سيرياستيبس تشهد البلاد عودة للمهجرين يرى البعض أن تواترها مقبول، في حين يذهب آخرون إلى أنها دون المأمول، مؤكدين ضرورة تأمين المتطلبات اللازمة لتشجيع عودتهم والمشاركة في بناء سوريا المستقبل. الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي يعد أزمة المهجرين واللاجئين السوريين من أصعب الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم الحديث. إذ خلف نظام الأسد إرثاً ثقيلاً من المهجرين داخلياً ونازحين في دول الطوق (لبنان، الأردن، العراق، وتركيا)، بالإضافة إلى اللاجئين المنتشرين حول العالم. وهذا النزوح تسبب في معاناة اجتماعية ونفسية واقتصادية كبيرة، سواء على مستوى الأفراد أو الدول المستضيفة، ما يجعل معالجة هذه القضية ضرورة اقتصادية وإنسانية. واستعرض قوشجي الأوضاع الراهنة للمهجرين بدءاً من داخل سوريا، حيث يعيش عدد كبير من المهجرين في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، مع غياب البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية الأساسية. معتبراً أن التحدي الأكبر يتمثل في إعادة هؤلاء المهجرين إلى قراهم ومدنهم التي دمرتها الحرب وإعادة تأهيلها. أما بالنسبة في دول الطوق فلفت الخبير الاقتصادي إلى تعرض اللاجئين لمضايقات وضغوط سياسية واجتماعية، لا سيما في لبنان والعراق، حيث تعاني هذه الدول أصلاً من أزمات اقتصادية تجعل قدرتها على استيعاب اللاجئين محدودة. وعلى الصعيد العالمي قال قوشجي: بينما نجح بعض اللاجئين في تأمين فرص عمل والاستقرار في دول اللجوء، لا يزال العديد يعيشون في ظروف صعبة تحت تهديد الترحيل أو العنصرية. وعرض الخبير الاقتصادي التحديات الاقتصادية المرتبطة بإعادة المهجرين، وهي برأيه إعادة الإعمار في ظل تدمير المنازل والبنى التحتية في سوريا والذي يتطلب استثمارات هائلة لإعادة تأهيل المدن والقرى، والبطالة والتي تعتبر واحدة من أكبر التحديات، سواء للمهجرين العائدين أو المقيمين في أماكن نزوحهم، ناهيك عن التكلفة الاجتماعية والنفسية الناجمة عن الآثار النفسية للصراع والنزوح طويلة الأمد وتشكل عبئاً على الأفراد والمجتمع. واقترح قوشجي طرقاً اقتصادية لمعالجة القضية، منها التعاون المجتمعي لتمويل إعادة الإعمار بإنشاء صندوق لتمويل إعادة بناء المناطق المتضررة بالشراكة بين الحكومات والمجتمع المحلي والمنظمات الدولية، وتشجيع المستثمرين على المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار عبر تقديم حوافز مالية، بالتزامن مع تحفيز الاقتصاد المحلي بإطلاق مشاريع تنموية صغيرة في المناطق المستقرة لتشجيع العائدين على الاستثمار والإنتاج، وتوفير قروض ميسرة ودعم لرواد الأعمال المهجرين. إضافة لتحسين البنية التحتية والتركيز على إعادة بناء المدارس والمستشفيات في المدن المهدمة لتوفير الخدمات الأساسية، وتحسين شبكات المياه والكهرباء لدعم حياة كريمة للسكان، إضافة للتكامل الاقتصادي والاجتماعي بدعم مبادرات تستهدف الدمج الاجتماعي والاقتصادي للمهجرين في المجتمعات المحلية، وتوفير برامج تدريب مهني ودعم نفسي لتعزيز قدرة الأفراد على مواجهة تحديات المستقبل. ورأى قوشجي أنه يمكن تأمين فرص للمهجرين من خلال عقود إحياء الأرض الموات في مشاريع زراعية تنموية محلية مقابل شراء منتجاتها بأسعار تضمن استمرارها، وتسهيل مشاركة الأدوات والموارد بين السكان المحليين والمهجرين، مثل استخدام الأراضي الزراعية أو المعدات، والصناديق الاستثمارية المصغرة القائمة على التمويل الجماعي ودعوة المغتربين السوريين أو المجتمع الدولي للمساهمة في صناديق تمويل صغيرة تُخصص لدعم مشروعات اقتصادية يديرها المهجرون، مثل ورش عمل صغيرة أو زراعة المحاصيل السريعة. كما اقترح الخبير تصميم مناطق اقتصادية تركز على الاستدامة البيئية وتوظيف المهجرين في مشاريع الطاقة المتجددة والزراعة العضوية. على سبيل المثال إنشاء مشاريع تعتمد على الطاقة الشمسية، و مزارع مجتمعية تعتمد على التقنيات الحديثة كالزراعة العمودية. إضافة لتشجيع استثمارات صغيرة مستدامة داخل دول الطوق ودعم إنشاء مشاريع صغيرة مثل مزارع الأسماك أو تربية النحل في دول الجوار، تعود بالفائدة على كل من اللاجئين والسكان المحليين، والتعليم الاقتصادي المبتكر وتقديم برامج تدريبية تجمع بين المهارات العملية والمعرفة المالية، مثل كيفية إدارة مشروع صغير باستخدام الموارد المتاحة لديهم. وختم قوشجي بالقول: تتطلب معالجة أزمة المهجرين السوريين رؤية شاملة تدمج بين الجوانب الإنسانية والاقتصادية. الاستثمار في رأس المال البشري، وتحفيز النمو الاقتصادي المحلي، ودعم الدول المستضيفة، هي ركائز أساسية نحو تحقيق حل مستدام لهذه الأزمة. التعاون الدولي وتكاتف الجهود الإقليمية والدولية يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً، ليس فقط في حياة المهجرين بل في مستقبل سوريا كلها.
محمد راكان مصطفى _ الوطن
|