سيرياستيبس :
العراق بدأ خطوات عملية لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط الممتد عبر سوريا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، مما رحبت به سوريا, وأرسل العراق أخيراً وفداً حكومياً رسمياً إلى دمشق بحث مع المسؤولين السوريين آليات إعادة تأهيل الأنبوب النفطي بين البلدين
يبدو أن الاهتمام السوري - العراقي متبادل لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط الممتد من "كركوك" إلى ميناء "بانياس" على البحر المتوسط، إذ يحتاج البلدان الجاران بشدة إلى إعادة تفعيل خط النفط "كركوك - بانياس" حتى يصل العراق إلى أوروبا، وسوريا لتلبي حاجاتها الكبيرة جداً للطاقة والاقتصاد وإعادة إعمار ما دمرته أعوام الحرب.
العراق بدأ خطوات عملية لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط الممتد عبر سوريا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، مما رحبت به سوريا، إذ أرسل العراق أخيراً وفداً حكومياً إلى دمشق وبحث مع المسؤولين السوريين آليات إعادة تأهيل الأنبوب النفطي بين البلدين بما يخدم خطط العراق لتصدير النفط. وأسفرت المباحثات وفقاً لبيان صحافي صدر عن الحكومة العراقية، عن نتائج إيجابية تؤدي إلى خطوات عملية على أرض الواقع لتفعيل خط أنابيب النفط الذي يتيح تصدير الخام العراقي عبر موانئ سوريا إلى الأسواق العالمية.
ويرى متخصصون أن بحث مسؤولي البلدين في سوريا والعراق إمكان إعادة تفعيل خط "كركوك - بانياس"، يكتسب أهمية كبيرة، خصوصاً أنه خط إستراتيجي يشكل أهمية كبرى للعراق لتعزيز مكانته بين أكبر منتجي النفط عالمياً بأكثر من 3 ملايين برميل يومياً، إضافة إلى أنه يجنب العراق أخطار الاعتماد على خط "جيهان" التركي، الذي قد يتأثر بتغير المصالح والتوازنات السياسية مع حكومة إقليم كردستان، أو اضطرابات البحر الأحمر عند التصدير عبر موانئ البصرة، وبالمقارنة، يظل الخط العراقي - السوري الخيار الأقل كلفة والأسرع للوصول إلى الأسواق الأوروبية، لذلك فإن المباحثات التي جرت في دمشق أخيراً بين وفد عراقي ووزارة الطاقة في سوريا تشكل خطوة استثنائية نحو المصالح المتقاربة بين سوريا والعراق.
مد خط جديد
وقال المتخصص في مجال النفط، وزير النفط السوري السابق، بسام طعمة، "يمثل أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري، المعروف باسم خط أنابيب (كركوك – بانياس)، شرياناً حيوياً لاقتصادي العراق وسوريا، كون أن هذا المشروع يعتبر قديماً وهو أول منفذ للعراق لتصدير النفط إلى جميع بقاع العالم". وأضاف أنه "إذا اتخذ قرار تفعيل تصدير النفط العراقي عبر أنبوب النفط فأعتقد أنه يجب العمل على مد خط جديد"، موضحاً أن "الخط القائم حالياً مخرب بصورة كبيرة وكذلك محطات الضخ وهناك مقاطع من الخط مفجرة، إذ إن الخطوط عمرها من خمسينيات القرن الماضي وهناك تحويلات عدة بعضها مغلق مثل خط طرابلس"، وتابع "إذا كان ولا بد من الضخ غبر الخط القائم فالأمر يحتاج إلى صيانة ضخمة والكميات ستكون محدودة لأن الخط بصورته الحالية لا يحتمل ضغوط الضخ، وهناك مقاطع لا يمكن صيانتها وتحتاج إلى مد خطوط جديدة، وبالتوازي ليتم إصلاح أو مد خط جديد يجب تفعيل بناء الخزانات لتخزين كميات كبيرة وضخها إلى الأسواق في أوقات الذروة ولا سيما أن التحميل من الموانئ السورية لا يحتاج إلى أكثر من يومين أو ثلاثة ليكون في أسواق أوروبا، وهذا يعطي ميزة كبيرة وربحاً كبيراً، إذ يُخزن في فترات تراجع الطلب ومعه تراجع الأسعار لحين ذروة الطلب والسعر الأعلى فنستفيد من ميزة القرب والسرعة في تلبية طلب الأسواق، خصوصاً في فصل الشتاء، وهذه الحال موجودة في عمان ومصر والإمارات".
تحييد سوريا
وأشار طعمة إلى أن المشروع دائماً كان مطروحاً في كل الاجتماعات مع الجانب العراقي، مؤكداً "أنا طرحته شخصياً عندما كنت وزيراً للنفط مع الوزير العراقي إحسان عبدالجبار إسماعيل، ورحب بذلك وقال لي هذا مطلبنا لكن الأمر يحتاج إلى الموافقة الأميركية كون سوريا بلداً معاقباً". ولفت طعمة إلى أنه إذ حُيدت سوريا في موضوع ضخ النفط العراقي فإنها ستحيد لـ50 عاماً مقبلة وسيكون ميناء العقبة في الأردن بديلاً لميناء بانياس، مما يعني تحييد سوريا عن مخزونات هائلة من النفط العراقي الذي لم يستثمر سابقاً بصورة جيدة بسبب الحروب ولم ينتج بالكميات الكافية، فالعراق اليوم يمكن أن ينتج 3 ملايين برميل يومياً، والساحة العراقية غنية، وعلى المسؤولين السوريين العمل بكل السبل لربط الساحتين العراقية والسورية للاستفادة من عائدات مرور وتخزين النفط العراقي وتأمين حاجتنا النفطية كذلك، وأضاف أن "استئناف تصدير النفط العراقي عبر سوريا من شأنه أن يقلل كلف التصدير، فيما لو تم اللجوء إلى الأردن في ظل طرح مشروع لتصدير النفط العراقي عبر ميناء العقبة الذي يبعد عن البصرة 1700 كيلومتر مربع، في حين أن المسافة بين كركوك وبانياس تقدر بنحو 800 كيلومتر مربع فحسب، كذلك فإن التصدير عبر بانياس سيؤدي إلى تزويد الأسواق الأوروبية بالنفط الخام العراقي مباشرة عكس مشروع العقبة الذي يمر النفط من خلاله عبر قناة السويس وما ينتج منه من كلفة إضافية وتأخير في زمن النقل، موضحاً في هذا السياق أن ميناء بانياس هو أيضاً بديل أفضل لميناء "جيهان" التركي.
طعمة أكد كذلك أن "طرح الموضوع في هذا التوقيت مهم وتأكيده أيضاً مهم، كاشفاً عن محاولات جرت في الأعوام السابقة لمد خط جديد من قبل شركة سورية خاصة، على أن تسترد بدل الاستثمار من عائدات ضخ النفط، ورحب الجانب العراقي وقتها بالطرح ولكن الظروف السياسية لم تسمح بالمضي به". وشدد على أن الصيانة لا تلبي حاجة أي من الطرفين ولا بد من خط جديد وفي كلتا الحالتين الإصلاح أو مد خط جديد هناك تحديات التمويل والظروف الأمنية في البادية السورية التي سيمر بها الخط، إذ لا يزال "داعش" يتحرك في المنطقة، ويحتاج الأمر إلى حماية. وأشار إلى أنه يمكن العمل على مراحل، إصلاح مقاطع من الأنبوب والضخ عبرها، واستخدام العائدات لتمويل تنفيذ مقاطع جديدة لحين اكتمال المشروع مع الخزانات.
خط كركوك - بانياس الأقرب
وجاء تحرك بغداد لإحياء خط النفط مع سوريا بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في وقت خسر العراق نحو 19 مليار دولار بسبب توقف تصدير نفط كردستان عبر تركيا، وتبحث بغداد الآن عن بدائل تضع مستقبل صادراتها في مأمن من النزاعات الحدودية وتقلبات الإقليم.
إلى ذلك، تعاني سوريا أزمة وقود حادة وتعتمد على الاستيراد لتأمين حاجاتها، إذ بلغت فاتورة استيراد النفط ومشتقاته قبل السقوط 1.2 مليار دولار في العام من دون التهريب، ومن ثم سيكون تفعيل خط النفط مع العراق حلاً مثالياً لتلبية حاجات السوق المحلية ومتطلبات إعادة الإعمار، إلى جانب إمكان تطوير المصافي السورية ورفع كفاءتها لتكرير النفط العراقي وتنشيط المرافئ السورية وتعظيم الإيرادات إلى جانب الدفع بالعلاقات التجارية مع أوروبا القريبة.
يعود تاريخ تأسيس أنبوب تصدير النفط العراقي - السوري "كركوك -بانياس" إلى عام 1952 ونفذته شركة "بريتيش بتروليوم" البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية، بطول 880 كيلومتراً وبقدرة تدفق تتجاوز 300 ألف برميل يومياً.
وقد عاصر عواصف سياسية كبرى، منذ العدوان الثلاثي على مصر، مروراً بعمليات التأميم والحرب العراقية - الإيرانية، وحربي الخليج الأولى والثانية، وصولاً إلى حرب التحالف الدولي ضد "داعش"، لذلك فإن إعادة تشغيل الخط خطوة ذات أهمية إستراتيجية.
واستمر العمل بالأنبوب منذ تأسيسه بصورة متواصلة حتى عام 1980 وتوقف حقبة طويلة منذ أوائل الثمانينيات مع اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، ليعود إلى العمل عام 1997 قبل أن يتوقف مجدداً عام 2003.
وعام 2010 أعيد الضخ عبر أنابيب "كركوك - بانياس" للمرة الثالثة، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً نتيجة التدمير الممنهج الذي طاوله نتيجة الأعمال العسكرية إبان فترة سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق مساراته في سوريا والعراق.
وعلى رغم توقفه منذ أكثر من 14 عاماً فإن أهميته توصف بالإستراتيجية سواء لسوريا أو للعراق، إذ سيخفف الخط من كلف نقل وتصدير النفط نظراً إلى كونه طريقاً مختصراً لحقول النفط العراقية الشمالية عبر البحر المتوسط، التي تحوي احتياطاً نفطياً يقدر بـ13 مليار برميل، أي ما يشكل 12 في المئة من إجمال الاحتياط العراقي من النفط الخام.
عن مرفأ بانياس
مرفأ ساحلي يقع في مدينة بانياس بمحافظة طرطوس شمال غربي سوريا، وهو أحد المرافئ الثلاثة الوحيدة الموجودة في سوريا، إذ لا يوجد غيره سوى مرفأ اللاذقية ومرفأ طرطوس، ولمرفأ بانياس أهمية كبيرة في تصدير النفط واستيراده، إذ ينتهي إليه خط أنابيب كركوك - بانياس لنقل النفط من العراق وتصديره إلى الخارج عبر البحر المتوسط إلى الأسواق الأوروبية، وتبلغ طاقة الخط التي تنقل إلى المرفأ 2.5 مليون برميل يومياً، وتبلغ طاقته الاستيعابية نحو 600 زورق، وهو يستوعب السفن الصغيرة البالغ غاطسها 4.5 متر، ويبلغ طول أرصفة المرفأ الإجمالي 1455 متراً، منها 887 متراً أضيفت في توسعة بين عامي 2006 و2009.
وقد خصصت خطة التوسعة رصيفاً حوَّل مجرى النهر القريب من الميناء لتجنب وصول مخلفاته إلى المرفأ، كما بني فيه مركز لصيانة الزوارق، ويجاور المرفأ، مصفاة "بانياس" وهي واحدة من مصفاتين في سوريا، والأخرى موجودة في حمص وسط البلاد.
بنيت مصفاة "بانياس" عام 1974 من قبل شركة "إندستريال أكسبورت إمبورت" الرومانية، وصممت المصفاة على طاقة استيعابية 6 ملايين طن من النفط الخام المزيج بين نفط خفيف ونفط سوري ثقيل بنسب تكرير تتراوح ما بين 80 في المئة وزناً خفيفاً و20 في المئة وزناً ثقيلاً وحتى 50 في المئة وزناً خفيفاً و50 في المئة وزناً ثقيلاً.
اندبندنت عربية