سيرياستيبس
ليندا تلي :
ظاهرة غريبة تتناقلها مواقع ومنصّات التواصل الاجتماعي، تتمثل بمنح
شهادات دكتوراه فخرية، أو شهادات شرفية من قبل جهات ومراكز عربية وعالمية
العديد منها مجهول أو وهمي، وبعضها يتقاضى مبالغ مالية كبيرة لقاء ذلك، وما
يزيد الطين بلة أن أصحاب هذه الشهادات ينتحلون بعض المهن الحساسة،
ويمارسونها دون الاكتراث بمدى الضرر الذي يلحقونه بمن حولهم، وبالمجتمع
بشكل عام.
المتفاعلون يتساءلون عن حقيقة هذه الشهادات، وهل يستحقها كل من تُمنح
له، مستهجنين حصول “سين” من الناس على الدكتوراه في وقت حصل على الثانوية
العامة بأدنى الدرجات “شحط”، والسؤال: ما الذي حقيقة تلك الشهادات الفخرية,
وهل هناك عقوبة لمن ينتحلها؟
الرقابة الأكاديمية
غالباً ما تكون المؤسّسات التي تمنح شهادات دكتوراه فخرية، بشكل غير
مُعترف به أو غير أكاديمي، بمثابة كيانات غير خاضعة للرقابة الأكاديمية
الرسمية ولا تلتزم بالمعايير الأكاديمية، وفق الدكتور حكمت دياب، الأخصائي
بعلم النفس، إذ يتمّ تقييم مثل هذه المؤسسات بموجب معايير عدّة منها: أولاً
الاعتراف الأكاديمي والاعتماد، باعتبار المؤسسات الأكاديمية الموثوقة
معترف بها رسمياً من هيئات اعتماد وطنية أو دولية، وتلتزم معايير الجودة
الأكاديمية، أمّا المؤسسات غير المعترف بها، فتفتقر إلى هذا الاعتماد.
ثانياً: الغرض من الشهادة الفخرية التي يجب أن تُمنح من الجامعات المعترف
بها يأتي تقديراً لإنجازات حقيقية في مجال معين، بينما في المؤسسات غير
المعترف بها يتمّ منحها غالباً بغرض الربح أو لأغراض غير علمية. ثالثاً:
السجل والتاريخ باعتبار المؤسسات الأكاديمية العريقة تتمتّع بتاريخ طويل من
التميّز والاعتراف، أمّا المؤسسات غير المعترف بها فتفتقر عادةً إلى هذا
السجل أو تكون حديثة الإنشاء.
شعور بالتهديد
ولفت دياب إلى الضرر الذي يحدث للمجتمع جرّاء منح شهادات فخرية من
مؤسّسات غير رسمية، مثل إضعاف قيمة الشهادات الأكاديمية الحقيقية، حيث يشعر
الحاصلون على شهادات أكاديمية فعلية بالتهديد حين يتمّ منح درجات فخرية
لمن ليس لهم خلفية علمية، إضافة إلى حدوث إرباك في المجتمع، فعندما يرى
الناس أفراداً يحملون لقب “دكتور”، من دون تأهيل علمي حقيقي، يؤدي هذا إلى
تشويه الفهم العام للمعايير الأكاديمية، وقد يجعل من الصعب على العامة
التفريق بين الشهادات الحقيقية والزائفة، وأخطر ما في الأمر هو التأثير على
القرارات المهنية والسياسية، ففي بعض الأحيان قد يتمكّن حاملو الشهادات
الفخرية غير المعترف بها من الحصول على مناصب حساسة أو تقديم استشارات
علمية، ممّا قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مستندة إلى علم أو خبرة فعلية.
توعية وسنّ قوانين
ولمواجهة هذه الظاهرة، دعا دياب إلى ضرورة اتخاذ عدة إجراءات منها توعية
الجمهور بأهمية التحقّق من الاعتمادات الأكاديمية ومصدر الشهادات، وتوضيح
الفارق بين الشهادات الأكاديمية الفعلية والشهادات الفخرية غير المعترف
بها، إضافة إلى التشريعات والرقابة، حيث تحتاج السلطات في بعض الدول إلى
سنّ قوانين أو فرض لوائح تنظم منح الشهادات، وتمنع المؤسسات غير المعترف
بها من استخدام ألقاب علمية قد تضلل العامة، وبالإضافة إلى العمل على تعزيز
المؤسسات الأكاديمية المعترف بها وذلك بتوفير مزيد من الشفافية حول الجهات
المانحة لشهادات الدكتوراه الفخرية، وتعزيز مصداقية المؤسّسات الأكاديمية
المعترف بها، فذا يمكن أن يقلل الاعتماد على الشهادات الصادرة من مؤسسات
غير رسمية.
فقاعة صابون
يُعتبر التكريم ثقافة مهمّة في بناء الفرد والتأثير بالمجتمع، وفق ما
ذكرت التربوية ديمة الغزاوي، ولكن أن يتحوّل التكريم إلى وسيلة لجذب الشباب
لمؤسسة معينة أو جامعة أو جهة وهمية أو مجهولة الهوية، فهنا يتحوّل الأمر
إلى دعاية وتتحوّل الشهرة إلى فقاعة من الصابون تتلاشى بسرعة، وهذا ما
يروّج له هذه الأيام من خلال منح الشهادات الفخرية ولاسيّما الدكتوراه
منها، ربّما عقدة الطب التي نشأ عليها الشباب منذ الصغر جعلتهم يلهثون وراء
هذا اللقب “الدكتور فلان” دون دراية بأنّ هذا اللقب هو ختام لمسيرة طويلة
من التعب والسهر وطلب العلم الأكاديمي، ولا يمكن الحصول عليه بليلة وضحاها
ولا بألف ليلة وليلة ما لم تكن الليالي مكرّسة للعلم والجدّ والمثابرة.
تقدير إنجازات
في الوقت ذاته لم تنكر الغزاوي الغاية النبيلة لفكرة منح الشهادات
الفخرية، ألا وهي تقدير لإنجازات شخص، سواء أكانت مهنية أم مجتمعية، ولكن
الاستخدام الخاطئ لها أفرغها من مضمونها، خاصّةً ونحن اليوم أحوج ما نكون
لدفع الشباب للتعلّق أكثر بالكتاب ومتابعة تعليمهم الأكاديمي العالي.
بيع الوهم والشهرة
وقالت الغزاوي: لا شكّ أنّ الجميع يطمح للتميّز والتألّق والنجاح وترك
بصمة حقيقية في المجتمع، ولكن هذا يحتاج لمسيرة مهنية طويلة المدى ولإنجاز
خارق وإبداعي نادر الحدوث وليس اعتباطياً على أمزجة من يمنحها، وربّما
تُشترى بالمال للأسف، فمنح الدكتوراه الفخرية بدون شروط واضحة وتراخيص
حقيقية هي كمن يبيع الوهم والشهرة ويبخسها حقّها، وكما يُقال “لا يصح إلا
الصحيح”، مؤكدة أنّ النجاح المهني أمر رائع جداً والأروع أن يسبقه النجاح
الأكاديمي، والأجمل من كلّ ذلك أن نصنع اسمنا بأنفسنا.
لها ناسها
الغزاوي نصحت بضرورة إعادة النظر وتشديد الرقابة على الجهات التي تمنح
هذه الشهادات، وضرورة توعية الشباب بالنجاح الحقيقي والمسار المهني
الواقعي، وتعليمهم صعود درجات السلّم، وانتظار نضج العنب، واقترحت على تلك
المؤسّسات أن تمنح شهادات تقدير أو وساماً مهنياً بامتياز أو درجة مجتمعية
ذهبية، أمّا الدكتوراه فدعوها لناسها.
القانون يعاقب
السؤال: هل من قوانين تعاقب حاملي هذه الشهادات “الفخرية المزورة” أو أي
شهادة أخرى التي طفت بكثرة على السطح خلال سنوات الأزمة وما تلاها؟.
المحامي أكرم المحمود، أوضح أنّ القانون عاقب على هذا في المادة 382 من
قانون العقوبات السوري التي نصّت على أنّ من ظهر منتحلاً وظيفة عامّة
عسكرية أو مدنية أو مارس صلاحياتها يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين، وإذا
كان الفاعل مرتدياً أثناء العمل زيّاً أو شارة خاصّة بالموظفين فلا تنقص
العقوبة عن ستة أشهر على الأكثر وبغرامة من 2000- 10 آلاف ليرة.
هامش
الشهادات الفخرية الصادرة عن مؤسّسات غير معترف بها قد تبدو بلا ضرر على
السطح، لكنها تؤدي إلى تشويه معايير التعليم العالي وتخلق بيئة من
المعلومات غير دقيقة، مما يستدعي مواجهة جادّة من خلال الوعي المجتمعي
والرقابة التشريعية.