سيرياستيبس :
في جامعة طرطوس، جلس أستاذ جامعي يحدثني بنبرة هادئة لكنها مثقلة بالأسى، قائلاً: “الدوام في الجامعة انخفض بشكل ملحوظ، والسبب ببساطة: الطلاب لم تعد تملك ثمن الطريق.” في البداية، بدت لي العبارة شديدة القسوة وصعبة التصديق. هل يُعقل أن يكون “الفقر المدقع ” قد بلغ هذا الحد؟ لكن شيئًا فشيئًا، بدأت الصورة تتضح… والوجع يتكلم.
وراء كل طالب جامعي حكاية كفاح خاتمتها مغمسة بالقهر. سنوات من الدروس الخصوصية، سهر الأهل، الضغط النفسي، الإنفاق المتواصل من دم القلب للوصول الى مقعد في الجامعة. لكن ما الجدوى إذا كانت نهاية هذا المسار تقف عند عتبة التخرج من الجامعة وتفكر بترك التعليم والبحث عنن لقمة العيش؟ كيف تستمر العائلة في إرسال أولادها إلى الجامعة بينما مصروف الطريق وحده يحتاج إلى أربعين ألف ليرة يوميًا؟ وإذا كانت الأسرة تملك ولدين، فالمبلغ يتضاعف، ناهيك عن التكاليف الإضافية من كتب وأكل وأدوات وملبس وغيرها.
القهر السوري القهر الحقيقي يكمن في التفاصيل الصغيرة؛ في التسريح التعسفي، في إيقاف الرواتب، في حرمان مئات العائلات من أي مدخول، خاصة أولئك الذين خدموا في مؤسسات الدولة، والشرطة، والبحوث العلمية، ثم انتهى بهم الحال دون أمان وظيفي أو حتى تعويض او حتى وعود بتسوية أو حتى فك قيدهم والسماح لهم مغادرة قراهم.
لم يعد للأعمال الحرة طعم ولا جدوى، ولا للزراعة قدرة على الإنقاذ في ظل الجفاف وغياب المياه، ولا القطاع الخاص يُغري بالتوظيف كونه ينتظر الفرص وعينه على السفر. أما السيولة النقدية، فغدت شيئًا من الماضي لدى غالبية الأسر. هنا، لا يهم إن كنت خريجًا أو فلاحًا أو موظفًا سابقًا، الجميع متساوٍ أمام “العدم”.
يبدو كأن الدولة كلها بمؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية دخلت في مرحلة من الإنكار. لا جهة تعوّض، ولا خطة إسعافية، ولا حتى اعتراف رسمي بأن التعليم الجامعي في سوريا بدأ يتحول إلى “امتياز طبقي” لا يحظى به إلا القادرون وأن الفقر يشتد والشعب تحول الى قنابل موقوته بوجه الفقر والعوز .
بين الحاجة وقهر الطموح ووسط هذا كله، يقف السوري الفقير والمشبع من الذل والقهر متأرجحًا بين قهرين: قهر الحاجة اليومية، وقهر كسر طموح أبنائه أمام عينيه، فقط لأنه لا يستطيع دفع ثمن أجرة الطريق. إنها لحظة انهيارمجتمعي تمر في صمت، دون صوت أوضجيج ، دون احتجاج أو نقد دون بيانات أو استنكار دون مطالب سوى اتركونا نشتغل بأمن وآمان . لكنها تُنذر بما هو أبعد من الألم: تُنذر بانفجار الجوع، وارتداد المجتمع على ذاته.
فحين يصبح التعليم حلمًا مؤجلًا، ومصروف الطريق رفاهية لا يقدر عليها إلا القلة نسأل من يفتش عن القهر السوري؟!.
A2Zsyria
|