سيرياستيبس:

أ.د. حيان أحمد سلمان:

تعد روسيا من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للغاز المسال في العالم ووضعت خطة استراتيجية للطاقة حتى سنة 2035 لتكون إحدى الدول الرائدة في إنتاج وتصدير الغاز، ومن المتوقع أن يصل إنتاجها سنة 2035 بين/ 850 و924/ مليار م3، وتعد شركة غاز بروم المساهمة Газовая промышленность)) من أكبر الشركات العالمية في قطاع الغاز والنفط في العالم، وآخر إنجازاتها خط (السيل الروسي التركي الأوروبي) والمعلن عنه سنة 2014 وتأخر تنفيذه حتى سنة 2017 بسبب الغدر التركي بروسيا، وتبلغ تكلفته نحو / 13مليار دولار/، ويحتوي المشروع حالياً على أنبوبين ينقلان حوالي /15، 75/ مليار م3 وسيتم تطويرهما مستقبلاً لينقلا حوالي /31.5/ مليار م3 سنوياً، وأيضاً من المخطط تطوير الخطين مستقبلاً ليصبحا /4/ خطوط تنقل حوالي /63/ مليار م3، ويبلغ طول الخطين الحاليين /1160/ كلم موزعة جغرافياً كما يلي [930 كلم في قاع البحر الأسود و180 كلم في البر التركي و50 كلم في البر الروسي]، وستعوض روسيا بتصدير الغاز عن الكمية التي كانت تصدر عبر أوكرانيا، وهنا تبدأ دكتاتورية الجغرافيا من خلال توليدها صراعات مستقبلية متعلقة بالطاقة، حيث يوجد مشروع آخر منافس للمشروع السابق وهو مشروع (إيست ميد) المعتمد سنة 2013 ووقع على تفعيله في سنة 2020 ويربط بين [قبرص واليونان والكيان الصهيوني وستنضم قريباً إيطالياً، وهو مخصص لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا وبطول /1872/ كلم وينقل حوالي /9و11/ مليار م3 وبتكلفة /6/ مليارات يورو وتزداد أهمية هذا المشروع مع زيادة الاكتشافات الغازية في المتوسط وشرقه، وهذا سيولد صراعات اقتصادية ستتحول إلى صراعات جيوسياسية نعرف بدايتها ومكوناتها ولكن لا نعرف نهايتها وطبيعتها، وعمليا هذا يفسر سعي تركيا لمحاصرة قبرص وبعض الجزر اليونانية (كريت اليونانية)، فهل سيكون هذا سبباً مباشراً للصراع بين المنطقة الاقتصادية اليونانية والتركية، ويتحول لاحقاً إلى حرب أوسع قادمة؟ وخاصة أن هذا الخط يحظى باهتمام من قبل الإدارة الأمريكية، بدليل حضور وزير خارجية أمريكا (بومبيو) الاجتماع الأخير المخصص لهذا المشروع وتصريح الرئيس الأمريكي (ترامب) بأن احتياجات ألمانيا للغاز الروسي قد تحولها إلى رهينة لروسيا، وهذا دفع الرئيس التركي للتأكيد أن تركيا لن تكتفي بالبحث عن الثروات النفطية والغازية في البحر المتوسط وستقوم بالحفر شرق جزيرة كريت اليونانية، التي سيمر عبرها خط غاز (إيست ميد)!، ويتكامل هذا الصراع أيضاً مع تغير خريطة الغاز في منطقة (أوراسيا) حيث دشن الرئيسان الروسي والصيني أنبوب ضخ الغاز الروسي إلى الصين وبمشروع (قوة سيبيريا) منذ سنة 2014 وخطوط نقل الغاز بين البلدين بطول /4500/ كم لتوريد /38/ مليار م3 سنوياً، وسينفذ من قبل شركة غاز بروم مع شركة النفط الوطنية الصينية ويضمن توريد الغاز للصين لمدة /30/ سنة وتقدر تكلفته بـ /55/ مليار دولار، وبالتالي فهو مشروع أكثر من استراتيجي، وسيساهم في تأمين الغاز للعملاق الصيني ويرسخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وهذا تحد جديد للإدارة الأمريكية أيضاً، ويقدر الخبراء أن استهلاك الصين من الغاز سيرتفع من /300/ مليار م3 سنة2020 إلى /500/ مليار م3 سنة 2030، وستؤمن روسيا /400/ مليار دولار من هذه الصفقة التي تعد الأكبر في العالم، والصين هي أكبر مستورد للغاز في العالم، ومعروف أن الغاز يحل تدريجياً محل النفط لأنه أقل تكلفة وأسهل نقلاً وهو صديق للبيئة، فهل نشهد منظمة (غاز عالمية) تكون منافسة لمنظمة (أوبك) التي تأسست سنة 1960 وهي الآن إحدى أدوات السياسة الأمريكية، وتنفذ عبرها أمريكا الكثير من أهدافها ولا سيما من خلال ربط الدولار بالبترول (بترودولار)؟ وهل سنشهد عملة جديدة ترتبط بالغاز وهل تفعلها روسيا والصين وتكون بديلة عن الدولار؟! فهل سيكون لديكتاتورية الجغرافيا بصمتها في الصراعات الاقتصادية المستقبلية وخاصة ونحن نشهد معالم انتهاء القطبية الأحادية وصعود القوتين الروسية والصينية؟.

تشرين

طباعة هذا المقال أرسل إلى صديق