سيرياستيبس :
كحال كل شيء متعلق بالحالة السورية لن يكون النفط استثناءً؛ فسوداوية المشهد لا تقتصر على لون النفط الخام، ولكن على الأمراض القاتلة التي يمكن أن يجلبها، والتي يمكن أن تنتشر حيثما يذهب.
بسبب الحرب واستيلاء فصائل مسلحة على أغلبية الحقول في شمال شرق البلاد، مما أدى إلى التعامل مع عمليات الاستخراج والتوزيع بأكثر الطرق بدائية. حيث كان يتم تسييل النفط على مساحات واسعة ومتفرقة وأغرقت حفر كثيرة في أماكن مختلفة، بقصد ضخه في صهاريج ومستوعبات لنقله وبيعه.
الأمر الذي أدى إلى وصول مستويات التلوث البيئي لحدوده العظمى، وخاصة في دير الزور. حيث تم اللجوء لاستخدام الطرق البدائية، بغرض تحويل النفط الخام إلى مشتقات وبيعه للمستهلك لأغراض التدفئة ووسائل النقل .
بيد أن إسالة النفط الخام على التربة السطحية قبل معالجته، يؤدي إلى تحرير العديد من الغازات منها: الميثان والإيثان والبروبان والبيوتان، وكذلك العديد من الغازات العطرية متعددة الحلقات، التي تسبب حدوث سرطانات الجهاز التنفسي.
إضافة إلى انطلاق غاز كبريت الهيدروجين شديد السمية، والذي يؤدي استنشاقه إلى اضطرابات تنفسية وفقدان الوعي، ومع التعرض الكثيف له يمكن أن تحدث الوفاة خلال بضع دقائق.
ما يزيد الأمر خطورة المياه المرافقة للنفط التي تحوي نسباً عالية من الأملاح المنحلة الحاوية على عناصر مشعة والتي تترسب على سطح التربة.
وبسبب الجهل والجشع والفساد الإداري، يتم التخلص من هذا الماء بسكبه على الأرض أو تجميعه في برك صغيرة، ما أسهم في تلويث التربة والمياه الجوفية.
إن وجود مواد مشعة في مستخرجات آبار النفط أمر معروف عالمياً، إلا أن نسبة تركزها في بعض الحقول في سوريا عالية جداً، إلى درجة أن هيئة الطاقة الذرية السورية، اعتبرت أن مستوى الإشعاعات في هذه الحقول، تجاوز الحد المقبول بمئات الأضعاف. فالماء الملوث يجب أن يُعاد ضخه في الأعماق، وفق المعايير العالمية.
ومع إجراء اختبارات من الهيئة، بمساعدة خبراء محليين وأجانب، تبين أن استخدام الماء المستخرج من بئر نفط، يحتوي على مواد مشعة بنسبة كافية لقتل الناس. حيث أن بعض الحقول في دير الزور، مليئة أيضاً بالمواد المشعة القاتلة التي ينتقل بعضها في الهواء، وبعضها باللمس المباشر للماء أو التربة أو الأدوات والمعدات.
حتى أن الدراسات أشارت كذلك إلى أن المضخات والأنابيب، التي تنقل هذه المياه تتلوث أيضاً إذ تتراكم الترسبات المشعة عليها. كما أن منظومة السرقات المنظمة التي طالت الأدوات ساهمت بتوسيع دائرة الخطر وتهديد الحياة. فسارقو النفط تعرضوا إلى إشعاعات، والذين سرقوا الأنابيب والمضخات لبيعها في سوق الخردة في مدن وقرى مختلفة تعرضوا أيضاً إلى إشعاعات.
في تحقيق أجرته صحيفة " ذي إندبندنت" البريطانية، مع أطباء محليين، بينت فيه أن نحو 1500 حالة سرطان جديدة تسجل شهريا بالمناطق الواقعة شمالي شرق البلاد، 200 حالة منها على الأقل في القامشلي والباقي في دمشق.
بحسب الصحيفة البريطانية، أدى تدمير مصافي النفط الرسمية وخط الأنابيب إلى المصفاة الرئيسية في حمص، إلى ظهور الآلاف من المصافي المؤقتة، كل منها يقذف النفايات في الأرض، بما في ذلك المعادن الثقيلة المعروفة بأنها مسببات للسرطان مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ. وعليه يمكن تبرير لماذا يرتدي الخبراء المتخصصون في تنقية التربة ببعض حقول النفط، نفس البدلات الواقية المستخدمة في المختبرات النووية.
تنتشر حقول النفط في سوريا بمحافظتَي دير الزور والحسكة، ومنطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص، فضلًا عن بعض النقاط النفطية الصغيرة في محافظة الرقة. كما يُعد حقل العمر أكبر الحقول في محافظة دير الزور، وكان ينتج 80 ألف برميل يوميًا قبل عام 2011.
ورغم أن منطقة شمال شرق سوريا هي منطقة الثراء النفطي، لكن ولأكثر من عقد من الزمن حرم المواطن السوري من خيرات تلك البقعة الجغرافية، بسبب تنازع الفصائل المسلحة، التي انتهكت كل معايير السلامة البيئية وخاطرت بأرواح الناس.
وحتى على مستوى التوقعات التي أشارت لأهمية الموقع الجغرافي لسوريا كطريق عبور لأنابيب نقل الغاز، لا يبدو أن هذا الأمر واضح أو قابل للتحقيق. حيث يجمع العديد من الخبراء أن تفجير أنبوب نورد ستريم الروسي ، وتوجه الشركات العالمية لنقل الغاز عبر الناقلات، رسخا توجهاً جديداً لتقليل مخاطر الموقع الجغرافي الثابت الذي يجعله عرضة للاستهداف في منطقة لم تشهد مراحل استقرار إلا بفترات قصيرةالمصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=136&id=200623