أصبح ارتفاع التكاليف الإنتاجية والمعيشية عاملاً مؤرقاً في السوق
المحلية، وتوفير المواد بعيداً عن الاحتكار، أدى ذلك إلى تراجع قدرة
المواطن على شراء أبسط حاجاته اليومية.
ومن هنا مازال قرار رفع أسعار المازوت الصناعي والزراعي، قيد التداول
والانتقاد لدى الأوساط الاقتصادية والخبراء والمختصين، لما له من انعكاسات
سلبية في رفع الأسعار والتكاليف.
ذات الطريق والمنهجية
الخبير المالي والمصرفي عامر شهدا رأى أن السياسات الحكومية الاقتصادية
مازالت تسير في ذات الطريق وتدار بنفس العقلية والمنهجية للسياسات السابقة.
وفي رد على تساؤل طرحته صحيفة الثورة عن أثر الزيادات المتكررة على أسعار المشتقات النفطية ومنها المازوت الزراعي والصناعي؟
اعتبر شهدا أن الحكومة مازالت مستمرة وتتبع سياسة عمل ترقيعية لا ترقى إلى
العلاج النهائي للمشكلة، وهذا ما لاينسجم أو يتناغم مع التوجيهات العليا،
بضرورة الابتعاد عن الحلول الترقيعية غير المجدية.
السياسة الإنفاقية والنقدية
وتساءل الخبير المالي والمصرفي على سبيل المثال.. هل يمكن للحكومة أن تعرض
السياسة القطاعية للزراعة؟ أم أنها لا تحتاج لسياسة، معتبراً أن كفاءة
إدارة المال العام مرتبطة بالسياسة الإنفاقية، في حين أن ما نعيشه من حالة
تضخم وبطالة يستوجب سياسة نقدية.
وتساءل أين السياسة النقدية، وما هي أدواتها؟، وماذا عن تنفيذ القوانين
والمراسيم الصادرة نهاية 2023، ومطلع 2024، معتبراً أن القوانين والعناوين
التي طرحت وقتها تعتبر أحد أدوات السياسة النقدية، حيث تدفع بإدارة كفاءة
المال العام.
سوق مواز أم سوداء
ومن ناحية ثانية- والكلام لشهدا- ثمة طروحات جديدة على صعيد ما يسمى السوق
الموازي، وهو ما يقال عنه سوقاً سوداء، وهذا تبديل في المصطلحات.
ويقول: إن الصناعي وكذلك المزارع عندما يلجأ إلى بيع مخصصاته من المازوت
المدعوم في السوق السوداء، لأنه يعتبر أن بيع المخصصات يحقق له أرباحاً
تفوق بكثير أرباحه من إنتاج وبيع المنتجات.
مقارنة غير كفوءة
وأضاف شهدا: إن السبب في الوصول إلى هذه الحالة هو أن القرارات الحكومية
أدت إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي تضخيم رأس المال الداخل في عملية
الإنتاج، وبالمقارنة بين نسبة الربح من بيع مادة المازوت وبين نسبة أرباح
مبيعات الإنتاج، سنجد أنها أعلى بأضعاف، فتكلفة الحصول على المازوت أقل
بكثير من تكاليف وأعباء الإنتاج.
ويعتبر الخبير المالي والمصرفي أن التخلص من هذه الإشكالية يكون عبر مراجعة
كل القرارات الحكومية المتسببة برفع التكاليف، والبحث بالحقيقة الكامنة
وراء السوق الموازي، فعندما يكون سقف أسعار السلع والخدمات أقل من سعر
السوق هنا المشكلة، فعند سعر السوق يتقابل العرض والطلب، وبالتالي هذا ما
يسبب ظهور السوق الموازي.
التشجيع على الاحتكار
وبتوضيح أكثر، يستعين شهدا بأمثلة تعتبر أحد أسباب ظهور السوق الموازي،
ومنها مثلاً التشجيع على الاحتكار أو توريد سلع معينة من قبل عدد محدود من
الشركات، والأمثلة كثيرة على العديد من الخدمات منها الاتصالات الخليوية،
والعديد من المواد والسلع الأساسية، مثلاً توريد الزيت النباتي محصور ب5-6
موردين، كما يعني منح حق الاحتكار بعيداً عن المنافسة، وهذا ما يخلق السوق
السوداء وعادة ما تكون ناتجة عن السعر المرتبط بالتكلفة، والأخيرة ناتجة عن
قرارات اللجنة الاقتصادية.
وعليه قبل الحديث عن كفاءة إدارة المال العام، يجب البحث في القرارات
الحكومية، إذ إنها أدت إلى نوع من الاحتكار حتى فيما يتعلق في توريد المواد
الأساسية ومنها على سبيل المثال توريد المواد الأساسية بما فيها المشتقات
النفطية، فعندما تكون تلك الشركات ملتزمة بحصة معينة وبسعر معين تحدده
الحكومة، سوف تضطر للجوء إلى السوق السوداء لببع جزء من توريداتها حتى لا
تقع بالخسارة.
سد عجز الموازنة
وينتقل الخبير المصرفي والمالي إلى الشق المتعلق بعجز الموازنة، وذلك لكون
أغلب التبريرات للقرارات الاقتصادية يكون بسبب العمل على ردم العجز
بالموازنة، وهنا يتحدث عن أن العجز سببه تنامي العجز في الموازنة على
خلفية قرارات اللجنة الاقتصادية، ومنها قرار رفع منسوب الاستدانة من المصرف
المركزي، وبالتالي عن انخفاض السيولة وعدم توفرها يلجأ لإصدار النقود،
وكيف يمكن الحديث اليوم عن سد عجز، والإعلان في اليوم التالي عن مزاد لبيع
سندات الخزينة بقيمة 150 مليار ليرة سورية، فكيف يمكن أن يكون مثل هذا
الإجراء مؤشرا على كفاءة إدارة المال العام، وهنا يتساءل: أين السياسات
الإنفاقية، فالإعلان عن معالجة العجز يتطلب الإعلان عن سياسة إنفاقية.
أداء متخبط
ويقول: طالما أن المساعي قائمة لعلاج عجز الموازنة فإن العلاج يقوم على
أمرين اثنين، إما بتخفيض الإنفاق أو رفع الضرائب، ولأن الحكومة أعلنت عن
عدم رفع الضرائب، نتساءل أين إجراءات تخفيض الإنفاق، معتبراً أن سد عجز
الموازنة عن طريق رفع التكاليف هو أداء متخبط.
أهداف السياسة الإنفاقية
وينوه الخبير المالي والمصرفي بأن السياسة الإنفاقية، من أهدافها،
الاستقرار ومحاربة الأزمات الاقتصادية والبطالة والتضخم، فهل ثمة سياسة
إنفاقية تشير لهذه الأهداف، ناهيك عن تحقيق شرط أن تكون السياسة النقدية
متناغمة مع السياسة المالية المتضمنة السياسة الإنفاقية والضريبية.
مخرجات ترقيعية
وفي ختام حديثه لصحيفة الثورة.. اعتبر شهدا أن السياسات الاقتصادية القائمة
على حلول ترقيعية مخرجاتها بالتأكيد ستكون كذلك، وسنكون أمام نمطية تفكير
مكررة عن سياسات اقتصادية سابقة أثبتت فشلها.