويمكن لمنظمات المواطنين والأكاديميين والأحزاب السياسية أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لدراسة الإصلاحات المقترحة، ومقارنة السيناريوهات والمشاركة في مناقشات سياسية أعمق، ومن الممكن أن يؤدي هذا التحول في الاتجاهين إلى زيادة الثقة الإجمالية مما يجعل فرض الضرائب أقرب إلى مسؤولية مشتركة بين دافعي الضرائب والحكومات. عقبات في طريق استخدام الذكاء الاصطناعي وعلى رغم إمكاناته فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يأتي أيضاً مع التحديات بحسب تقرير صندوق النقد الدولي، إذ يجب معالجة القضايا المتعلقة بجودة البيانات والأخلاق ومخاوف الخصوصية (أي النتائج غير الصحيحة) لتعزيز الثقة وعدم تآكلها، وعلى سبيل المثال يعكس النهج الذي تتبعه كوريا - توجيه استفسارات حساسة خصوصاً إلى العملاء البشريين - الحاجة إلى مراقبة دقيقة للمسائل السرية، ويجب أن تكون النتائج قابلة للتفسير وأن ينظر إليها على أنها عادلة في جميع الحالات. الإدارة الفعالة للمعرفة مطلب آخر، ولدى سلطات الإيرادات قوانين ولوائح وسجلات قضايا وأدلة تشغيلية واسعة النطاق، ومع ذلك فإن الأرشيفات المتناثرة والرقمنة غير المكتملة يمكن أن تعرقل الجهود المبذولة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي بصورة فعالة، وهنا يجب على الإنسان تحديد المستندات الدقيقة وذات الصلة والمناسبة لإدراجها في المواد التدريبية، وفق التقرير. ومع دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في مختلف جوانب إدارة الإيرادات، سيحتاج الموظفون إلى التدريب على تفسير مخرجاتها وتصحيحها واستكمالها، ويجب على صناع السياسات التأكد من الإبلاغ عن الأخطاء ومعالجتها على الفور. ومن خلال توفير قدرات شبيهة بالبشر لدعم دافعي الضرائب والسلطات الضريبية، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي العمل كمساعد لمسؤولي ودافعي الضرائب وأتمتة المهام الروتينية، وتوضيح القضايا المعقدة وتعزيز علاقة أكثر شفافية وتعاونية، بحسب التقرير. ويلفت إلى أنه من الممكن أن تقلل هذه التكنولوجيا من العقبات الإدارية، وتزيل الغموض عن الالتزامات الضريبية، وتدعو إلى مشاركة أوسع في المناقشات السياسية، ومع ذلك فإن تشكيلها بصورة صحيحة يتطلب قيادة قوية وأطراً سياسية أخلاقية ورقابة يقظة على جودة البيانات، والخصوصية والدقة.
اندبندنت عربية
|
طباعة هذا المقال
أرسل إلى صديق
.gif){kind=logo}
