سيرياستيبس : كتب الاعلامي غالب درويش :
انزلقت أسعار النفط العالمية إلى ما دون مستوى 60 دولاراً للبرميل خلال تعاملات اليوم الثلاثاء، مسجلة أدنى مستوياتها منذ سبعة أشهر، في خطوة تعكس اختلالاً متزايداً في ميزان العرض والطلب العالميين، وسط توقعات باستمرار هذا التفوق في المعروض بوتيرة لافتة خلال عام 2026.
وتراجع خام برنت القياسي بنحو واحد في المئة ليتداول قرب 59.96 دولار للبرميل، موسعاً خسائره منذ بداية العام الحالي، فيما استقر خام غرب تكساس الوسيط حول مستوى 56 دولاراً للبرميل، في سوق يطغى عليها الحذر والترقب.
وفي السياق دعا الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، هيثم الغيص، إلى إعادة التفكير في مدى ملاءمة استخدام مصطلح "الوقود الأحفوري" لوصف النفط الخام، مؤكداً أن هذا المصطلح يفتقر إلى الدقة العلمية اللازمة في نقاشات مسارات الطاقة المستقبلية.
وأشار الغيص في مقال نشر على موقع "أوبك" إلى ثلاثة عوامل رئيسة تظهر عدم دقة المصطلح، مشدداً على أن الدقة أمر جوهري في العلم، موضحاً أن النفط الخام نادراً ما يستخدم كوقود مباشرة، بل يخضع للتكرير ليتحول إلى آلاف المنتجات المختلفة، جزء منها فقط هو وقود. واستشهد بتقرير توقعات النفط العالمية لـ"أوبك" لعام 2025 الذي يشير إلى أن قطاع البتروكيماويات سيكون المساهم الأكبر الوحيد في نمو الطلب العالمي الإضافي على النفط خلال الفترة 2024- 2050.
وقال، "تعريف النفط على أنه وقود فقط يشوه طريقة استخدامنا له في كل قطاع اقتصادي، وكل مرحلة من مراحل الحياة اليومية".
وفي مقاله، تناول الغيص الأصل التاريخي للفظ "أحفوري" (Fossil) الذي يعود إلى الكلمة اللاتينية "fossilis" وتعني "المستخرج بالحفر".
وأشار إلى أن أول استخدام مسجل لمصطلح "الوقود الأحفوري" عام 1759، كان لتمييز المواد التي تستخرج من باطن الأرض بالحفر (كالفحم والنفط) عن تلك التي تأتي من فوق الأرض (كالحطب والفحم النباتي).
وتابع: "هذا التعريف يشير إلى منهجية الاستخراج وليس إلى التركيب الكيماوي. لقد تطور العلم كثيراً منذ عام 1759، فهل من المناسب استخدام مصطلح عفى عليه الزمن يعود للقرن الـ18 لوصف مصادر وسلع الطاقة الحديثة؟".
ودعا الغيص إلى ضرورة فهم حقيقة النفط، وكيفية تشكله، واستخدامه اليومي، محذراً: "خلاف ذلك، فإننا نجازف بتعريض الحاضر للخطر باسم إنقاذ المستقبل". مختتماً تساؤله: "بناء على هذا، ألم يحن الوقت لأن يعيد العالم التفكير في مدى ملاءمة مصطلح الوقود الأحفوري؟".
تخمة المعروض وأوضح متخصصون في شؤون النفط والطاقة لـ"اندبندنت عربية"، أن الهبوط الحاد في أسعار النفط يعود بالدرجة الأولى إلى تخمة واضحة في المعروض العالمي، نتيجة تزايد الإمدادات مقابل نمو ضعيف في الطلب.
من جهته قال المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي، إن غياب التدخل السريع من تحالف "أوبك+" يعكس توجهاً لترك السوق لقوى العرض والطلب، من دون اللجوء إلى أدوات التسعير التقليدية.
وأشار الحرمي، إلى أن التهدئة السياسية بين روسيا وأوكرانيا، واحتمالات التوصل إلى اتفاق سلام، أسهمت في تقليص علاوة الأخطار الجيوسياسية، مما انعكس مباشرة على أسعار النفط. وأضاف أن عودة النفط الروسي بصورة رسمية إلى الأسواق، في حال رفع القيود الأوروبية، ستؤدي إلى زيادة إضافية في المعروض، خصوصاً أن جزءاً من هذه الكميات يتم تداوله حالياً عبر قنوات غير رسمية.
وأكد الحرمي أن السوق باتت في حاجة إلى إدارة إنتاجية أكثر وضوحاً، تقوم على خفض الإمدادات إذا ما أريد تحقيق استقرار سعري، مشيراً إلى أن استمرار ضعف الأسعار مرتبط بغياب أي إشارة عملية لتدخل فعال في مستويات الإنتاج.
قلق الأسواق من جانبه أوضح المتخصص في شؤون النفط والغاز علي الريامي، أن تراجع خام برنت دون 60 دولاراً للبرميل لا يرتبط بقرارات "أوبك" بقدر ما يعكس قلق الأسواق من فائض معروض متوقع منذ الربع الأخير من العام الحالي. وأشار إلى أن هذا القلق تزايد مع صدور تقارير متتالية تحذر من اختلال الميزان النفطي خلال الأشهر المقبلة.
وأضاف الريامي، أن التطورات الجيوسياسية في أوروبا لعبت دوراً مكملاً، إذ إن احتمالات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا قد تفتح المجال لعودة تدريجية للإمدادات الروسية، حتى وإن استغرق ذلك وقتاً على مستوى التنفيذ. ولفت إلى وجود كميات كبيرة من النفط العائم، الروسي والإيراني والفنزويلي، المعروفة بـ"أسطول الظل"، تنتظر تحسن ظروف التسويق والدخول إلى الموانئ.
وبين الريامي أن الزيادات الحقيقية في الإنتاج جاءت من خارج تحالف "أوبك+"، لا سيما من دول الأميركتين وأميركا الشمالية والبرازيل والنرويج، وهو ما أسهم في تفاقم التخمة الحالية. وأشار أيضاً إلى ضعف الطلب من بعض الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمها الصين، نتيجة تراجع النشاط الصناعي والموسمية.
مسار نزولي من جانبه أشار المتخصص في شؤون النفط خالد بودي، إلى أن المسار النزولي لأسعار النفط يرتبط بصورة وثيقة بالتقدم المحتمل نحو اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن هذا السيناريو قد يخصم ما يقارب خمسة دولارات من سعر البرميل، وهو ما بدأت السوق في تسعيره بالفعل.
وأوضح أن الأسعار مرشحة لمزيد من التراجع مع بداية العام المقبل، في ظل استمرار التخمة وغياب محفزات نمو اقتصادي عالمي قوية، لافتاً إلى أن علاوة الأخطار الجيوسياسية تراجعت إلى أدنى مستوياتها، عند دولار واحد أو أقل، مع هدوء التوترات في مناطق رئيسة.
وأكد أن استمرار التباطؤ الاقتصادي العالمي، إلى جانب الحروب التجارية وضعف الاستثمارات، سيبقي الطلب تحت الضغط، ما لم يطرأ تحسن اقتصادي فعلي يعيد التوازن إلى سوق الطاقة العالمية.
اندبندنت عربية
|