سيرياستيبس :
أوضاع معيشية صعبة تعيشها الأسرة السورية، ليس في هذه الأيام فحسب، بل تعود لسنوات مضت، تعددت الأسباب وتنوعت فنون مستغليها، والحال لا يبق على حاله، بل زيادة في الفجوة، بين ما هو متوافر في الجيب، وما هو مطلوب للعيش بأدنى المستويات، وبالتالي آلاف الأسر تعيش تحت خط الفقر، ورحلة البحث عن مصادر الرزق تنتهي عند نقطة البداية في ظل انعدام فرص الشغل وتحسين قوة العمل المولدة للمشاريع، والتي بدورها تؤمن فرص العمل، وهكذا الكل مرتبط بالجزء” والعكس صحيح” .
في ظل متغيرات جديدة، نعيشها في رحيل نظام كان سبباً رئيسياً في زيادة الفجوة المعيشية بين الحاجة والمطلوبة، والكفاية من الإثنين وقدوم حكومة جديدة تحاول لملمة ما تبقى، وتقديم حلول إنقاذية قدر الإمكان، وهذا يضعنا أمام أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة مقنعة، تتعلق بمعيشة الأسرة في ظل انخفاض الأسعار الحالية، وتكلفتها الفعلية في الشهر، وهل انخفضت بالقياس إلى مستواها خلال المرحلة السابقة، وبالتالي إن تحدثنا عن زيادة الرواتب، ما هو مقدارها لردم الفجوة التي تتسع، رغم انخفاض مستوى الأسعار في بعض السلع الضرورية واللازمة لمعيشة المواطن اليومية..؟!
عياش: الحل في تخفيف القيود على السيولة وصرف الرواتب والأجور في موعدها
مقاربة بمعايير الرفاه
الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش لديه رأي يقارب حقيقة الأمور التي تم طرحها، ويؤكد فيه أن مستوى المعيشة يشير إلى مستوى وعدالة توزيع الثروة، الراحة، السلع المادية والضروريات الموجودة لفئة “اجتماعية – اقتصادية” في منطقة جغرافية معينة وبفترة زمنية محددة.
وبالتالي مستوى المعيشة بمفهومه الواسع اعتماداً على معيار الرفاهية الاجتماعية، يتكون من عدة عوامل أساسية مثل: الدخل، جودة وتوفر العمل، تباين الفئات، مستوى الفقر، جودة المساكن ومستوى القدرة على تحمل تكاليفها، عدد ساعات العمل اللازمة لشراء الضروريات، الناتج المحلي الإجمالي، نسبة التضخم، عدد أيام الإجازات في السنة، توفر أو مجانية الوصول لرعاية صحية جيدة، جودة وتوفر التعليم، متوسط العمر، حوادث الأمراض، تكلفة البضائع والخدمات، البنية التحتية، النمو الاقتصادي القومي، الثبات الاقتصادي والسياسي، الحرية السياسية والدينية، جودة البيئة، الطقس والأمان، وبالتالي المستوى المعيشي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة الحياة ومستوى الرفاه الاجتماعي، وهو مقياس لمدى تطور البلدان.. ولكنه مقياس معقد ومركب.
ما تقدم من معايير يفرض علينا سؤالاً هاماً، أين الواقع السوري من هذه المعايير، وكيف يمكن تقدير وقياس مستوى المعيشة الحقيقية..؟
قياسات واقعية
وهنا يقدم “عياش” إجابة تحمل مفردات القياس المختلفة لمستوى المعيشة والتي تتم بطرق مختلفة، مع عدم خلوه من بعض السلبيات، ولا يحقق أي منها كل المعلومات المطلوبة، كما لا يعكس أي منها عدالة توزيع الثروة بدقة، فيمكن تقييم مستوى المعيشة في بلد ما بمعرفة نسبة ما ينفقه المواطنون متوسطو الدخل على سد بعض احتياجاتهم الأساسية.
فقد يُسْتَخْدم متوسط الإنفاق الفردي على الغذاء مثلاً، وسيلةً لقياس مستوى المعيشة. فكلما زادت النسبة المخصصة من دخل الفرد للإنفاق على الغذاء، دل ذلك على انخفاض مستوى المعيشة في الدولة، لكن هذا الأسلوب لا يُظهر إلا المعلومات الأساسية، ولا يبين كل شيء من المستوى الحقيقي للاستهلاك، ويمكن قياس مستوى المعيشة أيضاً، بقسمة رقم يطلق عليه مجموع إنفاق القطاع الخاص على عدد السكان.
ونحن في سوريا نواجه كمختصين عوائق كثيرة تعيق إمكانية تحديد دقيق لمستوى المعيشة للمجتمع بشكل واقعي لكل مستويات وفئات المجتمع.. نتيجة ظروف الحرب ومنعكساتها على المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
ولكن من باب التبسيط (بالاعتماد على المفهوم النسبي ولتقديرات تتعلق بإجمالي الناتج المحلي، وعدد السكان المقيمين، ومتوسط عدد أفراد الأسرة، ومعدل الإعالة، وكذلك معدل قيمة الحوالات الخارجية، ومعدلات التضخم) يمكن مقاربة مستوى المعيشة في سورية بشكل موضوعي، بالاعتماد على المقارنة بين كلفة سلة الاحتياجات الأساسية (والمكونة من 8 حاجات أساسية المعتمدة من المكتب المركزي للإحصاء وبأسعار الحد الأدني في دمشق – عالمياً تتكون من 13 حاجة) ، وبين متوسط الدخل المتاح من جهة، وكذلك نسبة الإنفاق على الغذاء كأحد المكونات الرئيسية في سلة الاحتياجات الأساسية من السلع والخدمات من جهة أخرى.
تمت عدة دراسات وتقديرات من جهات مختلفة لمتوسط الحاجة لإنفاق الأسرة في سوريا والتي تراوحت تقديراتها بين 9 حتى 12 مليون ل. س شهرياً، فبالمقارنة مع متوسط تقديري لدخل الأسرة والبالغ قرابة 3.5 مليون ليرة، نجد عجز الدخل المتاح عن تأمين ما لا يقل عن 60% وسطياً من سلة الحاجات الأساسية.
من جانب آخر ووفقاً لعدة تقديرات محلية ودولية تتعلق بمعدل الفقر بنسب تتراوح بين 60 وحتى 85% وسطياً، ولا سيما الفقر بمفهوم العوز الغذائي.
وبالتالي يمكن تقدير أن نسبة الإنفاق على الغذاء لا تقل عن 40% من الحاجة للإنفاق.. وهذا معدل كبير ويتجاوز المؤشرات العالمية والتي تفترض ألا يتجاوز الإنفاق على الغذاء معدل 25% من الإنفاق الإجمالي على سلة الحاجات الأساسية، وكذلك يمكننا تقدير أن الدخل الشهري الوسطي المقدر للأسرة السورية يعجز عن تأمين كامل الاحتياجات الغذائية بالشكل المرضي.
وفقاً لما تقدم..
وأضاف “عياش “أنه وفقاً لما ذكر يمكننا الحكم بأن مستوى المعيشة في سوريا متدنٍ، ولا يحقق حتى مستوى الكفاف من السلع والخدمات التي تتضمنها سلة الحاجات الأساسية.
بعد التحرير ولأسباب عدة، تحسن سعر صرف الليرة السورية، وانخفضت أسعار السلع الاستهلاكية بنسب جيدة، وزاد وتنوع المعروض السلعي في السوق، ولكن مع ذلك يسود حالة من الركود العام في الأسواق، رغم تحسن القدرة الشرائية، وانخفاض الأسعار الاستهلاكية، وزيادة العرض، وذلك بسبب نقص المعروض النقدي في السوق الناتج عن تأخر صرف الرواتب والأجور من جهة، وتجميد وتقييد السيولة من جهة ثانية.
وبالتالي لم ينعكس هذا التحسن بالشكل الإيجابي المطلوب على مستوى المعيشة الكلي للأسرة السورية، فمقابل انخفاض أسعار السلع الاستهلاكية، تمت زيادة أسعار السلع المدعومة كالخبز والمحروقات بعد تحرير أسعارها، وبالتالي زاد الإنفاق المطلوب على الخبز والنقل وحوامل الطاقة، وحافظت الإيجارات على قيمها على الأقل، وزادت أسعار الخدمات الأخرى، مع بقاء القيمة الأسمية للرواتب والأجور ثابتة، ناهيك عن تأخرها.
ولذلك نجد من الأهمية بمكان السرعة في صرف الرواتب والأجور أولاً، والإسراع في تحقيق زيادة مجزية عليها بما يتناسب مع تحرير أسعار السلع والخدمات المدعومة.. وكذلك بما يتناسب نسبياً مع معدلات التضخم.
وكذلك ضرورة تخفيف القيود على السيولة بما يضمن تفعيل الطلب في السوق ليساعد في تحريك عجلة الإنتاج شبه المتوقفة، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثير ذلك على معدلات التضخم وتوازنات سعر الصرف وفق ما هو متاح من موارد.