سيرياستيبس : كتب الاعلامي غالب درويش : يواجه سوق النفط العالمي حالياً عاصفة جيوسياسية جديدة، بعدما دفعت التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وتحديداً اتساع نطاق النزاع الإيراني، بأسعار الخام إلى قفزات ملحوظة خلال الأسبوعين الماضيين. أثار التصعيد مخاوف جدية في شأن استقرار إمدادات الطاقة العالمية، خصوصاً مع اقتراب الأسعار من عتبة الـ80 دولاراً للبرميل، وتساؤلات حول ما إذا كانت هذه القفزة مجرد
تخمين موقت أم مؤشر إلى اضطراب طويل الأمد يهدد الاقتصاد العالمي.
في الوقت ذاته، يمثل تصاعد المخاوف من استهداف البنية التحتية لتصدير النفط، إلى جانب احتمالات تدخل أميركي مباشر في الصراع الإسرائيلي-الإيراني أمراً "صعباً" للمنطقة، مما دفع بأسواق النفط لمزيد من الخيارات ومنها موجة تقلب حادة وزيادة غير مسبوقة في أحجام التداول، وسط أسعار تقترب من أعلى مستوياتها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. قلق كبير
على صعيد التطورات يحذر محللون من أن السوق قلقة إلى حد كبير من تعطل الإمدادات في مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله خُمس النفط المنقول بحراً في العالم.
وتتركز المخاوف الأكبر داخل سوق النفط على "مضيق هرمز"، على رغم عدم وجود مؤشرات حتى الآن على أن إيران تسعى إلى تعطيل حركة الشحن عبر هذا الممر المائي الضيق، وتأتي الهجمات المباغتة على منشآت نووية إيرانية أواخر الأسبوع الماضي، تفتح أكثر تساؤل لنهاية الصراع.
حماية المنشآت
غالباً ما يطرح المتخصصون كيف ستواجه إيران صواريخ إسرائيل؟ وكيف تحمي منشآتها النفطية في ظل الاختراق الإسرائيلي الجوي؟ التوقعات تشير بأن تصاعد الصراع سيدعم صعود أسعار النفط نحو 80 دولاراً وسط معاناة الإمدادات، إذ اتسعت الفجوة بين أقرب عقدين لشهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل في خام "برنت" (مؤشر رئيس للتوازنات طويلة الأجل في السوق) بصورة ملحوظة منذ اندلاع الهجمات، لتقترب من ثلاثة دولارات.
إلى ذلك أظهرت بيانات من القطاع الأميركي أن مخزونات الخام داخل الولايات المتحدة انخفضت بأكثر من 10 ملايين برميل، الأسبوع الماضي.
حركة الملاحة ويشير تقرير متخصص في موقع "أرقام"، إلى أنه على رغم عدم توقف حركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز في أعقاب التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، فإن المخاوف من تعطل الإمدادات كانت كافية لدفع خام "برنت" من 69 دولاراً للبرميل خلال الـ12 من يونيو (حزيران) الجاري إلى أكثر من 78 دولاراً، مما يعكس التأثير الكبير لهذا الممر الاستراتيجي على استقرار أسواق الطاقة العالمية.
واستوردت الولايات المتحدة نحو 0.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات من دول الخليج العربي عبر مضيق هرمز خلال عام 2024، وهو ما يمثل نحو سبعة في المئة من إجمال وارداتها من النفط الخام والمكثفات واثنين في المئة من استهلاكها من السوائل النفطية.
وعلى ذات الصعيد تباينت آراء المتخصصين في الشأن النفطي حول مدى تأثير هذه التوترات، فبينما يرى بعض أن السوق محصن ضد الارتفاعات الحادة بفضل وجود إمدادات كافية، يحذر آخرون من سيناريوهات قد تدفع أسعار الخام إلى مستويات غير مسبوقة، خصوصاً في حال تعطل حركة الملاحة عبر مضيق هرمز الحيوي.
ارتفاعات حادة شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعات حادة، مع اتساع رقعة النزاع الإيراني داخل منطقة الشرق الأوسط، مما أثار مخاوف جدية في شأن استقرار إمدادات الطاقة العالمية، هذا التصعيد دفع بخام "برنت" للقفز بنحو 10 دولارات، ليصل إلى 76 دولاراً للبرميل، مقارنة بمستوياته قبل اندلاع النزاع. وبينما تباينت أسعار النفط خلال تعاملات اليوم الأربعاء بعد مكاسب تجاوزت أربعة في المئة ضمن الجلسة السابقة، يبقى القلق من احتمال تعطل إمدادات الشرق الأوسط المارة عبر مضيق هرمز هو المحرك الرئيس لهذه التقلبات.
تخمينات متضاربة في ظل هذه الأجواء المتوترة، تتصاعد التخمينات حول مسار أسعار النفط العالمية، لتراوح ما بين مستويات 75 و80 دولاراً وصولاً إلى 90 أو حتى 100 دولار للبرميل، لكن المتخصص في شؤون النفط كامل الحرمي أكد أن "السوق لا تواجه أزمة حقيقية في المعروض، وأن أية مخاوف من ارتفاعات حادة تبقى محدودة".
وأوضح أن "الحديث عن وصول النفط إلى مستويات 80 أو 90 أو حتى 100 دولار للبرميل يبقى في دائرة التخمينات، فهناك كميات كافية وفائضة من النفط الخام في الأسواق العالمية"، مشيراً إلى أن "المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة ومفاجئة هي إغلاق المضائق الملاحية الحيوية، وهو أمر صعب للغاية". وعدَّ الحرمي أن "إغلاق مضيق مثل هرمز مثلاً هو احتمال شبه معدوم، نظراً إلى صعوبة قيام دولة واحدة بذلك"، مشيراً إلى أنه "حتى في حال حدوث إغلاق طارئ وغير متوقع، فإن الأسعار سترتفع بصورة لحظية ليوم أو يومين على أقصى تقدير، لأن القوى العالمية ستتدخل فوراً لإعادة فتح المضيق مرة أخرى".
مختتماً حديثه إلى "اندبندنت عربية" بتأكيد أنه "لا أعتقد أن هناك خوفاً أو هاجساً حقيقياً من أن سعر برميل النفط سيصل إلى معدلات تتجاوز الـ80 دولاراً، وخلال الوقت الحالي أنا لا أرى ذلك".
قفزات صادمة على النقيض، يرى المحلل النفطي الكويتي خالد بودي أن "هذا الصعود الحاد يعكس في المقام الأول حال القلق داخل الأسواق من احتمال تعطل إمدادات النفط العالمية، خصوصاً مع تصاعد التهديدات حول أمن الملاحة في مضيق هرمز، الذي يمر عبره نحو خُمس الإمدادات العالمية".
ويؤكد بودي أنه وفقاً للتقديرات فإن استمرار التوترات مع حدوث اضطرابات كبيرة في حركة المرور عبر المضيق قد يدفع أسعار النفط إلى تجاوز 100 دولار للبرميل، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع عمليات تخزين واسعة من قبل المستهلكين تحسباً لانقطاع الإمدادات. أما السيناريو الأكثر تحفظاً فيفترض استمرار تدفق النفط دون انقطاع ملموس، مما قد يؤدي إلى موجة ارتفاع أقل حدة تراوح خلالها الأسعار ما بين 85 و90 دولاراً للبرميل خلال الأسابيع المقبلة، ويستند هذا السيناريو إلى تقديرات الأسواق بأن النزاع قد يظل محدود النطاق جغرافياً وزمنياً.
وعلى رغم هذه السيناريوهات المتفاوتة، يُلمح بودي إلى أن التقديرات تشير إلى أن أسعار النفط مرشحة للبقاء عند مستويات مرتفعة حتى في حال انتهاء النزاع قريباً، ويرجع ذلك إلى احتمالات تضرر البنية التحتية لقطاع الطاقة في بعض الدول المنتجة، سواء على مستوى الحقول أو المصافي، وهو ما قد يقلص الطاقة الإنتاجية بصورة دائمة أو طويل الأمد، ويدفع الأسعار للتحرك حول مستويات 80 دولاراً للبرميل حتى بعد التهدئة. ووفقاً لتقرير حديث لبنك الاستثمار "غولدمان ساكس"، فإن كل تراجع بنسبة 10 في المئة ضمن صادرات النفط الإيرانية من شأنه أن يضيف ما بين ثلاثة إلى خمسة دولارات لأسعار النفط عالمياً على المدى القصير، ويعكس هذا التقدير الهشاشة الكبيرة في التوازن داخل سوق الطاقة العالمي، وسط بيئة جيوسياسية تتسم بالتوتر والضبابية.
وتأتي هذه التطورات خلال وقت بالغ الحساسية للأسواق العالمية التي تكافح بالفعل لمواجهة الضغوط التضخمية وتقلبات أسعار السلع الأساس، وبينما تترقب الأسواق خطوات القوى الكبرى لاحتواء التصعيد، يبقى النفط كعادته في قلب العاصفة كسلعة استراتيجية تتأثر سريعاً بالتغيرات الجيوسياسية. اندبندنت عربية
|