سيرياستيبس :
لسنوات فائتة أطربنا شعار”الرجل المناسب في المكان المناسب”، وكنا في كل مرة نتفاءل، لعلها تأتي صائبة ويطبق هذا الشعار فعلياً، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل كانت المحسوبيات والواسطات والرشاوى والتعيين من خارج الاختصاص هي من تحكم اختيار المديرين والمسؤولين، وحتى المفاصل في مؤسسات الدولة، ما أوصل أشخاصاً هشّين وغير كفوئين إلى التحكم بمراكز صنع القرار رغم رائحة فسادهم، وأوصلوا تلك المؤسسات إلى الانهيار.
اليوم ونحن على أعتاب مرحلة جديدة تبدو ضرورة بناء مؤسسات قوية قائمة على الكفاءة والعدل دون فساد ولا محسوبيات ولا رشاوى، وإيصال الكفاءات والمهارات فعلاً إلى مفاصل المؤسسات، لننفض غبار الماضي الذي أثقلتنا نتائجه لسنوات.
قائمة على الكفاءة
يبين استشاري التدريب والتطوير الدكتور عبد الرحمن تيشوري أن بناء المؤسسات في الفكر الإداري المعاصر اليوم موضوع مهم جداً، لأن المنظمات هي من تقوم بإشباع حاجات الفرد وتقدم له الخدمة، وبالتالي صار مفهوم المنظمة أي “المؤسسة أو الشركة أو الجهة العامة” أنها تتألف من عدد كبير من الأفراد ومن الوحدات الصغيرة، فلا بد أن تكون هذه المؤسسات قوية متماسكة لديها رؤية، قائمة على الكفاءة والعدالة وتقدم الخدمات للناس داخل الدولة.
د. تيشوري: الإدارة اليوم لعبة عبقرية وفكرية والأساس الذي ترتكز عليه عملية استثمار الموارد والثروات المتاحة
لم يتم الإصغاء إلينا
ويضيف د. تيشوري : شخّصنا كثيراً بالإدارة ومشكلاتها والإصلاح الإداري وكتبنا كثيراً عن الفساد والرشاوى والمحسوبيات في المرحلة السابقة، لكن للأسف لم يكن يتم الإصغاء إلينا ولم يتم الأخذ برأينا، ولو تم ذلك لما وصلت الأمور إلى ما وصلنا إليه، المهم الآن نحن في عهد جديد وإدارة جديدة والمأمول أن تكون الحكومة المؤقتة والرئيس الانتقالي الحالي أكثر كفاءة وأكثر عدالة وأكثر مهنية من عهد النظام البائد السابق، لأنه كان نظاماً فاسداً واستبدادياً بكل المقاييس، وبالتالي حصل ما حصل.
ودعا إلى تجميل الإدارة الحكومية السورية وتعظيم الأداء الحكومي السوري الجديد لتحسين الخدمات وفعل الخير لكل السوريين أينما كانوا في جميع المحافظات السورية .
تشخيص المشكلات
الآن لدينا مشكلات الوظيفة العامة والجهات العامة والمؤسسات، وهي مشكلات كبيرة لخصها د. تيشوري بعناوين عدة، منها مثلاً زيادة النفقات، إخفاق مشروعات تقانية المعلومات والحكومة الإلكترونية التي كانت تطرح منذ عشرين عاماً حتى الآن دون جدوى، وهناك انخفاض الروح المعنوية بين العاملين بسبب ضعف الأجور، وأيضاً صراع دائم بين الموظفين والمديرين والوزراء، وهناك قوائم انتظار لا تنتهي من العاطلين عن العمل والوظائف الوهمية، بالإضافة إلى مشاريع غير منجزة ومؤجلة من عام إلى عام، يضاف إليها مركزية شديدة وعدم اعتماد على التخصص، وخاصة المعهد الوطني للإدارة العامة الذي خرّج أكثر من 700 إلى 800 من الكوادر بمعايير عالمية ولم يستثمر هؤلاء داخل المؤسسات خلال الحكومات الماضية، وحتى الحكومة الحالية للأسف لم تعتمد كثيراً على خريجي الإدارة في عمل الإدارات والمؤسسات والجهات العامة.
الاعتماد على الولاءات
الاعتماد على أهل الثقة والولاء كان سبباً في انهيار سورية والمؤسسات السورية -حسب د. تيشوري- لذلك دعا إلى الاعتماد على أهل الأداء والكفاءة وأهل تخصص الإدارة والشهادات العليا، والتخلص من انعدام الكفاءة والوصول إلى مؤسسات قوية، تتحقق معها أحلام السوريين.
فجوة كبيرة
اليوم معلوم أن كل تقارير العالم تشير إلى أن السوريين يعيشون في فقر، يبين د. تيشوري أن90 % هم في خط الفقر، يعني ذلك( 2 دولار باليوم، أي إذا كان متوسط عدد أفراد الأسرة 5 أشخاص مضروبة بـ 2 يساوي 10 دولارات مضروبة بـ30 أي يجب أن يكون الحد الأدنى للأجور 300 دولار للأسرة ، ما يعادل3 ملايين ليرة سورية، واليوم متوسط الرواتب 300 أو 400 ألف ليرة، أي الفجوة 1إلى 10 وهي فجوة كبيرة جداً .
تجاوز “الصدأ”
كخبير في الإدارة ومتخصص في التنمية البشرية، دعا د.تيشوري إلى تجاوز الصدأ في الوزارات والمؤسسات في سورية، والبحث عن موظفين أفضل وكفاءات أفضل وتحفيز الموظفين الحاليين ومراقبة ومحاسبة الجميع، لأن ذلك وحده يمكن أن يؤدي إلى تطوير الأداء وحل كل المشكلات التي ذكرت آنفاً.
ورأى أننا لسنا بحاجة لخبرات أجنبية، إذ يمكن لخبراتنا إصلاح وإزالة الصدأ، ونحن بحاجة إلى رفع كفاءة الأداء في كل القطاعات لتقديم أفضل الخدمات للسوريين، كما أننا بحاجة ماسة إلى التحول من البطيء إلى السريع ومن الضعيف إلى القوي ومن الأقل كفاءة إلى الأحسن كفاءة، مضيفاً: لنا في خريجي المعهد الوطني للإدارة (إينا) العديد من الكفاءات القادرة على الفهم والتشخيص والتنفيذ ووضع الحلول، لكن ما زلنا بعيدين عن مواقع القرار.
خطط إصلاحية
الفساد السابق دمر كل شيء في سورية، لكن مالحل؟.
يؤكد د. تيشوري أنه يمكن للإدارة الجديدة وضع خطط إصلاحية تطويرية ورؤية، مبدياً استعداد خبراء الإدارة للمساهمة في هذه الرؤية إذا تم الإصغاء إليهم، لافتاً إلى تقدمهم من خلال جمعية خريجي الإدارة وجمعية العلوم الاقتصادية بطلب للقاء الإدارة الجديدة لتقديم خبراتهم.
العمود الفقري لتقدم الدول
وختم د. تيشوري بأن الإدارة اليوم هي علم وفن ولعبة عبقرية وفكرية، تحتل في العصر الراهن أهمية بالغة جداً، فهي العمود الفقري لنمو المجتمعات وتقدم الدول، لأنها الأساس الذي ترتكز عليه عملية استثمار الموارد والثروات المتاحة لأي دولة ومجتمع وحكومة، وبالتالي يمكن من خلال الإدارة حل جميع المشكلات.
فالدول التي استثمرت الموارد والكفاءات والكوادر بنت مؤسسات قوية، وهي اليوم في مصافي الدول المتقدمة, والدول التي بقيت مثل سوريا فيها فساد وترهل وغباء ومحسوبيات ورشاوى، للأسف أصبحت في ذيل قائمة الدول، فلذلك لا بد من إعادة بناء الإدارات والمؤسسات السورية وفق المنطق الذي نتحدث به.
د. الحمدان: تعزيز الشفافية والمساءلة وتحسين نظام التعليم والتدريب وتشجيع المشاركة المجتمعية
زيادة الفساد المالي والإداري
في سوريا، كما في العديد من الدول التي تعاني من ضعف في الحوكمة والشفافية، إذ يؤكد الخبير في الإدارة الدولية الدكتور إياس الحمدان، أن الآليات السابقة في التوظيف، مثل المحسوبيات والواسطات، أدت إلى تأثيرات سلبية كبيرة على كفاءة وفعالية مؤسسات الدولة، هذه الممارسات تساهم في تعيين أشخاص غير مؤهلين أو ضعاف الكفاءة في مناصب حساسة، ما يؤدي إلى تراجع أداء الخدمات العامة وزيادة الفساد الإداري والمالي.
الآثار السلبية
الآثار السلبية لهذه الممارسات – حسب د. الحمدان- تتمثل في، أولاً : تراجع كفاءة مؤسسات الدولة، إذ عندما يتم تعيين أشخاص بناءً على العلاقات الشخصية أو الانتماءات السياسية بدلاً من الكفاءة والخبرة، فإن ذلك يؤدي إلى ضعف أداء المؤسسات الحكومية.
كما أن الموظفين غير المؤهلين قد يفتقرون إلى المهارات اللازمة لتنفيذ المهام الموكلة إليهم، ما يؤثر سلباً على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
انتشار الفساد
المحسوبيات والواسطات ثاني الآثار السلبية، فهي تعزز بيئة الفساد، حيث يتم تعيين الأفراد بناءً على الولاء بدلاً من الجدارة. هذا النوع من الفساد الإداري يمكن أن يؤدي إلى اختلاسات وهدر للموارد العامة، ما يضعف الاقتصاد الوطني.
تراجع الثقة بالحكومة
من الآثار السلبية أيضاً تراجع الثقة في الحكومة، إذ عندما يرى المواطنون أن التعيينات تتم بناءً على المحسوبيات وليس الجدارة، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع ثقتهم بالحكومة ومؤسساتها، هذا التراجع في الثقة يمكن أن يؤدي إلى زيادة السخط الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي.
إعاقة التنمية
أيضاً تعيين غير الكفوئين في المناصب القيادية والإدارية يعوق عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالقرارات السيئة والإدارة الضعيفة، يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة مثل التعليم والصحة.
هجرة الكفاءات
لا تقتصر الآثار السلبية على ما سبق، بل تنضم إليها هجرة الكفاءات، إذ عندما يشعر الأكفاء بأن فرصهم في التوظيف والترقية محدودة بسبب المحسوبيات، فإنهم قد يلجؤون إلى الهجرة إلى دول أخرى، حيث يتم تقييمهم بناءً على كفاءتهم، هذا يؤدي إلى هجرة العقول والكفاءات، ما يفقد الدولة عناصر مهمة يمكنها المساهمة في التنمية.
تعزيز الشفافية
حلول عدة يقترحها د. الحمدان ، تتمثل في تعزيز الشفافية، إذ يجب أن تكون عمليات التوظيف شفافة وتعتمد على معايير واضحة ومعلنة للجميع وإنشاء هيئات مستقلة للإشراف على عمليات التوظيف والتأكد من تطبيق معايير الجدارة.
تعزيز المساءلة
يجب أن تكون هناك آليات للمساءلة والمحاسبة لمن يثبت تورطهم في ممارسات المحسوبيات والواسطات، وتعزيز دور الرقابة الإدارية والقضائية في محاربة الفساد.
تحسين وتعزيز نظام التعليم والتدريب
كما يجب تحسين وتعزيز نظام التدريب لضمان أن يكون لدى المواطنين المهارات اللازمة لشغل المناصب الحكومية، وتقديم برامج تدريبية مستمرة لموظفي الحكومة لتحسين أدائهم.
تشجيع المشاركة المجتمعية
أيضاً تشجيع المجتمع المدني على المشاركة في مراقبة عمليات التوظيف والإبلاغ عن أي ممارسات فاسدة، وتعزيز دور الإعلام في كشف الفساد والمحسوبيات.
ضرورة اتخاذ إجراءات جادة
وأخيراً ختم د.الحمدان بأن المحسوبيات والواسطات في التوظيف تؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتراجع كفاءتها، ما يؤثر سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لذلك من الضروري اتخاذ إجراءات جادة لتعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات التوظيف.
الحرية