
سيرياستيبس : يرى الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن الاقتصادي أن التشاركية بين
القطاعين العام والخاص في تشغيل وإدارة المؤسسات الإنتاجية الحكومية
الخاسرة أو تلك المهددة بالإيقاف حل جيد، وذلك في ظل عدم مقدرة بعض
الإدارات الحكومية على إنعاش هذه الشركات، وتصريحات الكثير من المديرين حول
سوء الأوضاع في شركاتهم والصعوبات التي تواجه العمل وتأمين المواد
الأولية، فما إمكانية تطبيق هذا الحل؟ وما الآلية التي يجب القيام بها
لتشجيع القطاع الخاص على الخوض في هذه التجربة؟ المزيد من الوعي الأستاذ
في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور زكوان قريط، رأى
أنه يجب على الحكومة في ظل الأوضاع الحالية القيام بهذه التجربة، خاصة إن
لم تكن قادرة على تشغيل بعض شركاتها، فمن الممكن توقيع عقود تشاركية مع
القطاع الخاص وفق قانون التشاركية لعام 2016، وأن يتضمن العقد تشغيل
المنشأة لمدة 5 سنوات على سبيل المثال، على أن يتم تسليمها بعد مرور هذه
الفترة بشرط تحقيق إيرادات وأرباح جيدة، إضافة إلى مراقبة التشغيل خلال
سنوات العقد من الحكومة، وذلك وفقاً لنظام BOT أي البناء والتشغيل
والتحويل. واعتبر قريط أن الحكومة قد لا تلجأ إلى تعميم هذه التجربة
والتوسع بها، لأن البعض قد يعتبر أنها تحمل نوعاً من المساس بالسيادة
الوطنية، أو يظن أن الحكومة باعت شركاتها للقطاع الخاص، لذا فإن الأمر
يحتاج قبل تطبيقه إلى المزيد من الوعي بما يحقق مصلحة الطرفين، فالحكومة من
ناحية لديها الكثير من الشركات الإنتاجية وخاصة في وزارة الصناعة متوقفة
وخاسرة، ومن المجدي تسليمها للقطاع الخاص لفترة ما وفق شروط معينة مع تقديم
بعض التسهيلات لتشجيعه، كالإعفاء الضريبي مثلاً أو بعض التسهيلات المتعلقة
بالاستيراد، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من الخبرة الإدارية لدى القطاع
الخاص والعقلية الخاصة التي يمتلكها. خصخصة الإدارة لا الملكية وتابع:
«وهنا يجب التمييز بأننا نقصد خصخصة الإدارة وليس خصخصة الملكية، فالملكية
تعود حتماً للحكومة، لكن تشغيل المنشآت وتحقيق الأرباح يحتاجان إلى إدارة
خاصة تفكر بأسلوب يختلف عن التفكير الحكومي، فالقطاع الخاص يحرص على
التخفيف من نسب الهدر ويسعى بشكل دائم إلى الربح والإنتاجية العالية، لذا
من مصلحته تشغيل المنشأة بأقصى طاقة واستغلال كل الموارد المتاحة
والاستفادة من الحسومات والإعفاءات للحصول على نسبة من الأرباح». وأشار
قريط إلى وجود الكثير من التشابك بين مؤسسات القطاع العام، فمثلاً هناك
شركات مديونة لمؤسستي الكهرباء والمياه بمليارات الليرات منذ عشر سنوات
تقريباً، وهذا قد لا يشجع القطاع الخاص على التشاركية، لذا فإن الأمر يحتاج
إلى دراسة دقيقة وشاملة من رئاسة مجلس الوزراء، مع التركيز على الشركات
الآيلة للتصفية، وإعادة هيكلتها بتعهيدها إلى قطاع خاص لتشغيلها ووضعها على
عجلة الإنتاج. وأكد قريط أن هذه التجربة تعود بالفائدة على
الاقتصاد السوري ككل، من خلال إعادة دوران عجلة الإنتاج بدلاً من انتظار
تمكن القطاع العام للقيام بذلك، وخاصة بوجود الكثير من الشركات الحكومية
التي أنهكها الفساد والمحسوبيات، لافتاً إلى أن صدى هذه التجربة قد لا يكون
فورياً، فقد تطول فترة انعكاس ذلك لمدة ثلاثة أعوام. لغط بالمفاهيم من
جهتها، بيّنت عميد كلية الاقتصاد في القنيطرة سابقاً والخبيرة الاقتصادية
الدكتورة رشا سيروب، في تصريح خاص لـ«الوطن»، أنه لم ينفّذ سابقاً في سورية
أي مشروع على أساس التشاركية فلم يوجد قانون لذلك في السابق، لافتة إلى
وجود لغط بالمفاهيم حول هذا المبدأ، فمفهوم التشاركية نشأ في دول العالم
المتقدم وانتقل إلى الدول النامية على أساس أن يدخل القطاع الخاص كشريك مع
القطاع العام في تنفيذ البنى التحتية والمرافق العامة التي كانت في السابق
حكراً على الدول، لكن المبرر الرئيسي لنشوء هذا المبدأ هو تراجع إيرادات
الدول بشكل عام وعجزها عن تنفيذ وتمويل هذه المشروعات بمفردها لكونها تحتاج
إلى رؤوس أموال ضخمة، وبالمقابل عجز القطاع الخاص عن القيام بذلك أيضاً،
فتم اللجوء إلى فكرة التشاركية، وبالتالي لا يقصد بذلك القطاعات الإنتاجية،
وتابعت: «لكن في سورية نحن نقوم بتشويه المفاهيم، فعندما صدر قانون
التشاركية رقم 5 لعام 2016، لم يحدد أن المقصود بهذا المبدأ البنى التحتية
والمرافق العامة، فالقطاع الخاص عندما يريد الدخول بأي معمل إنتاجي سواء
كونسروة أو ما شابه، هو قادر على القيام بذلك بمفرده ولا يحتاج إلى شريك،
أي لماذا يدخل كشريك في بنى قائمة أساساً للدولة؟ وهذا ما أقصده بإساءة
استخدام قانون التشاركية، وأعتقد أنه لا يوجد إلى الآن مشروع طُبِّقَ على
أساس تشاركي بالشكل الصحيح وفقاً لقانون عام 2016». جلنار العلي
|