قهر السوريين واعتمد اسلوب التدجين
عندما اعتقد حزب البعث أنه الوحيد القادر على قيادة الأمة إلى الأبد ...






كتب الدكتور دريد درغام - الاستاذ الجامعي وحاكم مصرف سورية السابق 

كيف تم قهر السوريين؟
بعد فترة ضئيلة من الانفصال عام 1961، استلم السلطة مجموعات من الضباط المستجدين الذين قلدوا من سبقهم في فن الانقلابات ولكن تميز مختلف الانقلابيين بنقص الرؤية والخبرة في بناء الدولة المؤسساتية. ورغم النوايا المعلنة في تحقيق العدالة والاشتراكية، إلا أن العشوائية غلبت على إجراءاتهم. فأصبح المدرس والمحامي ممن لا خبرة لديه مديراً عاماً ووزيراً، وفوجئ من لديه شهادة كفاءة أو ثانوية بأنه على رأس شعبة أو مديرية. ومع استبعاد الكفاءات السابقة انخرط الجميع في تلمس إرادة القائد "الملهم" بدلاً من رسم طريق الازدهار والأمان للأجيال القادمة. ونسي هؤلاء البعثيون أهمية مواجهة أي قائد بحقيقة أن رجل الدولة يبني لمجد الوطن وليس لمجده الشخصي.
تجاهل البعث أن الحياة متغير أبدي وأن "الشعب من حقه انتخاب وتجريب حكومات ببرامج عمل تختلف حسب الظروف". أصر البعث على أن فكره ونهجه صالح لكل زمان ومكان وأنه الحزب الوحيد القادر على قيادة الأمة إلى "الأبد". واعتقدوا أن تدجين الأجيال عبر منظمة الطلائع فشبيبة الثورة واتحاد طلبة سورية كافٍ لضمان بقاء "نهج الأسد" إلى الأبد. وتناسوا أن مختلف برامج التدجين الفكري في سوريا والمنطقة العربية عموماً لم تنجح في إبقاء أي نهج إلى الأبد.
كان توزيع المناصب يراعي الطائفية والمحاصصة الإقليمية على حساب الكفاءة، وبالتدريج أصبح الولاء أهم بكثير من النزاهة. فتم استنزاف المؤسسات المؤممة وتركز ما يستجد من صناعات وأنشطة في بضعة مدن معروفة على حساب أرياف أصبحت أفقر؛ فأُجبر أهلها على النزوح نحو تكتلات عشوائية حول المدن. وسرعان ما تحول باقي أرياف المحافظات مع التجمعات العشوائية حول المدن إلى "خزانات" بشرية مستعدة لأي مهمة تنقذها من براثن الفقر. مع موجات تصحر متتالية وجفاف المياه الجوفية وبغياب صناعات زراعية ممنهجة وجودة منضبطة وأي قنوات تصدير مستدامة، وجد معظم المزارعين من كل المناطق والطوائف أنهم مغلوبون على أمرهم وأن المساحات التي يملكونها لم تعد تسد رمق أفراد العائلة التي تكاثرت خلال العقود الماضية. 
فكان الحل إما دفع أتاوات أو واسطة من أجل وظيفة مدنية للحصول على "الدوام بأجر" أو التطوع في الجيش أو الأمن للحصول على رواتب أعلى ونفوذ أكبر أو الهجرة إلى الخارج أو الأعمال غير المشروعة (بما فيها العمل مع العصابات المنظمة المرتبطة مع أركان النظام). وتنوع القطاع الخاص في موقفه من البحبوحة المستجدة المزيفة بين مصدّرٍ مستفيدٍ من رخص الطاقة والعمل، ومستفيدٍ من صفقات القطاع العام أو مُفسدٍ فيه.
شرحنا سابقاً أن الفضل في الانتعاش المحدود في سورية في فترة ما بين الاستقلال ووصول البعث إلى السلطة، يعود إلى جهود فردية من القطاع الخاص؛ وليس جهود القطاع العام بحجمه الضئيل آنذاك وحكومات تتغير كل شهرين وتصر على تحرير فلسطين قبل تحرير "الإنسان السوري" من التخلف. أما فترة البعث فتميزت بفجور الهيمنة الأمنية وتورم القطاع العام ونخره بالفساد، فضيعت سورية درب التنمية الحقيقية ثلاث مرات (السبعينات والتسعينات وفي العقد الأول من هذا القرن). فكيف نُسفت الثقة بين الدولة والمواطن بعد 2011؟
https://www.facebook.com/profile.php?id=100076396704997



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=200793

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc