كتب وديع فايز الشماس:

سيشهد الفكر الاقتصادي السوري تحولًا ملحوظًا اذا تم التوجه نحو تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة، وهو خيار إصلاحي يهدف إلى جعل المحافظات أكثر قدرة على إدارة شؤونها المالية والتنموية، ضمن إطار الدولة الواحدة. فاللامركزية لا تعني تفكيك السلطة المركزية، بل إعادة توزيعها على نحوٍ يضمن كفاءة الإدارة وعدالة التنمية بين مختلف المناطق.

في النموذج الجديد، تصبح الموارد المحلية جزءًا من قوة المحافظة، إذ تمنح صلاحية استثمار جزء من ثرواتها ومواردها ضمن ضوابط وطنية. فالمناطق المنتجة للنفط والغاز، مثل دير الزور والحسكة، يمكن أن تستفيد من نسبة من العائدات لتطوير بنيتها التحتية وتعويض سنوات التهميش، بينما تُحوَّل النسبة الأكبر إلى صندوق وطني للتنمية المتوازنة، يعيد توزيع الدخل والثروات على المحافظات الأقل مواردًا.

الأمر نفسه ينطبق على المحافظات الزراعية مثل حماة والرقة ودرعا، التي يمكن أن تدير قطاعها الزراعي وتسويق منتجاتها وفق سياسات مرنة تشجع الإنتاج المحلي، فيما تحصل المحافظات الصناعية، كحلب ودمشق، على صلاحيات أوسع في منح التراخيص وتحصيل جزء من الضرائب الصناعية لتمويل مشاريع خدمية وتنموية. أما المحافظات السياحية كطرطوس واللاذقية وتدمر، فيمكنها إدارة مواقعها السياحية وجذب الاستثمارات مباشرة، مع احتفاظها بجزء من العائدات لتطوير البنية التحتية والخدمات العامة.

هذا النموذج الاقتصادي الجديد يخلق بيئة تنافسية إيجابية بين المحافظات، ويمنح كل منطقة فرصة لإطلاق مبادراتها الخاصة في الإنتاج والاستثمار. لكنه في الوقت نفسه يتطلب إطارًا ماليًا ورقابيًا صارمًا يضمن الشفافية ومنع الفساد، عبر إنشاء هيئة وطنية مستقلة تتابع التحويلات المالية وتراقب الموازنات المحلية. كما يجب أن تتاح للمواطنين إمكانية الاطلاع على تفاصيل الإنفاق العام عبر منصات إلكترونية علنية.

اللامركزية الإدارية الموسعة ليست مجرد تعديل إداري، بل مشروع اقتصادي واجتماعي متكامل، يعيد توزيع الثروة الوطنية بعدالة، ويعزز المشاركة المحلية في التنمية، ويحوّل كل محافظة إلى شريك فعلي في بناء الاقتصاد الوطني.

إنها باختصار طريق سوريا نحو تنمية متوازنة ومستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وإنصافًا.