من أصل 3.19 مليار دولار تطلبها الأمم المتحدة لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية عام 2025، لم يؤمن سوى 11 في المئة فحسب حتى الآن
سيرياستيبس : بعد
أكثر من 14 عاماً من الحرب الأهلية وما تسببت به من دمار وتدهور اقتصادي
واجتماعي، تقف سوريا اليوم على أبواب كارثة إنسانية غير مسبوقة، وسط
تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية.
لذلك، دق متخصصون سوريون ناقوس
الخطر مجدداً في شأن تمديد أولويات الاستجابة الإنسانية لعام 2025، مسلطين
الضوء على حجم المأساة التي يعانيها السوريون، ليس من حيث الحاجة الملحة
للمساعدات فحسب، بل من حيث تآكل أسس الحياة الكريمة وغياب أي أفق اقتصادي
مستدام.
وتشير بيانات حديثة للأمم المتحدة إلى أن
أكثر من 10.3 مليون شخص داخل سوريا في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية، بينما
تصنف أوضاع نحو 8.2 مليون شخص على أنها من أشد مستويات الشدة الإنسانية،
أي ضمن الدرجة الرابعة أو الخامسة "كارثية وطارئة"، وحددت 2.07 مليار دولار
لتلبية حاجاتهم العاجلة.
وبحسب معلومات، فإنه من أصل 3.19 مليار
دولار تطلبها الأمم المتحدة لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية عام 2025، لم
يؤمن سوى 11 في المئة فحسب حتى الآن وحتى خطة عام 2024 لم تغط بالكامل، إذ
تلقت نحو 36.6 في المئة فحسب من حاجاتها، وينذر هذا التراجع الحاد في تمويل
المساعدات بانهيار القدرة على الاستجابة لحالات الطوارئ، مما يترك ملايين
السوريين عرضة للجوع والتشرد والفقر المدقع والواسع، وربما الموت البطيء.
وتشير تقديرات أممية إلى أن أكثر من 90 في
المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وكثير منهم باتوا غير قادرين على
توفير أبسط مقومات معيشتهم من خبز ودواء ووقود أو حتى مياه الشرب، في ظل
أزمة مياه خانقة تعانيها سوريا نتيجة التغيرات المناخية وندرة الهطولات المطرية وانخفاض مستوى مياه الينابيع وحتى جفافها.
أيضاً، أشارت التقارير إلى انهيار شبكات
الخدمات والبنى التحتية داخل المناطق الحضرية كما الريفية، تزامناً مع
انتشار مقلق للمتعطلين عن العمل، مما تسبب في استمرار موجات الهجرة القسرية
بحثاً عن العمل وحياة أفضل داخل وخارج البلاد، بينما يلاحظ انتشار التسول
بصورة واضحة في البلاد بحثاً عن الغذاء.
وعن ذلك، قال الباحث الاجتماعي محمد
عيتروني إن "الفقر لم يعد حالاً اقتصادية بقدر ما تحول إلى غول يهدد
استقرار المجتمع السوري ووجوده، مما يتطلب العمل سريعاً من أجل وضع حلول
اقتصادية"، واصفاً إياها بـ"العظيمة".
وأشار إلى أنه لا يمكن تجاهل منعكسات
الفقر على الناس ودرجة تهديد الاستقرار الذي يصل إلى حد ممارسات خطرة،
كالمخدرات والقتل والسرقات وحمل السلاح، بالتالي تبدو الهجرة وحتى التسول
نتائج متواضعة أمام ما يمكن أن يسببه الفقر من آثار مدمرة للمجتمع، خصوصاً
أن البلاد لم تستقر سياساً وأمنياً بصورة كاملة.
وأضاف أن على رغم أهمية المساعدات والحاجة
الملحة لها حالياً ومن دون أي تأخير، فإن البلاد في حاجة إلى الانتقال من
الاستجابة الطارئة إلى التنمية المستدامة،
وهو ما يجري التأكيد عليه باستمرار حتى من قبل مسؤولي الأمم المتحدة الذين
يرون ضرورة تحقيق التنمية المتوازنة في مختلف المناطق، وتوفير البنى
التحتية من كهرباء وصرف صحي واتصالات وطرق، والتي تمكن الناس من التوجه إلى
العمل عوضاً عن الهجرة.
وأكد عيتروني ضرورة الإسراع في تنفيذ الاستثمارات التي
يجري الحديث عنها مع بعض الدول مثل السعودية وقطر والإمارات وغيرها، والتي
يمكنها استقطاب أعداد كبيرة من مستنقع العطالة والضياع، لافتاً إلى أن ذلك
يحتاج إلى الجدية وخلق نظام استثماري آمن ومستقطب ضمن بيئة مستقرة أمنياً،
مشيراً إلى أن الوقت لم يعد متاحاً للانتظار كما في السابق بالنظر إلى
الهشاشة التي تعانيها البلاد، بعد حرب أتت على مدن ومجمعات سكنية بأكملها
في الريف والمدينة، وتسببت بضرب مقومات الاقتصاد الزراعية والصناعية.
ويذكر هنا أن المنسق المقيم للأمم المتحدة
لدى دمشق كان حذر ضمن ورشة عمل، أقيمت في دمشق قبل نحو شهرين من سقوط
النظام الحالي، من أن انتشار الفقر وعدم الاكتراث لعملية التنمية المستدامة
والمتوازنة وتأمين البنى التحتية سيؤدي إلى عودة الأعمال العسكرية
والاحتجاجات، والذي حدث لاحقاً كان انهيار النظام السابق.
التحديات أمام السلطات الجديدة
التحديات أمام السلطات الجديدة كبيرة
ومضاعفة، خصوصاً في ظل معاناة البلد من الإفلاس والاقتصاد المنكوب والتدمير
الواسع للبنى التحتية وعدم وجود فرص عمل حقيقية، حتى في ما يتعلق بالتشجيع
على المبادرات والمشاريع الصغيرة خصوصاً داخل المواقع المصنفة ضمن مستويي
الخطورة الرابع والخامس في هذه المناطق، حيث يواجه السكان نقصاً حاداً في
الغذاء والمياه والرعاية الصحية وسبل العيش الأساس، وبخاصة أن هذه المؤشرات
تقترب من تعريف المجاعة وفق معايير الأمن الغذائي العالمي.
ويرى متخصصون أنه وعلى رغم أهمية الدعم
الدولي والمساعدات الأممية، فإن مواجهة الكارثة الإنسانية داخل سوريا لا
يمكن أن تعول بالكامل على الخارج، وعلى الحكومة الانتقالية العمل من أجل
تحقيق الاستقرار والانطلاق في مسار التعافي السياسي والاقتصادي والاجتماعي،
عبر تبني سياسات وخطط واضحة قادرة على استيعاب حاجات الناس وأولوياتهم،
مؤكدين أهمية أن تعمل الحكومة سريعاً من أجل وضع خطة وطنية عاجلة للتعافي،
وضمان الانطلاق نحو التنمية المحلية ومحاربة الفساد وضمان الشفافية في
العمل والعدالة في توزيع الموارد على مستوى المناطق والمجتمعات، وتحفيز
الإنتاج في مختلف قطاعاته وتخفيف كلف الإنتاج ودعمه وتشجيع المشاريع
الصغيرة ومتناهية الصغر، لا سيما في الريف والاهتمام بقطاعات التعليم
والصحة، وقبل كل شيء لا بد من تأمين قطاع طاقة مستقر لضمان انطلاق الأعمال
والاستثمارات وتطبيق نهج الشراكة مع المجتمعات المحلية والقطاع الخاص، بما
يؤدي إلى استنهاض الهمم والإمكانات معاً وضمان إزالة العراقيل والصعوبات
أمام الأعمال والمبادرات، وتبني قوانين واضحة وشفافة وغير قابلة للاجتهاد.
كان المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق
الشؤون الإنسانية في سوريا آدم عبدالمولى أعلن عن تخصيص مبلغ 625 ألف دولار
أميركي من صندوق التمويل الإنساني لسوريا، لدعم جهود الاستجابة الطارئة
للأشخاص المتضررين من حرائق الغابات في محافظة اللاذقية، إذ ستمكن هذه
الأموال الشركاء ضمن المجال الإنساني (في المقام الأول الهلال الأحمر
العربي السوري) من تقديم المساعدة العاجلة لآلاف الأشخاص المتضررين من
الحرائق.
الفقر وانعدام الأمن الغذائي
وكان عبدالمولى قال خلال وقت سابق "كانت
لحرائق الغابات عواقب كارثية على المجتمعات المحلية وتتطلب اهتماماً
فورياً"، مضيفاً "نحن نتضامن مع الشعب السوري خلال حال الطوارئ هذه وسنواصل
بذل كل ما في وسعنا لدعم الشركاء في الاستجابة لمن هم في أمس الحاجة
إليها"، داعياً الجهات المانحة الدولية إلى تقديم دعم عاجل استجابة لهذه
الحال الطارئة التي يبدو أنها خرجت بالفعل عن نطاق السيطرة، قائلاً إن
"التمويل المرن خلال الوقت المناسب أمر بالغ الأهمية لإنقاذ الأرواح وحماية
المجتمعات في لحظات الأزمات".
الفقر وانعدام
الأمن الغذائي عند أعداد كبيرة من السوريين وارتفاع معدلات البطالة كلها
أسباب تبدو منطقية لحصول السوريين على مزيد من المساعدات تفادياً لأزمة
إنسانية، ولكن الأهم أن تقوم الحكومة السورية بدورها في قيادة عملية تنموية
قادرة على النهوض بالبلاد وتأمين خروجها السريع من الأزمات التي تعانيها،
وبخاصة في ظل تحذيرات تقول إن الملايين من السوريين يواجهون الجوع وانعدام
الأمن الغذائي. اندبندنت عربية
|