سيرياستيبس :
يتردد أبو محمد في زراعة أرضه لهذا العام، ليقرر “تضمينها” كمراعٍ أو
للاستثمار. يبين أبو محمد الذي عاش صديقاً لأرضه على مدى عقود: لم تعد
تطعمنا الأرض كما كانت، فموسم الفستق ما زال مخزناً منذ العام الماضي، ولم
نستطع تسويقه، وكذلك موسم الكمون، علماً أن وزنه سينخفض إلى النصف بسبب
(التخزين) وقد أراد التاجر أن يشتريه بأسعار بخسة ولا يوجد له تسويق.
حال أبو محمد المزارع في ريف حماة، المعروف بحبه للأرض، يعني حال المزارعين
الذين منيوا بخسائر فادحة لإنتاجهم من محاصيل متنوعة، سواء بسبب تدني
الأسعار، أو لعدم استجرار محاصيلهم من قبل الجهات المعنية، ناهيك بما تتم
خسارته من تكاليف زراعة وبذار وأسمدة وأجور …إلخ.
عدم تسويق الإنتاج لكثير من الأصناف، يجعل المزارع يتردد ألف مرة للتفكير
بما يمكن زراعته لهذا العام، وهو تخوف مشروع، لأنه يشكل تعب عام كامل وقد
ينتهي علفاً للحيوانات، وهذا ما حدث على مدى سنوات للعديد من المحاصيل.
في ظل هذا الواقع المحبط، نشهد دعوات للنهوض بالقطاع الزراعي ودعم الفلاح
والمطالبة لأصحاب الشأن بتقديم حلول أو اقتراحات، قد تسهم في رفع السوية
الإنتاجية. لكن المطلوب إعادة النظر بالسياسات الزراعية أولاً، بموازاة
تقديم الدعم الكامل والاطمئنان للمزارع أولاً وأخيراً.
المزارع محق في مخاوفه
مدير الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين المهندسة هناء دبلو، تؤكد : أن المزارع محقّ في المخاوف التي تعتريه لأسباب عدة، منها أن
البعض من مزارعي الأقطان ممن سلّموا محاصيلهم لمؤسسة الأقطان في المنطقة
الشرقية لم يتسلّموا إلى الآن أثمانها وكذلك مؤسسة حلج الأقطان رفضت تسلّم
المحاصيل من العديد من المزارعين. مضيفة: إن الاتحاد بدوره خاطب وزارة
الصناعة بعدة كتب دون أن نصل إلى إجابة رسمية.
م. دبلو: المزارع محقّ في مخاوفه ويجب التنسيق مع الجهات المعنية
هذه المشكلة تشمل العديد من المحافظات، تؤكد م. دبلو أن منتجي التبغ في المنطقة الساحلية إلى الآن لم يتسلموا أيضاً أثمان محاصيلهم، وهذا ما يؤدي إلى تخوف الفلاح من البدء من جديد. لذلك يجب التنسيق بين “الزراعة” والجهات المعنية لتوفير المستلزمات اللازمة للإنتاج بعد وضع سياسة زراعية محددة تضمن للفلاح حقوقه أولاً، والعمل على إيجاد الحلول لها بالتنسيق مع الجهات المعنية، علماً أن الاتحاد يتابع كل هموم ومشكلات الفلاح .
نوع من المخاطرة
الإدارة الجديدة تعطي أولوية واهتماماً لموضوع الزراعة، لكن يحتاج الأمر
إلى تطبيق على أرض الواقع، ووفق الخبير التنموي المهندس أكرم عفيف، أنه في
نظرة سريعة على واقع الإنتاج، نجد أن الفلاح خاسر، وبحسبة بسيطة: إذا كانت
تكلفة إنتاج كيلو البطاطا تزيد على ٢٥٠٠ ليرة وتباع بـ ١٥٠٠ ليرة، هذا
يعني وجود مخاطر للتفكير بالزراعة، وكذلك كيلو بذر دوار الشمس يكلف إنتاجه
١٧ ألف ليرة ويباع حاليا بـ ١٣ ألفاً، ناهيك بما تحتاجه الزراعة من محروقات
وأسمدة، علماً أنها شهدت انخفاضاً ملموساً، لكن على أرض الواقع الفلاح لا
يملك السيولة النقدية لشرائها نقداً، هذا عدا عن أجور النقل والأيدي
العاملة.
ويضيف م.عفيف: في الواقع يوجد تخفيض في أسعار الأسمدة والبذار ومستلزمات
الإنتاج، لكن أغلبية المزارعين عاجزون عن شرائها نقداً، فعلى سبيل المثال
طن الأسمدة في المصارف الزراعية يصل إلى نحو ٤٢٠ ألف ليرة بالتقسيط، في
حين يباع في القطاع الخاص بـ ٣٢٠ ألف ليرة، والدفع نقداً، وفي هذه الحالة
يرغب المزارع بالشراء من المصرف لعدم توفر السيولة النقدية، لذلك يعد
الإقدام على زراعة محصول ما نوعاً من المخاطرة غير مضمونة النتائج.
م.عفيف: تمويل المحاصيل بشكل مسبق عبر العمل التعاقدي بأن يتم تحديد سعر جيد للمحصول مسبقاً
من وجهة نظر م. عفيف، إن الشعارات التي أطلقتها وزارة الزراعة جيدة، لكن تحتاج إلى إعادة نظر في السياسات الزراعية.
واقترح تمويل المحاصيل بشكل مسبق حتى يطمئن المزارع، عبر العمل التعاقدي،
فلإنجاح أي مشروع زراعي يجب أن يتم تحديد سعر جيد للمحصول مسبقاً، وتمويل
المحاصيل والتسعير بشكل مجزٍ ومشجع، لأن العشوائية وعدم الوضوح أدّيا إلى
خروج العديد من المحاصيل الاستراتيجية من الإنتاج كما حدث مع محصول القمح
للعام الماضي، ما أدى إلى خسائر للمنتجين، وبقيت مساحات كبيرة من الأراضي
من دون زراعة.
البيانات المتوفرة مضللة
حتى نرتقي بالقطاع الزراعي ، يجب توخي أمور عدة، أولها لابد من تقييم السياسات الزراعية السابقة والبناء عليها، وكذلك التركيز على نقاط الضعف وتعديلها أو العمل على تقويتها.
د. برهوم: تقييم السياسات الزراعية السابقة والبناء عليها.. والتركيز على نقاط الضعف وتعديلها أو العمل على تقويتها
ووفق د. سائر برهوم الأستاذ في كلية الزراعة -جامعة دمشق (دراسات جدوى)،
من المهم أن نعيد تقييم البيانات والإحصائيات وآليات العمل والكوادر، لأن
البيانات المتوفرة أغلبيتها مضللة ومشوهة، لذلك من الضروري توفير بيانات
دقيقة، كونها تعكس الواقع ونستطيع من خلالها أن نبني قرارات رشيدة وواقعية
وصحيحة.
ويؤكد على أهمية إعادة جمع بنك معلوماتي بكل تفاصيله وفق معايير محددة،
بموازاة العمل على اختيار موارد تتسم بالتنمية المستدامة، وأن تكون لدينا
أهداف واضحة لتحقيق ما نريد نحن وليس فئة معينة أو لإثبات الذات كما حدث في
(سنوات القمح)، وأن تكون الأهداف منسجمة مع قدراتنا ومواردنا، والتركيز
على موضوع الكوادر وإعادة النظر بالكفاءات والخبرات التي يمتلكونها
واستثمارها بالشكل الصحيح.
على أساس الجدوى
كما أنه لابد من النظر إلى أهمية دراسة المشروعات على أساس الجدوى، من خلال
استخدام المؤشرات المناسبة التي تخدم الهدف والبعد عن القرارات العشوائية
وفهم الواقع بالشكل الصحيح، ويختم د.برهوم بأنه من الموجع أن سوريا في
التسعينيات كان لديها احتياطي قمح لـ ١٥سنة، وكذلك القطن وغيرها من
المحاصيل المهمة التي كنا نتباهى بها، والتي لا بد من العمل لإحيائها، من
خلال وضع خارطة زراعية صحيحة للقطاع الزراعي وتحديد كل منطقة زراعية ما
يناسبها من زراعة محاصيل، وأن تكون مصلحة البلد فوق كل اعتبار.
الحرية