سيرياستيبس
المشهد الاستثماري في السعودية يقدم فرصاً واعدة في قطاع السياحة والضيافة، لا سيما وأنه أسهم بنحو 444.3 مليار ريال (118.43 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنسبة 11.5 في المئة من الاقتصاد الوطني، كما يظهر النمو في قطاع الضيافة بالارتفاع المستمر في أعداد الزوار الدوليين، حيث سجل عدد الوافدين إلى السعودية نحو 30 مليون زائر في عام 2024، مقارنة بـ27.4 مليون زائر في 2023، وفق إحصاءات رسمية، وهو ما يؤكد جهود الرياض الرامية إلى استقطاب 70 مليون زائر دولي سنوياً بحلول عام 2030.
اقتحمت المرأة السعودية مجال السياحة والضيافة في السنوات الأخيرة ليس بحثاً عن فرص عمل فقط، بل والتنافس على أدوار قيادية في قطاعات واعدة عرفتها البلاد أخيراً، وقدمت تأثيرات ملموسة للمساهمة في ابتكار حلول اقتصادية تعزز من نمو قطاع السياحة والضيافة في الناتج الإجمالي للسعودية.
وأخيراً استضافت العاصمة السعودية الرياض فعاليات "قمة مستقبل الضيافة في السعودية" بمشاركة أكثر من 1400 مشارك من قادة القطاع وصناع القرار والمستثمرين من داخل السعودية وخارجها، وممثلين عن المنظمات العالمية المتخصصة في مجال السياحة والضيافة، لا سيما وأن "قمة مستقبل الضيافة" انطلقت للمرة الأولى بالشراكة مع الأمانة العامة لمجموعة الـ20 في السعودية عام 2020.
الرئيسة التنفيذية للحوكمة في شركة البحر الأحمر العالمية مريم فيكتشيلو، والتي جاءت في قائمة أكثر 50 امرأة تأثيراً في السعودية لعام 2021 أشارت إلى ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 35.4 في المئة في 2024، متجاوزةً التوقعات الأولية، لافتة إلى الفرص القيادية المتاحة اليوم للمرأة السعودية، على رغم أنه لا تزال هناك تحديات تتطلب مزيداً من العمل، مؤكدة أن الشركة تواصل "الاستثمار في برامج قيادية متخصصة، مثل مبادرات تطوير القيادات النسائية، والتدريب المهني، وبرامج الخريجين المتميزين، لتمكين مزيد من النساء السعوديات من تحقيق طموحاتهن المهنية والمساهمة في ازدهار قطاع الضيافة".
وأوضحت فيكتشيلو أن "رؤية 2030 أحدثت تحولاً جوهرياً في تمكين المرأة، الأمر الذي أتاح للشابات السعوديات فرصاً غير مسبوقة في قطاع الضيافة، الذي يشهد نمواً متسارعاً ويوفر مجالات واعدة للتطور المهني"، مشيرة إلى توسع مشاركة المرأة في أدوار كانت يهيمن عليها الرجال عالمياً مثل الأمن والإطفاء والإنقاذ، إلى جانب مناصب قيادية في قطاع الضيافة، وصولاً إلى مواقع صنع القرار.
وحققت الغرف الفندقية في السعودية إيرادات كبيرة بلغت 5.6 مليار دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بنسبة زيادة قدرها 3.5 في المئة عن عام 2023 وارتفاعاً بنسبة 26.5 في المئة عن 2019، بحسب شركة (STR) المتخصصة في بيانات وتحليلات قطاع الضيافة.
وعن تجربتها لتمكين المرأة في قطاع الضيافة قالت الرئيسة التنفيذية للحوكمة في شركة البحر الأحمر العالمية "تحقيق الشمولية في قطاع الضيافة يتطلب التزاماً فعلياً يمتد عبر جميع المستويات، وهو ما نضعه في صميم استراتيجيتنا للموارد البشرية، إذ نحرص على اعتماد سياسات توظيف محايدة، ونعمل على تنويع آليات استقطاب الكفاءات لتعزيز حضور المرأة في القطاع، كما نلتزم بضمان تكافؤ الفرص في الأجور والتطور الوظيفي، عبر برامج متخصصة في التدريب والتوجيه والقيادة، ومن خلال التأكيد على القيم الجوهرية لمساهمة المرأة، يمكننا إرساء بيئة عمل داعمة تُحفّز التغيير وتُعزز مسارات النمو المهني".
وأكدت فيكتشيلو، أن "الإرشاد كان عنصراً محورياً في تطوري المهني، لذا أنصح كل شابة بالبحث عن مرشدين يلهمونها أو سبق أن تعلمت منهم، والتواصل معهم بانتظام، فالمرشدون يشكلون مصدراً قيّماً للأفكار والتوجيه، ويساعدون في إيجاد حلول فعالة للتحديات"، مشيرة إلى أن شركة البحر الأحمر العالمية توفر "مبادرات مصممة خصيصاً لدعم الكفاءات السعودية، من خلال إتاحة الفرصة للتواصل مع زميلات أكثر خبرة وتعزيز تبادل المعرفة، مما يسهم في تمكين القيادات النسائية وصقل مهاراتهن".
ولم يكن النمو في قطاع الضيافة نتيجة لبرامج الحج والعمرة والتي تتركز في مكة والمدينة، إذ أظهرت بيانات نمواً ملحوظاً في معدلات الإشغال ومتوسط الأسعار اليومية خلال عام 2024 في مدينة الرياض، التي جاءت في المقام الأول وسط توقعات بمواصلة هذا الاتجاه التصاعدي خلال العام الحالي 2025 وما بعده، إذ ارتفع متوسط السعر اليومي بنسبة 16 في المئة مقارنة بعام 2023 فيما سجلت المدينة التي حلت ثانية زيادة بنسبة 5 في المئة فقط.
من جهتها، ترى مسؤولة التسويق والاتصال لدى شركة "طيبة للاستثمارات" مشاعل النصيان، أن "المرأة تتولى أدواراً قيادية بارزة في قطاع الضيافة السعودي، الأمر الذي يعكس إمكاناتها الكبيرة وقدرتها على إحداث تأثير ملموس، ويعزز القطاع بيئة شاملة تتيح تكافؤ الفرص، ويمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من النمو والازدهار للقيادات النسائية، ومع استمرار تطور هذا المشهد، تبرز أهمية النماذج القيادية الملهمة والمبادرات المتخصصة في تطوير المهارات، والتي تسهم في ترسيخ دور المرأة كعنصر أساسي في رسم ملامح مستقبل الضيافة".
وفيما يرى البعض أن استقطاب قطاع الضيافة للمرأة السعودية لا يزال جديداً، تقول النصيان إنه "من أكثر القطاعات تطوراً من حيث استقطاب المرأة وتمكينها من تولي أدوار قيادية، فقد أولت الحكومة السعودية أهمية خاصة لتمكين المرأة، الأمر الذي أدى إلى تحقيق توسع سريع في الفرص المتاحة أمامها، وأثبتت السعوديات كفاءتهن القيادية، بخاصة في هذا القطاع، بفضل الدعم المستمر والتوجيه والاستثمار في التنوع"، مشيرة إلى أن هذا النهج "يشكل ركيزة أساسية في رؤية السعودية لتعزيز اقتصاد أكثر شمولاً وتنوعاً".
وأكدت مسؤولة التسويق والاتصال لدى "طيبة للاستثمارات" أن قطاع الضيافة واعد و"يعزز الابتكار من خلال الإدارة الذكية، ومبادرات الاستدامة، وتكامل التقنيات المتقدمة، ومع هذه التطورات المتسارعة، تنفتح آفاق جديدة لقادة المستقبل، يمكن للمرأة الاستثمار في تطوير مهاراتها ومعرفتها".
المشهد الاستثماري في السعودية يقدم فرصاً واعدة في قطاع السياحة والضيافة، لا سيما وأنه أسهم بنحو 444.3 مليار ريال (118.43 مليار دولار) في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنسبة 11.5 في المئة من الاقتصاد الوطني، كما يظهر النمو في قطاع الضيافة بالارتفاع المستمر في أعداد الزوار الدوليين، حيث سجل عدد الوافدين إلى السعودية نحو 30 مليون زائر في عام 2024، مقارنة بـ27.4 مليون زائر في 2023، وفق إحصاءات رسمية، وهو ما يؤكد جهود الرياض الرامية إلى استقطاب 70 مليون زائر دولي سنوياً بحلول عام 2030.
عضوة مجلس الشورى سارة قاسم كانت أول سعودية تحصل على لقب "مدرب سياحي" في عام 2017، ورئيسة قسم الفنادق في شركة "جيه أل أل"، ترى أن "تمكين المرأة في قطاع الضيافة لا يقتصر على إزالة العوائق فحسب، بل يشمل بناء مسارات مستدامة تتيح للأجيال القادمة تحقيق طموحاتهن المهنية والريادة في هذا المجال"، مؤكدة أن "التقدم الحقيقي يتحقق عندما تتجاوز الشركات مجرد توفير الفرص، لتعمل على ترسيخ بيئة داعمة تحفّز التميز، وتعزز حضور المرأة في مواقع القيادة، بما يسهم في إحداث تأثير ملموس ومستدام."
من جهتها، تنصح خبيرة تطوير المهارات وتحسين المواهب، عبير العامري، الفتيات السعوديات بالاهتمام بالتطوير المستمر لمهاراتهن، لافتة إلى أن بداية القيادة تكون بالاستثمار في الذات، وبناء شبكة علاقات قوية لأن التواصل الفعّال يفتح أبواباً جديدة، كما شددت على أهمية مدرب الحياة أو "اللايف كوتش" في تنمية المهارات والدعم والتوجيه للتعامل الأمثل مع التحديات.
وأكدت العامري أن "عقلية التعلم يجب أن تكون حاضرة عند مواجهة التحديات، مع الثقة في التعبير عن الأفكار"، مشيرة إلى أهمية التكيف مع ظروف العمل في قطاع الضيافة وتجديد الشغف لصناعة فروقات قيادية حقيقية في المجال الوظيفي.
القدرة التنافسية لها دور لا يمكن إنكاره، وهو ما تشير إليه مديرة مشاركة الزملاء في فندق "ماندارين أورينتال الفيصلية" بالرياض، لمى كماخي قائلة "التواصل مع المرشدين وخبراء القطاع يشكل ركيزة أساسية للنساء الطامحات إلى القيادة في قطاع الضيافة، حيث يتيح لهن فرصاً قيّمة للإرشاد والتواصل"، لافتة إلى أهمية بناء فريق عمل متنوع يسهم في تحفيز الابتكار، مع الالتزام بالحزم والريادة في طرح الأفكار.
وأشارت مديرة الإنتاج في شركة "ذا بينش" المنظمة للقمة، تانيا ميلنر إلى احتفاء "قمة المستقبل" بالمواهب الشابة الطموحة التي تسهم في تشكيل ملامح قطاع الضيافة في السعودية، لافتة إلى أن لما القواسمي حصدت جائزة "قائد المستقبل"، كما حصدت نرجس فتح الله، التي تشغل منصب مديرة الإيرادات في برج الساعة في مكة جائزة "القائد المؤثر" لعام 2025.
مع تصاعد القطاع السياحي في السعودية والذي شهد نمواً في أعداد الزوار واستضافة البلاد العديد من الفعاليات والأنشطة العالمية التي تدعم مسار التحول الاقتصادي وتحقيق الرواج السياحي خلال السنوات الماضية، من المتوقع أن تسهم الاستحقاقات الدولية الكبرى مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، ومعرض "إكسبو" 2030، وكأس العالم لكرة القدم 2034 في دفع عجلة النمو في قطاعات السياحة والضيافة والصناعات المرتبطة بها، بما يعزز مكانة الرياض كوجهة رائدة في قطاعات الترفيه والأعمال والسياحة والضيافة.