سيرياستيبس
كتب الاعلامي معد عيسى :
تابعت أحد الحوارات مع رجل الأعمال والمسؤول السابق الدكتور قدري جميل على أحد المنصات الإعلامية “هاستاغ” قال فيه كلاماً مهماً في إطار الخطط لإحداث تنمية وتحسين الدخل المعيشي لشريحة كبيرة في قطاعات من الصعوبة بمكان، أو من الحالات النادرة المنافسة بها.
جميل قال: “مشكلة سوريا تاريخياً أنها كانت تعتمد في تطورها على الميزات النسبية والتي هي ميزات ليس لنا وحدنا، بل هي لنا ولغيرنا، مثل النفط والقطن والغاز، وهذه ثروات مهمة، ولكن لسنا نحن من يحدد سعرها، فهناك سوق عالمية لها، وهي مهمة، ولكن لا يمكن البناء عليها زمنياً للبعيد، فهي ممكن أن تحلّ مشكلات، وممكن أن تعمل نمواً محدداً..
وتابع جميل: هناك شي اسمه مزايا مطلقة، أي نمتلكها ولا يمتلكها غيرنا، يعني نحن نحتكر المادة، وهذا يسمح لنا تحديد سعر هذه المادة بالسوق العالمية، مثل الوردة الشامية إذا زرعت بشكل واسع وممنهج، فلا أحد يستطيع المنافسة، وفشلوا حتى في هولندا، لأن هناك شيئاً أعطاها إياه المناخ والموقع الجغرافي وعائديتها كبيرة جداً حوالى 3000 في المئة، أيضاً هناك غنم العواس بمسابة “الكافيار الأسود” في دول الخليج عائديته بين 4000 و5000 في المئة، ويضاف إلى القائمة الأعشاب الطبية التي تنبت عشوائياً وهي مهمة لو استثمرناها واستفدنا منها، ولاسيما أن سوريا مغطاة بغطاء من النباتات الطبية، حيث يوجد في كل محافظة أكثر من 15 نوعاً وكلها تتمتع بميزات مطلقة”.
منطلق لتحسين المعيشة
سوريا مُصنفة كبلد زراعي بامتياز، تتمتع بإمكانيات زراعية عالية (مساحات كبيرة قابلة للزراعة، مناخ مناسب، يد عاملة)، ولكن مشكلتها بكفاءة الاستفادة من الموارد الزراعية وزيادة الإنتاجية، ويؤكد امتياز الزراعة أن معظم صناعتنا وبنسبة كبيرة تقوم على المنتجات الزراعية والحيوانية (الغزل والنسيج، الصناعات الغذائية والزيوت والتبغ وغير ذلك..) وعليه يجب أن يكون القطاع الزراعي المنطلق لإحداث نهضة اقتصادية وتحسين الوضع المعيشي لشريحة كبيرة في المجتمع السوري.
محدودية الإنتاج
بمقارنات بسيطة مع دول لديها إنتاج مماثل للمنتجات الزراعية السورية نجد أن مشكلة الزراعة في سوريا الأساسية تتعلق بمحدودية إنتاج وحدة المساحة، وأن الخطط كانت تركز على زيادة المساحة أكثر بكثير من زيادة الإنتاجية، وما كان يعلن عنه عند اعتماد أصناف وسلالات جديدة من البذور كان يركز على التأقلم ومقاومة الأمراض والإنتاجية، ولكن للأسف لم تكن الإنتاجية تقارب الأرقام المُعلنة عند اعتماد الأصناف، وهذا كان يظهر في المساحات المروية (البيئة النموذجية للزراعة)، وعلى ما تقدم يجب إعادة تقييم لكل أصناف البذار المعتمدة، والتي تمت على حساب أصناف محلية اعتمدتها بعض الدول المتقدمة زراعياً فيما تخلينا نحن عنها مثل القمح السوري، وقد تمّ اعتماده في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان له دور كبير في زيادة الإنتاجية وتراجع الجوائح والأمراض وإنقاذ سلة الغذاء من القمح.
خطأ التصنيف
الخطأ الكبير الذي أصاب القطاع الزراعي، وساهم في تدمير البيئة الزراعية أتى من تصنيف المنتجات بين محاصيل إستراتيجية وأخرى غير استراتيجية، اعتماداً على تأمين الاحتياجات الغذائية بدل التركيز على المزايا المطلقة لثروة نملكها نحن ولا يملكها غيرنا، محاصيل ومنتجات ليس لتشجيعها والاستثمار فيها تأثير على المحاصيل والمنتجات الأخرى، ولاسيما القمح والقطن، وكذلك على الثروة الحيوانية، فمناطق وجود بعض الزراعات ذات المزايا المطلقة بمعظمه خارج مناطق زراعة القمح والقطن والذرة، كما كان للتسعير الإداري المحسوب على دعم وهمي حتى للمنتجات الإستراتيجية دور في تراجع القطاع الزراعي، وكان يسعّر القمح بأقل من المستورد بشكل واضح، ولذلك كان يتم تهريب القمح الوطني لدول الجوار.
مقدرات طبيعية تنتظر الاستثمارالوردة الشامية، والنباتات الطبية والعطرية، والقبار، والحرير، من المحاصيل ذات المزايا المطلقة، وهي بالمطلق أيضاً تنتشر في أرض غير قابلة لزراعة القمح أو أي من المحاصيل المصنفة بالاستراتيجية، وبالتالي لا بدّ من الاستثمار بها اعتماداً على مزاياها المطلقة، وإدخالها بالخطط الزراعية المركزة مع كامل حلقات العملية الإنتاجية وصولاً للتصنيع والتسويق، وأن ننتقل من الحالة الكرنفالية (الوردة الشامية) لهذه المحاصيل إلى الحالة الاقتصادية والعملية وإقامة الصناعات المتعلقة، ولاسيما الطبية والصيدلانية، وما يُمكن فعله في الشقّ النباتي يُمكن أيضاً تعميمه على الشقّ الحيواني لسلالات الماعز الشامي وأغنام العواس وغيرها من السلالات المحلية الأخرى، والعمل على هذا الأمر يبدأ بتصنيف المحاصيل والسلالات لوضع الخطط والسياسات.
توسيع دائرة المحاصيل ذات المزايا المُطلقة
يجب أن يشمل كامل الجغرافيا السورية، ولاسيما المساحات الحراجية التي تتمتع بغنى وتنوع بيومناخي كبير جداً، ويحتوي على أصناف نادرة يمكن أن تستثمر في الأبحاث وتخرج من إطار نباتات حرجية عشوائية إلى محاصيل إنتاجية ذات مزايا عالية وربحية اقتصادية واجتماعية تُلحق بها صناعات طبية ضمن مجتمع الغابات يعمل بها أبناء المجتمع المحيط بالغابات، وذلك لإشراكهم في حماية الغابات كونها مصدر رزقهم ومعيشتهم.
مشاركة الاستثمار
بالتأكيد إن استثمار المزايا المطلقة لثروات سورية الطبيعية يحتاج إلى تضافر الجهود بخلق مناخ مساعد يسمح للجميع بالمشاركة والاستثمار، ولاسيما القطاع الخاص وكل المراحل من البحوث وصولاً إلى التصنيع والتسويق، إن هذا القطاع محرر من القيود ويملك الإمكانات المادية ويمكنه التعاون مع الجامعات والمراكز البحثية لتبني الأبحاث ودعمها، وطلب إجراء دراسات لتحسين الأصناف والسلالات لمحاصيل قد لا تفكر الجهات الرسمية بإدراجها ضمن الخطط وهذا بحد ذاته يدخل في تصنيف الانجاز والدخول من خلاله للأسواق الخارجية ومختبراتها وأسواقها.
أخيراً..ما سبق لا يعني إنكار لما سبق، ولا تقليلاً لجهود كبيرة بُذلت، وإنما منطلق لمرحلة جديدة نتمنى أن يختلف نهجها بحيث تستقطب الجميع وتتبنى الإيجاب.. والأهم إعطاء الفرصة للأفكار وتبنيها والتعامل معها بجدية وتقديرها ومكافأتها واحترام الاختصاص والخصوصية، وإعطاء الفرصة لأهل الشأن والاختصاص كي نستفيد من الخبرات والكفاءات المحلية بدل هجرتها.