سيرياستيبس :
قال المستشار الاقتصادي زياد عربش : أن سياق الاقتصاد السوري مختلف عن سياق العالمي، علمًا أن ارتفاع سعر الذهب عالميًا يعني ارتفاعه محليًا (وبنسب أعلى كون الليرة السورية هي التي تنخفض)، وانخفاض الدولار الأمريكي عالميًا من المفترض أن يعزز من قيمة الليرة السورية، لكن منذ أشهر نشهد العكس، ويرجع ذلك نتيجة عوامل داخلية عديدة، إذ إن قيمة الليرة السورية انخفضت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بنسبة 11% في السوق السوداء.
عوامل ارتفاع سعر الصرف
حول العوامل التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، أوضح عربش أن السعر يتغير عادة في سوريا نتيجة عوامل بنيوية وظرفية، وقبل سقوط نظام الأسد كان الاتجاه العام نحو التدهور المستمر رغم كل التذبذبات الخادعة.
بينما بعد السقوط حققت الليرة السورية مكاسب عديدة وانخفضت الأسعار بنسبة وسطية بلغت 40%، وبعد ثلاثة أشهر استقر سعر الصرف لأشهر عند العشرة آلاف ليرة سورية، ومنذ ثلاثة أسابيع بدأ الانخفاض من جديد، بحسب المستشار الاقتصادي.
ولفت إلى أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة وصل إلى عتبة 11500 ليرة سورية، ويعود أسباب ذلك لتضافر عوامل بنيوية (مع هامشية دور أي عوامل ظرفية) وهي تجتمع الآن كنتيجة للتدرج الزمني، وتتمثل بـ
1- انحسار السيولة النقدية الدولارية والسورية كمدخرات للأسر والأفراد وحتى
قطاع الأعمال، إذ إن فتح باب الاستيراد والتخفيض الشديد للرسوم الجمركية
وانخفاض الأسعار وصعوبات التصدير (ولو بالحد الأدنى)، استنزف المدخرات
لاقتناء السيارات والأجهزة والتجهيزات المستوردة التي أغرقت الأسواق
الداخلية وحجمّت النشاط الإنتاجي المحلي خاصة في قطاع الملابس والصناعات
الغذائية أو التحويلية الأخرى، بالرغم من متابعة العديد من الصناعيين
الإنتاج لكنهم لم يستفيدوا من التوسع الاستهلاك كمًا ونوعًا، خاصة مع عودة
جزء من المهجرين وعدم وجود دفع إتاوات عبر الحواجز ببن وداخل المحافظات.
2- انخفاض نسبي في التحويلات المالية من المقيمين خارج سوريا، بالرغم من
متابعة اندماج سوريا بالاقتصاد الدولي بعد رفع العقوبات، وزيادة قنوات
التحويل والدفع عبر أنظمة “السويفت” العالمية، إلا أن تحويلات المغتربين
بعد الإرساليات الكبيرة في الأشهر الأخيرة، انخفضت نسبيًا، مع تنامي الطلب
على الدولار لتمويل المستوردات، خاصة بعد عودة فتح الاعتمادات المستندية
(LCs) وبوالص الشحن.
3- زيادة الرواتب بنسبة 200% الشهر الماضي، والتي انعكست بارتفاع للأسعار وبضغوط تضخمية على سعر الليرة.
4- تأكيد حاكمية مصرف سوريا المركزي على الإعلان (من خلال وكالة أنباء غير
سورية) عن طبع عملة سورية جديدة ودون حملة حشد ممنهجة و منذ بداية الصيف،
تتالت تصريحات الحاكم عبر لقاءات وحوارات عديدة لتدارك الأمر.
وأصبح الجميع يسأل عن المسار لنهاية العام مع بروز أخبار منها مضاربات أو تباطؤ المانحين بالإيفاء بوعودهم، أو لجوء بعضهم لشراء الدولار سواء كان بحوزته أوراق نقدية سورية بشكل نظامي أو كان يملك كميات كبيرة من الليرات السورية المهرّبة من دول الجوار، وسيعمد إلى التحوط بالدولار خوفًا من انكشاف الممارسات الملتبسة لاقتنائها وذلك عند عمليات التبديل، وفق ما قاله عربش.
ونوه إلى أنه يفترض أن تمر كافة الرسائل والسياسات المالية والاقتصادية و النقدية والمصرفية بعد مناقشتها عبر القنوات السورية، وبحوارات مع كل فعاليات المجتمع.
تجنب آثار استبدال العملة
تتحضّر سوريا لطرح أوراق نقدية جديدة، في 8 من كانون الأول المقبل، بعد حذف صفرين من العملة النقدية، في محاولة لاستعادة ثقة الجمهور بالليرة .
المستشار الاقتصادي زياد عربش، أشار إلى أنه مع أو دون تغيير العملة (حذف الصفرين هو خطوة تقنية سهلة التطبيق لكنها لا تعالج جذور المشكلات الاقتصادية)، يجب أن تصوغ سوريا برنامجًا للإصلاح الاقتصادي على أن يكون شاملًا للنظام النقدي والمالي.
كما يجب تحسين بيئة الاستثمار، وزيادة الإنتاج، وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، وتعزيز ثقة المواطنين والمؤسسات بالعملة عبر تحسين الإدارة الاقتصادية وشفافيتها، وفق عربش.
وأضاف أنه لنجاح خطوة استبدال العملة لا بد من بناء نظام مصرفي قوي وموثوق، مع توفير بيئة شفافة ومستقرة تشجّع الثقة في العملة الجديدة.
وذكر عربش أن أهم شروط الإصلاح المصرفي لنجاح العملية:
– تحديد مهلة صارمة لاستبدال العملة: لمنح المواطنين الوقت الكافي لإيداع
الأموال في المصارف ومنع التلاعب، مع رقابة صارمة على العملية لضمان
الشفافية ومكافحة غسل الأموال.
– منح المصرف المركزي استقلالية حقيقية بعيدة عن كل التدخلات لضمان اتخاذ قرارات مالية ونقدية موضوعية وفعالة.
– إصلاح شامل للقطاع المصرفي: يشمل تحديث آليات العمل وتطوير البنية التحتية الرقمية وضمان أمان الودائع لتعزيز ثقة العملاء.
– تعزيز الشفافية والتواصل بخطاب رسمي واضح للمواطنين يشرح الرؤية الاقتصادية والمبررات وراء الخطوة لزيادة ثقة الجمهور.
– مكافحة غسل الأموال والتلاعب: تشديد الإجراءات لإثبات مصادر الأموال خلال
الاستبدال للكشف عن الأموال غير المشروعة وحماية النظام المالي.
– حماية حقوق صغار المودعين لمنع تداعيات سلبية عليهم خلال عملية الاستبدال والإصلاح خاصة لمن معهم أسهم نقدية.
– تطوير قدرات المصارف على إدارة المخاطر ضمن خطة إعادة الهيكلة، حيث من
الضروري تعزيز آليات المصارف في التعامل مع المخاطر المالية والائتمانية.
– تنظيم وتطوير سوق الصرف بين المصارف لتسهيل تداول العملات ضمن نظام نقدي مرن وتحقيق استقرار نسبي.
– إعطاء الأولوية لدوران النشاط الاقتصادي وضبط السيولة النقدية والسيطرة
على التضخم كي لا تؤدي عملية الاستبدال إلى زيادة الطلب على العملات
الأجنبية أو ارتفاع الأسعار.
– إعادة بناء ثقة الناس من خلال ضمان استمرار الخدمات المصرفية واستقرار النظام المالي وتعزيز حماية الأموال.
وبحسب عربش،فإن هذه الشروط مجتمعة تهيئ بيئة مناسبة لاستعادة مكانة النظام النقدي في تحفيز الاستثمار والنشاط الاقتصادي المتوازن وليس اقتصاد التجارة الخارجية الاستهلاكية.