سيرياستيبس- خاص:
بعد نحو خمس سنوات
ونيف من الحرب، وسياسات الحكومات السابقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، باتت
الأغلبية الساحقة من السوريين تعيش في دائرة الفقر بحديه الأعلى والأدنى، وهذا الأمر
تؤكده دراسات ومسوح إحصائية رسمية وأممية ومستقلة.
وخطورة شيوع الفقر
في المجتمع السوري لا تقف عند تأثيرات ذلك على الحالة المعيشية والاجتماعية والتعليمية
للمواطن السوري، وإنما تتعداها إلى تأثير ذلك على بنية القاعدة الاقتصادية في البلاد،
واهتماماتها وتوجهاتها. وتوضيحاً لهذه النقطة سنناقش هنا مثالاً بسيطاً ويتعلق بتأثير
انتشار الفقر وضعف الدخل للسوريين على مستقبل الصناعة الوطنية وتوجهاتها واهتماماتها
واستثماراتها .
فإذا كان أكثر من
65% من السوريين يعيشون تحت الفقر الأدنى، ويرتفع الرقم ليصل إلى نحو 90% مع إضافة
منتسبي دائرة الفقر بحده الأعلى، فهل سيكون للصناعة السورية فرصة لتسويق منتجاتها في
سوق يعاني من ضعف شديد في دخل أفراده؟ وإذا كان هناك منشآت صناعية تنجح بتسويق منتجاتها
فما هي مواصفات تلك المنتجات وأسعارها؟.
ليس هناك شك في أن
مستوى القوة الشرائية في الأسواق مرتبط بشكل أساسي وجوهري بالإمكانيات المادية المتوفرة
لدى المواطنين، وبالتالي فإن استمرار وضع الدخل الفردي على حاله من الضعف في وقت يستمر
التضخم في الارتفاع معناه أن جزءاً كبيراً من المنشآت الصناعية الوطنية ستكون مضطرة
إلى إنتاج سلع ومواد متوافقة سعرياً مع مستوى الدخول السائدة في البلاد، وهذا سيكون
على حساب الجودة والمواصفات. وتدريجياً ستتحول المنشآت الصناعية إلى إنتاج سلع رديئة
أو بمواصفات أقل جودة لضمان تسويقها داخلياً بحكم سعرها، أو أن الخيار الآخر المتاح
أمام المنشآت الصناعية يتمثل في خفض إنتاجها إلى حدود قد تكون خاسرة أحياناً، حدود
تسمح بتلبية احتياجات الشريحة الاجتماعية القادرة مالياً على دفع ثمن السلع الصناعية،
وبتلبية احتياجات التصدير الذي سيبقى غير فعال طالما أن الحدود البرية لاتزال مغلقة
بعد سيطرة التنظيمات التكفيرية عليها بمساعدة خارجية.
لذلك، فإن العمل
على تحسين الدخل الفردي وضبط تقلبات الأسعار عبر خفض التكاليف وهامش الربح المرتفع،
سيتيح المحافظة على عمل منشآت صناعية عديدة ويمنعها من الانزلاق إلى خيارات الإنتاج
المتوافق مع القوة الشرائية للسوق حالياً، والذي قد يكون على حساب الجودة والمواصفات
والسمعة.. وبالتالي الانهيار التدريجي.
وهذا عمل مشترك،
ليست معنية الحكومة به لوحدها، فالمنشآت والفعاليات الصناعية تتحمل مسؤولية في هذا
الجانب وعليها أن تنفذها بصرامة ودقة، وإلا فإن الصناعة المحلية ستكون معرضة للانحسار
والتقوقع..ولن نقول الانهيار!!.
|