سورية الجميلة RSS خدمة   Last Update:24/12/2025 | SYR: 15:53 | 24/12/2025
الأرشيف اتصل بنا التحرير
TopBanner_OGE



خلطات كامبو


شاي كامبو


IBTF_12-18


 لبنان يُشرّع الانهيار ويعفي المنظومة المالية
24/12/2025      

لبنان يعد خطة لمعالجة الخسائر الناجمة عن الانهيار المالي

سيرياستيبس

لا يُقاس وزن القوانين في الدول المنهارة بعدد موادها، بل بالأسئلة التي تهرب منها. ومشروع قانون استعادة الانتظام المالي المطروح في لبنان هذه الأيام لا يهرب فقط من سؤال العدالة، بل يعيد صياغة الخسارة أمراً واقعاً، ويحوّل الانهيار المالي من جريمة منظّمة إلى مسألة تقنية قابلة للإدارة. منذ عام 2019، تعرّض اللبنانيون لواحدة من أوسع عمليات مصادرة الثروة الخاصة في التاريخ الحديث. ودائع عمرها عقود تبخّرت، وقيمة الليرة انهارت، والنظام المصرفي انهار فعلياً من دون أي إطار قانوني أو محاسبي أو قضائي. اليوم، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات، يُطرح قانون يُفترض أن ينظّم ما تبقى من الأزمة، لكنه في جوهره يسعى إلى تنظيم الخسائر لا معالجتها، وإقفال الملف بدل فتحه على أساس الحقيقة والمساءلة.

يقدّم المشروع نفسه بوصفه قانوناً يحمي صغار المودعين، عبر وعد بردّ الودائع حتى سقف 100 ألف دولار على مدى أربع سنوات. غير أن هذا الطرح، وإن بدا إيجابياً في الشكل، يتجاهل حقيقة أساسية: معظم المودعين تكبّدوا خسائر فعلية منذ سنوات، نتيجة السحوبات القسرية على أسعار صرف مجحفة، من دون أيّ احتساب أو تعويض عن تلك الخسائر. الأخطر أنّ المشروع لا يتعامل مع الودائع كحقوق فردية، بل ككتلة واحدة على مستوى القطاع المصرفي، عبر اعتماد مبدأ التعويض الواحد لكل مودع، لا على أساس كل مصرف. هذا المنطق يفتح الباب أمام شطب فئات واسعة من الودائع تحت تسميات فضفاضة، مثل ودائع غير مشروعة أو فوائد مفرطة، من دون تعريفات دقيقة أو ضمانات قضائية كافية، ما يشكّل مساساً مباشرًا بحق الملكية وبالأمن القانوني.

وفي غياب تحديد واضح لحجم الخسائر وكيفية توزيعها، يبدو أن المشروع يميل ضمنياً إلى تحميل الدولة الجزء الأكبر من كلفة الانهيار، سواء عبر الدين العام أو عبر استخدام الأصول العامة كضمانات. لكن تحويل خسائر نظام مصرفي خاص إلى عبء عام لا يشكّل حلًا، بل ترحيلًا للأزمة إلى الأجيال المقبلة. فالخطر هنا لا يكمن فقط في الأرقام، بل في الفلسفة الكامنة خلفها: حين تُستخدم الدولة وسادة لامتصاص فشل المصارف والمصرف المركزي، من دون أي إصلاح جذري أو مساءلة، تتحول العدالة الاجتماعية إلى شعار فارغ، ويُعاد إنتاج أسباب الانهيار نفسها التي قادت إلى الكارثة.

في التجارب الدولية، تبدأ أي معالجة جدّية للأزمات المصرفية من مبدأ واضح: يتحمل المساهمون الخسائر أولاً، ثم كبار الدائنين، قبل أي مساس بحقوق المودعين. إلّا أنّ المشروع اللبناني لا يكرّس هذا المبدأ بصراحة وحسم، بل يترك ثغرات تسمح بإبقاء رساميل المصارف أو إعادة بنائها تدريجيًا، فيما يُطلب من المودعين تحمّل اقتطاعات مباشرة أو مقنّعة. إن أي تعافٍ لا يبدأ بإطفاء رساميل المساهمين ومحاسبتهم، ليس تعافياً حقيقياً، بل إعادة تدوير للخسارة في شكل جديد، يفتقر إلى العدالة ولا يعيد الثقة المفقودة بين المواطنين والدولة.

يتضمن المشروع آلية لاسترداد جزء من الأرباح والمكافآت المفرطة التي حصل عليها بعض المساهمين والإداريين، لكن من دون تعريف واضح وملزم لهذا المفهوم، ومن دون ربط فعلي بالمساءلة الجزائية، ولا سيما في ما يتعلق بالتحويلات إلى الخارج أو باستخدام المعلومات الداخلية. كما أن تقسيط عمليات الاسترداد على سنوات طويلة يفرغ الإجراء من طابعه الردعي، ويحوّل المساءلة إلى بند شكلي لا يغيّر في موازين القوة ولا يضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب التي حكمت النظام المالي لعقود.

الذهب… الخط الأحمر

الأكثر خطورة في مشروع قانون استعادة الانتظام المالي هو فتحه الباب، صراحة أو تلميحاً، أمام استخدام احتياطي الذهب كضمانة أو أداة لتغطية الخسائر. فالذهب ليس أصلًا ماليًا عاديًا يمكن إدراجه في معادلات إعادة الهيكلة، بل هو ملك عام للشعب اللبناني، محمي بقوانين نافذة وبإجماع وطني تاريخي هدفه منع السلطة السياسية والمالية من التصرّف به. في بلد استُنزفت فيه الاحتياطات النقدية وتآكلت الثقة بالدولة، يمثّل الذهب آخر دعامة سيادية فعلية، وأي مساس به يعني ضرب ما تبقّى من عناصر الاستقلال المالي. إدخال الذهب في أي مسار تعافٍ قبل تحديد المسؤوليات والمحاسبة الشاملة يشكّل انقلاباً على منطق العدالة الاقتصادية. فالخسائر التي تكبّدها لبنان لم تنتج عن الذهب ولا عن المجتمع، بل عن سياسات نقدية ومالية ومصرفية محدّدة، راكمت الأرباح لفئات ضيّقة ثم عمّمت الخسائر. استخدام أصل سيادي لتغطية فشل منظومة خاصة هو تأميم للخسائر بعد خصخصة الأرباح، ونقل مباشر للعبء من المصارف ومساهميها إلى المواطنين الحاليين والأجيال المقبلة.

الأخطر أن أي رهن أو توظيف للذهب، ولو كان تحت عناوين تقنية أو تفاوضية، يقيّد السيادة الاقتصادية ويفتح الباب أمام ضغوط خارجية مستدامة، في بلد يعاني أصلاً من هشاشة سياسية ومؤسساتية. فالذهب ليس احتياطياً معطّلاً يجب تسييله، بل خط دفاع أخير عن العقد الاجتماعي والعدالة بين الأجيال. وأي قانون يلمّح إلى المساس به، بدل تحصينه بوضوح، لا يستعيد انتظاماً ماليًا، بل يستكمل تفكيك الدولة تحت غطاء تشريعي. في جوهره، يعاني المشروع من غياب الرواية القضائية الشاملة. فلا تدقيق جنائي ملزم، ولا تحديد واضح للمسؤوليات الجزائية. وكأن المطلوب هو طيّ الصفحة، لا فتحها، وإقفال الملف المالي بقانون، لا بالحقيقة. لكن أي قانون يُقرّ من دون مساءلة حقيقية، يتحول إلى شكل من أشكال العفو المقنّع، ويعمّق الشرخ بين الدولة والمجتمع، بدل أن يعيد بناء الثقة والعقد الاجتماعي.

ما يُناقش اليوم ليس مجرد قانون مالي، بل شكل لبنان لعقود مقبلة: هل يكون بلداً تُدار أزماته عبر تحميل الضعفاء كلفة الأقوياء، أم دولة قانون تُحاسب قبل أن تُعالج، وتُصلح قبل أن تُعوّض؟ قانون استعادة الانتظام المالي، بصيغته الحالية، لا يستعيد انتظاماً بقدر ما يسعى إلى تنظيم الخسارة. وبين التنظيم والعدالة، مسافة سياسية وأخلاقية لا يمكن القفز فوقها.

العربي الجديد


طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق

 
 

سورس_كود



Baraka16


Orient 2022


معرض حلب


الصفحة الرئيسية
مال و مصارف
صنع في سورية
أسواق
أعمال واستثمار
زراعـة
سيارات
سياحة
معارض
نفط و طاقة
سوريا والعالم
محليات
مجتمع و ثـقافة
آراء ودراسات
رياضة
خدمات
عملات
بورصات
الطقس