تصوغ ملايين أشجار الحمضيات السورية، مشهداً بديعاً وأخاذاً ومبهراً، على امتداد ما يقرب من أربعين ألف هكتار من الأراضي المروية في ساحلنا.
ويبدو المشهد ساحراً في كل فصول السنة لأشجار دائمة الخضرة، وحين تزهر فكأنها أعشاش فراشات بيضاء، تضوع عطراً عصياً على التقليد، وحين تثمر تظهر كأنها مزينة بكرات برتقالية وصفراء وخضراء تبرز أجمل أشجار الزينة في أرقى الشوارع والأسواق.
وبات هذا المشهد الرائع، البيئي المثالي، نادراً جداً في بلادنا، التي فقدت الكثير والكثير من أشجارها بسبب الحرب الجائرة والحرائق اللئيمة لأن جلها بفعل فاعل أشبه بخائن خيانة عظمى لوطنه.
وهل أطالب بالحفاظ عليها وحمايتها لأسباب بيئية، في بلد 58 بالمئة من أراضيه بادية قاحلة، ونسبة كبيرة من جباله غير مشجرة..؟
لا أنفي شرف هذا السبب، ولكنّ هناك دافعاً وطنياً آخر وراء تلك المطالبة ألا وهو الحرص على الإنتاج الكبير من الحمضيات السورية المتميزة بخلوها من الأثر المتبقي الكيميائي الناجم عادة عن الرش بالمبيدات الحشرية، إذ تُكافح أمراض حمضياتنا بالطرق الحيوية الصديقة للبيئة.
إن هذا الإنتاج الكبير الذي يصل في بعض السنوات إلى 1.2 مليون طن وينخفض إلى 840 ألف طن في سنة أُخرى، بسبب «المعاومة» هو ثروة وطنية كبرى، إنه غذاء ممتاز ودواء ناجع يقي من كثير من الأمراض ويعالج بعضها.
كلنا يعرف غنى الحمضيات بالفيتامين «ج» أساس المناعة الممتازة، وأغلبنا يدرك أنها أفضل علاج طبيعي «للكريب» من دون آثار جانبية ضارة.
لكن الدكتورة عروب المصري فاجأتني عندما زرتها في مخبرها بهيئة الطاقة الحيوية في دمشق باكتشافها أن قشور الحمضيات قادرة على إعطائنا في المخبر أدوية فاعلة ضد الأورام الخبيثة «السرطانات»، وهي تشتغل على استخلاص أدوية مضادة للأورام من الحمضيات.
لا أخفي أن الوصول إلى الحقيقة في موضوع حمضياتنا وقلع بعض الفلاحين أشجار بساتينهم، صعب جداً، ولقد أُتيح لي قبل أيام أن أَصل إلى بساتين في طرطوس وأن أحاور بعض مزارعي الحمضيات، وخلصت من الإصغاء إليهم، أنهم لا يربحون بما يتلاءم والجهود والنفقات، لكنهم لا يخسرون بدليل أنهم باقون في أراضيهم، يأكلون منها وينفقون على تعليم أولادهم.. الخ.
لكن المردود الضئيل يغريهم بالتوجه نحو الزراعات الجديدة، مثل الموز والمانغا والأفوكادو والكيوي، ومثل هذه الزراعات قد تكون مربحة في البداية، لكن الإقبال الكثيف عليها سيقود إلى انخفاض أسعارها، استناداً إلى قانون العرض والطلب، ومن أهم ضحاياه إنتاجهم من الحمضيات.
يقدر مدير السورية للتجارة أن السوريين يستهلكون 250 ألف طن من إنتاج يقدر بثمانمئة وخمسين ألف طن.
بمعنى أن فائض الحمضيات السنوي 600 ألف طن «وهناك من يقدر الفائض بأربعمئة ألف طن» ونظرياً هذا صحيح أما عملياً فإن المستهلك لا يستفيد، بالمنطق لو أن هناك فعلاً هذا الفائض لكان يجب أن يباع البرتقال وهو يشكل، «62بالمئة من الحمضيات السورية بالقروش»..!
إليكم الحقيقة: يبيع المزارع البرتقال أبو صرة في الحقل بسعر يتراوح بين 2500 ليرة و4000 ليرة سورية والموسم في بداياته ويشتري المستهلك هذا البرتقال بأسعار تتراوح بين 8500 ل.س و10000 ل.س.
وأكد لي مزارع أنه باع كيلوغرام الكلمنتينا بـ1800 ليرة في حين يباع في الأسواق السورية بـ6500 ليرة وهناك من يتذرع بارتفاع أجور النقل، لكن الشاحنة تنقل عشرة آلاف كيلوغرام بأجر مليوني ليرة ما يرتب على كل كيلوغرام 200 ليرة سورية فقط لا غير!!
هناك كثر يربحون في سياق البيع وأهمهم بائع المفرق، «الخضرجي» أو البسطة على الرصيف، وأرباحهم فاحشة تنغص على الفلاحين حياتهم وتحرم المواطنين من غذاء مفيد ودواء ناجع بسبب الغلاء.
والحل: لقد طرحناه مراراً وهو تحديد حد أدنى لسعر الحمضيات يتضمن تكاليف الإنتاج زائداً 10بالمئة كأرباح.
بهذه الطريقة نحمي المزارعين ونبقي على الأشجار ونوفر للناس غذاء صحياً بأسعار مقبولة.
ترتفع لافتات في شوارع باريس كتب عليها: يجب أن تأكلوا 5 قطع من الفواكه والخضراوات يومياً لسلامة صحتكم.
إن إنتاجنا الكبير من الحمضيات يجب أن يتيح لنا أن نتناولها بأسعار رخيصة جداً من دون أن يخسر المنتجون.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=200414