سيرياستيبس
في عالم تزداد فيه التوترات الجيوسياسية اشتعالاً على خلفية تصاعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية، يبرز مضيق هرمز مجدداً كأحد أكثر الممرات البحرية حساسية على خريطة تجارة الطاقة العالمية. هذا الممر الضيق الذي لا يتجاوز عرضه 21 ميلاً في أضيق نقاطه، يمثل شريان الحياة لنحو 30 في المئة من إمدادات النفط العالمية، ومع تصاعد احتمالات اندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، يعود إلى الواجهة سؤال جوهري، كيف ستتعامل السعودية، أكبر مصدر للنفط عالمياً، مع سيناريو إغلاق المضيق، وهل تمتلك الرياض ما يكفي من الأدوات الاستراتيجية لحماية صادراتها وضمان استقرار أسواق الطاقة؟
أهمية المضيق والبدائل
مضيق هرمز لا يربط فقط الخليج العربي بالعالم، بل هو أيضاً نافذة حيوية لصادرات النفط من العراق والكويت وقطر والبحرين، وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)إلى أن نحو 80 في المئة من النفط الخام والمكثفات التي تمر عبر المضيق تتجه إلى آسيا، في مقدمها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية.
على الجانب السعودي، وعلى رغم أن غالب صادرات أكبر مصدر للنفط في العالم، تعبر بالفعل من خلال المضيق، فإن الرياض تمتلك أوراق قوة بديلة.
من أبرز هذه البدائل "خط أنابيب الشرق-الغرب"، الذي تشغله "أرامكو السعودية"، وينقل النفط من بقيق شرق البلاد إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر بطاقة تصل إلى 7 ملايين برميل يومياً. وتعتمد السعودية على احتياطات نفطية استراتيجية موزعة في اليابان وهولندا ومستودعات سوميد في مصر، مما يوفر هامش مناورة كبير في حال تعطل طرق التصدير التقليدية. قال محللون في قطاع الطاقة، إن تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل أعاد إلى السطح المخاوف المتعلقة بأمن صادرات النفط في المنطقة، وفي مقدمها السعودية، مع ازدياد الحديث عن سيناريو إغلاق مضيق هرمز، المنفذ الذي تمر عبره قرابة 16.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات.
وأشار المحللون إلى أن تأثير إغلاق المضيق سيكون أكثر حدة على صادرات النفط من الكويت وقطر والبحرين، بينما تظل السعودية في موقع أكثر تماسكاً بفضل بنيتها التحتية البديلة، وعدوا أن امتلاك السعودية خطوط أنابيب برية متصلة بالبحر الأحمر ومستودعات خارجية يجعلها في موقع استراتيجي أقوى لمواجهة هذا النوع من الأزمات.
وأضاف المحللون أن ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل سيكون نتيجة شبه مؤكدة في حال إغلاق المضيق، مما يعني أن السعودية قد تستفيد مالياً على المدى القصير، لكنها ستواجه في الوقت ذاته تحديات تتعلق باستقرار الأسواق العالمية، بخاصة مع اعتماد الاقتصادات الآسيوية الكبرى على إمدادات الطاقة الخليجية. أداة ضغط
من جانبه أكد الباحث والكاتب المتخصص في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي، أن تهديدات طهران المتكررة بإغلاق مضيق هرمز ليست بالجديدة، مشيراً إلى أن هذه التهديدات تستخدم كأداة ضغط منذ أعوام في أوقات التوتر والمواجهة.
وأوضح قهوجي، أن هذا الخطر المستمر دفع دولاً خليجية رئيسة، مثل السعودية والإمارات، لاتخاذ خطوات استباقية لضمان استمرارية تدفق صادراتها النفطية بعيداً من المضيق، وقال "الإمارات عملت أنابيب باتجاه إمارة الفجيرة، حتى قطر وصلت بعض الأنابيب باتجاه الفجيرة وعمان، والسعودية باتجاه جدة"، وأضاف أن هذه الدول "أخذت حذرها منذ أعوام تحسباً لهكذا أمر". وبحسب قهوجي، فإن إمكانية الإغلاق القائمة منذ أعوام هي التي دفعت هذه الدول لبناء شبكة أنابيب نفطية بديلة. وذكر أن العراق يمتلك أيضاً أنابيب تصدير باتجاه البحر الأبيض المتوسط، كما أن السعودية لديها أنابيب قديمة في نفس الاتجاه يجري العمل على تطويرها.
وفي سياق متصل، أكد قهوجي أن الرياض على وجه التحديد "أخذت احتياطاتها في هذا الموضوع منذ زمن، ويتوقع أن تكون ميناء جدة هي المركز الأساس لعمليات التصدير في هذه الحال".
حل قديم لأزمة متجددة
وأوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي في الجامعة اللبنانية، جاسم عجاقة، أن الاقتراح الحالي لمد خط أنابيب نفط يربط شرق السعودية بغربها ليس فكرة جديدة، فالمشروع يعود في أصوله إلى ثمانينيات القرن الماضي. وبين عجاقة، أن هذا المشروع يكتسب أهمية خاصة في ظل "المشكلة الكبيرة المحيطة بمضيق هرمز بسبب الوضع الجيوسياسي الراهن". وأضاف أن السعودية وشركاءها في المنطقة، بمن فيهم الإمارات والكويت ودول خليجية أخرى، يرون في هذا الأنبوب وسيلة لضمان "نقل آمن للنفط" بغض النظر عن أي تطورات قد تحدث في مضيق هرمز.
وأشار عجاقة إلى أن "مضيق هرمز يشهد عبور 40 في المئة من حركة النقل البحري للنفط عالمياً"، مما يجعله "عرضة للضغوط الجيوسياسية في المنطقة". وفي سياق التوترات الأخيرة بين إسرائيل وإيران، يرى عجاقة أن هناك سيناريوهين محتملين، الأول، أن يتوقف التصعيد الحالي، وفي هذه الحال "لن تكون هناك أي مشكلات أو آثار سلبية على صادرات النفط الخليجية عبر المضيق".
أما السيناريو الثاني، فهو "تصعيد يتوسع جغرافياً وزمنياً"، وهو ما ينذر بـ"تداعيات خطرة لعدم معرفة رد الفعل الإيراني، خصوصاً مع استهداف مواقع داخل إيران". وأكد عجاقة أن "مضيق هرمز سيتأثر بصورة كبيرة وملموسة" في حال تحقق هذا السيناريو.
وحذر عجاقة، من أن هذا التصعيد المحتمل "سيؤثر في الاقتصاد العالمي"، متوقعاً أن يحدِث صعوداً في أسعار النفط، ثم زيادة في كلفة التأمين، يليه ارتفاع في أسعار السلع والبضائع بصورة عامة، نظراً إلى دخول النفط في تصنيع وتغليف ونقل أكثر من 95 في المئة من المنتجات".
واختتم عجاقة حديثه مشيراً إلى أن هذا الوضع سيهدد سلاسل التوريد مما سيسبب ضرراً كبيراً لكل من دول المنطقة والعالم.
وأكد "الدور الحيوي لدول الخليج العربي عموماً والسعودية على وجه الخصوص في استقرار إمدادات النفط العالمية"، لافتاً إلى أن "كل هذا يشير ببساطة إلى أننا مقبلون على فترة من عدم اليقين بانتظار مسار الصراع بين إسرائيل وإيران".
قوة تفاوضية وقال وزير البترول المصري السابق أسامة كمال، إن السعودية تمتلك شبكة بنية تحتية مدروسة بعناية تأسست خصيصاً لمواجهة سيناريوهات التوتر في الخليج، وأوضح أن "خط أنابيب الشرق- الغرب"، الذي يمتد لنحو 1200 كيلومتر، يمثل العمود الفقري لاستراتيجية البلاد في تأمين صادراتها بعيداً من المضيق.
وأشار كمال إلى أن الخط الذي أنشئ أصلاً خلال الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، أعيد تأهيله وتحديثه مرات عدة ليصل إلى طاقة استيعابية قدرها 7 ملايين برميل يومياً، مما يجعله ركيزة أساسية في خطة السعودية لتقليل الاعتماد على المضائق البحرية المضطربة.
وأضاف، أن هذا الترتيب يمنح السعودية مرونة كبيرة في التعامل مع التحديات الجيوسياسية، خصوصاً مع تصاعد التوتر في منطقة الخليج، ويمنحها قوة تفاوضية أكبر في أسواق الطاقة العالمية.
خيارات متعددة من جانبه قالت أستاذة الاقتصاد والطاقة وفاء علي، إن السعودية والإمارات ستكونان الأقل تضرراً من سيناريو إغلاق مضيق هرمز مقارنة بدول الخليج الأخرى، بفضل شبكة الاحتياطات العالمية التي تمتلكها الرياض، إضافة إلى البنية التحتية المتطورة عبر ميناء ينبع.
وأشارت إلى أن إغلاق المضيق سيوقف صادرات النفط من ميناء رأس تنورة، لكنه لن يوقف تدفق الصادرات من البحر الأحمر أو عبر مستودعات سوميد إلى أوروبا وآسيا، وأضافت أن استمرار العمليات العسكرية سيزيد من احتمالات تجاوز أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل، وسط غياب حلول فورية لتعويض هذه الكميات الكبيرة من النفط.
ولفتت إلى أن هذه الأزمة المحتملة ستعيد تشكيل خريطة تجارة الطاقة عالمياً، مع كثير من العوامل السياسية والعسكرية كأدوات تحكم في أسعار النفط أكثر من اعتبارات العرض والطلب التقليدية.
نقطة تحول وأشار المتخصص في شؤون الطاقة ونائب رئيس هيئة البترول المصرية السابق مدحت يوسف، إلى إن إغلاق المضيق لن يشكل فقط أزمة إمدادات، بل نقطة تحول في أسواق الطاقة العالمية بأكملها. وأوضح أن السعودية على رغم امتلاكها بدائل، فإنها لن تستطيع بمفردها سد الفجوة الناتجة من توقف صادرات الخليج عبر هرمز.
ولفت يوسف إلى أن تجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل سيكون بداية لما وصفه بـ"عصر الطاقة الجيوسياسية"، إذ تعود الاعتبارات العسكرية والجيوسياسية لتتصدر مشهد تسعير النفط عالمياً. وأضاف أن الفجوة التي ستخلفها صادرات الكويت وقطر والبحرين لن تكون سهلة التعويض، خصوصاً مع تراجع الطاقة الفائضة في كثير من الدول المنتجة حول العالم، مما يجعل السيناريو الأكثر ترجيحاً هو فترة طويلة من التقلبات الحادة في أسعار النفط.
الأسواق تتحرك
وقال المستشار المالي محمود عطا، إن التوترات الجيوسياسية انعكست بالفعل على الأسواق المالية، إذ سجل مؤشر الغاز الطبيعي الهولندي "تي تي أف" ارتفاعاً بنسبة خمسة في المئة في تعاملات الأسبوع الجاري، بينما ارتفعت كلفة التأمين على شحنات النفط في المنطقة، في ظل تزايد أخطار المرور عبر المضيق. وأشار المستشار الاقتصادي والمالي في "مجموعة الحملي وشركاه" بالسعودية حسام الغايش، إلى أن المستثمرين لجأوا إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب والدولار الأميركي، وسط توقعات بأن تستمر موجة التدفقات على هذه الأصول إذا اتسع نطاق التصعيد العسكري، خصوصاً في ظل غموض الموقف الدولي تجاه إدارة الأزمة.
وأكد حسام الغايش أن غلق المضيق قد يفتح المجال أمام ضربات عسكرية تستهدف منشآت الطاقة في إيران، وهو ما يزيد احتمالات استمرار الأزمة لفترة أطول، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على الاستقرار الاقتصادي العالمي.
العالم في مهب "أزمة طاقة" وخلاصة القول إن السعودية تمتلك البنية التحتية والاحتياطات اللازمة للتعامل مع تداعيات سيناريو إغلاق مضيق هرمز، لكنها لن تكون بمنأى عن تداعيات أزمة طاقة عالمية محتملة. وبينما تعزز الرياض استراتيجياتها للحد من الأخطار، فإن الأسواق العالمية تبدو أكثر هشاشة في مواجهة صدمة طاقة بهذا الحجم.
وفي النهاية، تبقى السعودية في موقف دفاعي قوي مقارنة بجيرانها الخليجيين، إلا أن العالم بأسره قد يكون على أعتاب "أزمة طاقة عالمية" تعيد رسم ملامح الاقتصاد الدولي لعقود قادمة.
اندبندنت عربية
|