سورية ميدان تزاحم الأولويات الصعبة…خبراء يحددون ملامح الطريق الجديدة
05/02/2025
سيرياستيبس :
يتربع قطاعا الزراعة والصناعة على سلم الأولويات الملحة خلال المرحلة الحالية لإرساء دعائم الاقتصاد الوطني لامتلاكهما نقاط قوة، بدءاً من غنى الجغرافية السورية بهذين المكونين، مروراً بالموارد البشرية ذات الخبرات التاريخية المتراكمة، وصولاً إلى السمعة الجيدة للمنتجات السورية في الأسواق التصديرية.
نقاط القوة التي تطبع عمل هذين القطاعين يعترضها نقاط ضعف تكبل انطلاقتهما ليحتلا دورهما المحوري على رأس الاقتصاد الوطني، وهي معضلات عامة تكبل عمل الاقتصاد السوري عموماً وهذين القطاعين على وجه الخصوص، وهي عجز الموازنة العامة، وضعف إيرادات الدولة، والبنية التحتية المدمرة، وبعض قوانين الاستثمار المنفرة للأوساط الاستثمارية، وعوامل مناخية تلامس المحاصيل الزراعية مباشرة.
وبالرغم من وجود هذه المخاطرة المتمثلة بنقاط الضعف، إلا أنه يمكن إدارتها والتعامل معها _كما يؤكد خبراء الاقتصاد_ ما يعزز الاتجاه نحو الحلول، وبناء اقتصاد قوي ومتنوع يسهم في استقرار سوريا ونموها المستدام، حيث يتطلب التعافي الاقتصادي تكامل أمرين معاً، وهما زيادة دخل الفرد وزيادة الإنتاج، من دون الالتزام بأحدهما بمعزل عن الآخر لتحقيق النتائج المرجوة، وتعزيز استقرار المجتمع، واستثمار نقاط القوة، ومعالجة نقاط الضعف.
إستراتيجية على المستوى الكلي
وأوضحت رئيس قسم الاقتصاد والتخطيط في جامعة اللاذقية الأستاذة الدكتورة رولا غازي إسماعيل في حديثها لصحيفة “الحرية” أنه في كل المجتمعات بناء الاقتصاد أولوية، لأنه بحال كانت نتائج البناء إيجابية ستنعكس على المجتمع بشكل عام، أما إذا كان الاقتصاد سيئاً أو يعمل بوتيرة ضعيفة، أو كان مهمشاً، فالنتائج السلبية ستكون كارثية.
ولبناء أي اقتصاد _كما تشرح إسماعيل_ يجب وضع إستراتيجية اقتصادية على المستوى الكلي ومستوى الاقتصاد القومي، أي هذه الإستراتيجية تشمل كل القطاعات من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها، وضمنها لابد من وضع أهداف اقتصادية، ومحاولة الوصول إليها، بمعنى تحديد ما هو معدل النمو الاقتصادي الذي يجب الوصول إليه؟، ومعدل التشغيل الذي يجب أن يتحقق، ومعدل الاستثمار الذي يجب أن يرتفع، ومعدل البطالة الذي يجب أن ينخفض.
الإستراتيجية تتضمن خطة اقتصادية، وهذه الخطة لابد من أن تحشد لها كل الإمكانات الاقتصادية والموارد المتواجدة خلال فترة زمنية محددة، والموارد تتنوع بين بشرية وتشمل اليد العاملة، والموارد الطبيعية والثروات الموجودة واستغلالها.
بالنسبة للزراعة، من المهم تحديد الزراعات التي سيتم التركيز عليها، والمساحات التي يمكن استغلالها لمعرفة النتيجة التي نصل إليها، وكذلك الأمر بالصناعة، عبر تحديد رأس المال المتوفر ضمن هذه المدة الزمنية، مع معرفة البيئة الموجودة، وتحديد أي قطاع اقتصادي هو صاحب الأولوية، وهذه الأولوية ترتبط بحسب الأهداف الاقتصادية المرجو الوصول لها، أو بحسب الإمكانيات المتوفرة والتي يمكن استغلالها.
و تنحصر الأولوية ضمن الاقتصاد السوري _وفقاً لاسماعيل_ بقطاعي الزراعة والصناعة، أما قطاع الخدمات، لا يمكن التعويل عليه كثيراً في الوقت الحالي، مثل السياحة لأنه وإن كان هناك سياحة، فهي محلية أي من محافظة إلى أخرى ولا تجلب قطعاً أجنبياً، بل هي عبارة عن انتقال عملة بقيم معينة من منطقة إلى أخرى، والحاجة الفعلية حالياً لجذب استثمارات تجلب القطع الأجنبي لخزينة الدولة.
الزراعة والصناعة أولاً
ولماذا التركيز على هذين القطاعين تجيب إسماعيل: إن الزراعة في سوريا تتمتع بمساحات غنية جداً، إضافة إلى وجود عناصر بشرية تعمل بالزراعة، ونحن كسوريين لسنا جدداً على الزراعة، بل كل محافظة تختص بزراعة معينة، ويمكن استغلال سلعة زراعية إستراتيجية لا عادية والعمل على تصديرها، كالشوندر السكري أو القمح حيث يمكن تصديرهما إما خاماً أو تصنيعاً.
أما الصناعة السورية فهي ذات تاريخ عريق حافل بالسمعة الطيبة داخلياً وخارجياً، وتشكل كل حلب ودمشق عصب الصناعة الوطنية، وتمتازان بغناهما بالخبرات المتراكمة والتاريخية، لافتة إلى ضرورة وجود علاقات تشابكية بين القطاعين بحيث يكون هناك مخرجات للزراعة تكون مدخلات للصناعة.
نقاط القوة والضعف
وتحدد إسماعيل نقاط القوة في الاقتصاد السوري، انطلاقاً من الموارد البشرية، حيث معظم البطالة في سوريا هم من الشباب المتعلم، وفي حال توفر فرص حقيقية لهم سيبدعون، والموارد الطبيعية المتوفرة بالاقتصاد السوري، فضلاً عن أن ثقافة الاستثمار في سوريا ليست جديدة.
ومن نقاط الضعف التي ترصدها إسماعيل، عجز الموازنة العامة، وضعف ايرادات الدولة والبنية التحتية المدمرة، موضحة أن المناطق الصناعية في الليرمون والشيخ نجار في حلب وغيرها في المحافظات الأخرى، يمكن الاعتماد عليها وإعادة هيكلتها، لأن تأهيلها سيكون من عوامل جذب المستثمرين محلياً ودولياً، إضافة إلى تحسين بيئة العمل
والبيئة القانونية والتشريعية بما فيها قوانين الاستثمار، وتخفيف عوامل البيروقراطية والفساد التي كانت من أهم عوامل منفرات الاستثمار، والعمل على إلغاء الخوف أو تخفيف الخوف لدى المستثمرين، لأن عدم توفر الاستقرار السياسي يؤدي إلى نفور المستثمرين، ولكن مع تحسن البيئة السياسية، وتحسن الأمن يؤدي إلى جذب المستثمرين بشكل أكبر.
وبينت إسماعيل أنه وخلال المراحل المقبلة بعد تطوير الزراعة والصناعة، يمكن التركيز على السياحة أي القطاع الخدمي التي وجدث أنه يحتل المرتبة الثالثة في سلم الأولويات.
للتكنولوجيا حصتها
بدوره، الباحث الدكتور مجد نعامة شارك إسماعيل ترتيب الأولويات بالنسبة للقطاعات الإستراتيجية الضرورية لبناء الاقتصاد المستدام، مضيفاً إليها قطاعي التكنولوجيا والسياحة وفق حديثه لصحيفة الحرية.
ووجد أيضاً أن نقاط القوة في الزراعة تنبع من تنوع المحاصيل الزراعية (مثل الحمضيات والحبوب)، وتوفر الأراضي الخصبة والمياه، ووجود تاريخ طويل من الزراعة يعكس خبرات متنوعة، في حين حدد نقاط الضعف، بضعف البنية التحتية للري والتسويق، وتأثير التغير المناخي على الإنتاج.
أما حول الصناعة فقد حدد نعامة عومل قوتها من وجود قاعدة صناعية قائمة، خاصة في الصناعات الغذائية والنسيج، وإمكانية الاستفادة من المواد الخام المحلية، في حين أن نقاط الضعف الصناعي تكمن في تدهور المنشآت الصناعية ونقص التكنولوجيا الحديثة والتمويل.
و أفرد نعامة اهتماماً لقطاع التكنولوجيا والخدمات بنقاط قوته التي حددها بوجود طاقات شابة ومتعلمة، وإمكانية تطوير الخدمات الرقمية، أما جوانب ضعفه، تشمل نقص في البنية التحتية التكنولوجية، وعدم كفاية الاستثمارات في البحث والتطوير.
وبالنسبة للسياحة وجد نعامة أن تنوع المعالم السياحية والثقافية والتاريخية، ووجود بنية تحتية مناسبة في بعض المناطق تمثل عوامل جذب، وقوة لهذا القطاع الذي يعاني تدهور الخدمات السياحية، ويحتاج إلى تحسين الأمن والسلامة للزوار.
مقترحات
وأكدت إسماعيل ضرورة أن تكون الصناعات التي يتم التوجه لها هي صناعات تصديرية، وفي حال رفعت العقوبات كاملة عن الاقتصاد السوري، سيسمح بالاستيراد وخاصة المواد الأولية، وسيفتح أسواقاً تصديرية للمنتجات السورية، سواء كانت هذه الأسواق في الدول القريبة أو الأوروبية والتي كانت تحتل أكثر من 66%من صادراتنا إلى الأسواق الأوروبية نتيجة قرب المسافة، ونتيجة توفر النقل البحري الذي يعد أرخص تكاليف النقل للبضائع.
كما اقترحت العمل على إنشاء صناديق استثمار تكون موجهة لصناعة معينة هو بحد ذاته عائد مالي يوفر قدراً أكبر من الأموال والتي من الممكن ضخها في الاستثمارات، كما لابد من عمل النظام المالي المكون من المصارف والأسواق المالية بطريقة تناسب المرحلة بحيث تكون تمويلية.
بينما اقترح نعامة تعزيز الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية، وتحسين البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتوفير التدريب والتأهيل للعمالة، وتشجيع الابتكار وتبني التكنولوجيا الحديثة.
الحرية
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=200931