سيرياستيبس :
يواجه زيت الزيتون السوري تحديات جوهرية تتعلق بمدى قدرته على تلبية
المعايير العالمية المعتمدة في الأسواق الدولية، ما يؤثر بشكل مباشر على
فرص تصديره بحرية إلى تلك الأسواق ويضعف قدرته التنافسية أمام الزيوت
الأخرى.
وهذه القضية باتت محل اهتمام متزايد من قبل خبراء الصناعة والجودة في
سورية، خاصة في ظل التغيرات المتسارعة في معايير الجودة العالمية، والتي
تفرض على المنتجين المحليين مواكبة شروط أكثر صرامة والتكيف معها للحفاظ
على جودة المنتج وتنافسيته.
وفي هذا السياق، جاء رد مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية
إيمان صالح على استفسارات صحيفة الثورة ليكشف النقاب عن الجهود المبذولة
لتصنيف زيت الزيتون المحلي، مع تسليط الضوء على أسباب عدم توافق بعض
منتجاته مع المعايير الدولية، عبر مناقشة عدة نقاط أساسية ومُحددة لمستقبل
هذا المنتج الاستراتيجي.
ركائز أساسية
صالح أوضحت أن المواصفة القياسية السورية 182 الخاصة بزيت الزيتون تعتبر من
بين الركائز الأساسية لضمان جودة المنتج السوري، حيث أصدرت للمرة الأولى
عام 1979، وشهدت تحديثات عدة، أهمها في عامي 2000 و2016، بهدف مواكبة
التطورات العالمية في هذا المجال، وأشارت إلى أن هذه المواصفة تستند إلى
معايير دولية محددة مثل المواصفة القياسية الدولية رقم 33 الخاصة بدستور
الغذاء (CODEX) التابع لمنظمتي الأغذية والزراعة (FAO) والصحة العالمية
(WHO) في الأمم المتحدة، وقد أُعدت من قبل لجنة فنية متخصصة تضم ممثلين عن
عدة جهات معنية، منها وزارات الزراعة والصناعة، وغرف التجارة والصناعة،
إضافة إلى الجهات البحثية والأكاديمية.
وبينت أن الإصدار الأخير من المواصفة السورية يستند إلى معايير دولية
وإقليمية متنوعة، أبرزها تلك الصادرة عن المجلس الدولي لزيت الزيتون (IOC)
ودستور الغذاء، بالإضافة إلى المواصفات الإقليمية لدول الاتحاد الأوروبي
ودول الخليج، وأيضاً معايير بعض الدول المجاورة مثل لبنان والأردن ومصر.
تصنيف زيت الزيتون
وبحسب صالح، يعتمد التصنيف السوري لزيت الزيتون بشكل رئيسي، على نسبة
الحموضة الحرة، ويتم تقسيم زيت الزيتون إلى ثلاث درجات رئيسية هي: “بكر
ممتاز”، “بكر نوع أول”، و”بكر عادي”، وأن هذه المعايير تشابه التصنيفات
العالمية كما هو معتمد في دستور الغذاء والمجلس الدولي لزيت الزيتون،
ويتطلب كل تصنيف تحقيق عدة خصائص فيزيائية وكيميائية وحسية لضمان الجودة
المطلوبة.
تباين المواصفات
وذكرت مدير عام هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية أن هناك عدة
عوامل تؤثر في تباين مواصفات زيت الزيتون السوري عن العالمية، وأبرزها
الخصائص الطبيعية للأصناف المزروعة وعوامل المناخ والتربة، ما يؤدي إلى
اختلافات في بعض المؤشرات التي تعتمدها المعايير العالمية، وأوضحت أن سورية
توقفت عن المشاركة في المحافل الدولية للمواصفات خلال فترة الأزمة، ما أدى
إلى عدم تحديث بياناتها وفقاً للمعايير العالمية التي خضعت لتحديثات
مؤخراً، آخرها عام 2022، ويتوقع صدور تحديث جديد لها في عام 2025، وبينت أن
الهيئة تعمل حالياً على مراجعة وتحديث المواصفة السورية بالتزامن مع
العودة التدريجية للمشاركة السورية في المنظمات الدولية.
التباين والمعايير الدولية
وأكدت صالح، أن الفروق بين المعايير السورية والعالمية في الوقت الحالي غير
جوهرية، حيث تتوافق في أغلبها مع المؤشرات العالمية لمستوى الحموضة ونسبة
البيروكسيد، ومع ذلك، يمكن أن تتباين بعض المؤشرات في حال اعتماد المسودة
الحالية لتحديث المواصفة العالمية، مثل بعض قرائن النقاوة والخصائص الحسية،
التي تُبرز الصفات الفريدة لبعض أصناف الزيت السوري.
قياس الجودة
وفي ظل الإمكانيات المحدودة للمختبرات السورية، تضيف صالح، تقتصر عملية
القياس حالياً على مطابقة مواصفات السلامة والنقاوة الأساسية، بينما تتضمن
المواصفات العالمية معايير أكثر شمولاً تصل إلى 27 قرينة لتحديد نقاوة
وجودة الزيت، لافتة إلى أن سورية تحتاج إلى تحديث مختبراتها وأدوات القياس
للوصول إلى معايير تقييم مشابهة لتلك المستخدمة في الدول الأخرى.
مواصفة جديدة
ونوهت صالح، بأن هيئة المواصفات وضعت خطة مبدئية للانتقال التدريجي نحو
المعايير العالمية بحلول عام 2026، إلا أن ذلك يتطلب تعزيز القدرات المحلية
وتحسين البنية التحتية للمختبرات، وكشفت عن إعداد مواصفة جديدة لتنظيم
وتشغيل معاصر الزيتون، ستسهم في تحسين جودة المنتج إذا تم الالتزام بها،
وأشارت إلى أن اللجنة تعمل حالياً على تحديث المواصفة السورية بالتوازي مع
المشاركة عن بعد في لجنة العمل الدولية لجمع بيانات عن معايير الجودة
الجديدة المقترحة.
صعوبات التطبيق والدعم المتاح
وحول مدى صعوبة تطبيق المعايير العالمية على المنتجين السوريين في الوقت
الحالي، قالت صالح: “يواجه المنتجون السوريون تحديات كبيرة في تطبيق
المعايير العالمية، إذ تتطلب تلك المعايير رقابة دقيقة على سلسلة الإنتاج
بدءاً من الزراعة وحتى التوزيع، وللتخفيف من هذه التحديات، تنظم هيئة
المواصفات والمقاييس العربية السورية ورش توعوية بالتعاون مع غرف الصناعة
والتجارة لتوعية المنتجين بأهمية الالتزام بالمواصفات المطلوبة، وضرورة
تطوير المنتج ليتناسب مع متطلبات التصدير”.
أثر المعايير على السوق والأسعار
وبينت صالح أن الالتزام بالمعايير العالمية من المتوقع أن يؤثر إيجاباً على
سعر زيت الزيتون السوري في السوق الدولي، إذ إن الالتزام بمواصفات الجودة
العالية سيعزز من قدرته التنافسية ويحول دون تصنيفه كزيت خام صناعي منخفض
الثمن، ورغم أن ذلك قد ينعكس إيجاباً على سعره دولياً، إلا أن أثره على
الأسعار المحلية قد يكون محدوداً، إذ إن السوق المحلي يعتمد في الغالب على
النوعية المتوسطة.
استعادة مكانته
ختاماً.. تتطلع هيئة المواصفات والمقاييس السورية إلى رفع جودة زيت الزيتون
السوري من خلال تحديث وتطوير المواصفات المعتمدة لهذا المنتج، بما يتماشى
مع المعايير العالمية ويؤهله لمنافسة أقوى في الأسواق الدولية، وتدرك هيئة
المواصفات والمقاييس العربية السورية أن تحسين جودة زيت الزيتون يمثل
تحدياً كبيراً للمنتجين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة ونقص بعض
الموارد، ومع ذلك، تسعى الهيئة لتقديم الدعم والإرشاد الضروريين للمنتجين
والمصدرين، وتفعيل الشراكات مع الجهات المحلية، مثل وزارات الزراعة
والصناعة وغرف التجارة والصناعة، إضافة إلى تعزيز التعاون مع المنظمات
الدولية المعنية مثل المجلس الدولي لزيت الزيتون (IOC) ومنظمة الأغذية
والزراعة (FAO).
ومن خلال هذه الجهود، تأمل الهيئة في ترسيخ اسم زيت الزيتون السوري كمنتج
عالي الجودة، يتميز بمواصفات متوافقة مع الأسواق العالمية، ما يسهم في
زيادة صادراته ويحقق عوائد اقتصادية هامة للبلاد، كما تعمل على تعزيز الوعي
بأهمية الالتزام بالمعايير لدى المنتجين المحليين، وتشجيع البحث والتطوير
في هذا المجال لتحسين أساليب الإنتاج والعصر والتعبئة، وبفضل هذه الجهود
المتضافرة، يُتوقع أن يتمكن زيت الزيتون السوري من استعادة مكانته البارزة
في الأسواق الإقليمية والعالمية، مساهماً في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز
سمعة المنتجات السورية على الساحة الدولية.
الثورة
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=200294