هل يتجه النفط للتوازن وسط قرار "أوبك+" رفع الإنتاج؟
07/05/2025




سيرياستيبس :
كتب الاعلامي غالب درويش :

أثارت خطوة تحالف "أوبك+"، بتسريع وتيرة عودة الإنتاج المتوقف إلى السوق المخاوف من وفرة المعروض في سوق تعاني من توقعات طلب غير مؤكدة، بفعل التأثيرات المتوقعة للحرب التجارية على نمو الاقتصاد العالمي والطلب على الطاقة.

وإلى ذلك أفاد محللون نفطيون لـ"اندبندنت عربية"، بأن قرار "أوبك+" بتسريع وتيرة الإنتاج للشهر الثاني على التوالي يحمل في طياته تداعيات كبيرة على أسواق الطاقة العالمية، وسط مخاوف من هبوط جديد في أسعار الخام.

وأشاروا إلى أن هذه الخطوة تأتي في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية معقدة، تشمل ضعف الطلب العالمي، وتفاقم التوترات التجارية، وتأثير السياسات الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب.
ويري المحللون أن القرار لا يهدف فقط لمعاقبة الأعضاء غير الملتزمين، بل أيضاً لمواجهة إمدادات النفط الصخري الأميركي، لا سيما أن ضخ كميات إضافية في ظل تباطؤ اقتصادي سيضغط على الأسعار حتى تتضح صورة الطلب بشكل أفضل مما قد يؤثر في موازنات الدول النفطية.

ومع اقتراب اجتماع التحالف في يونيو (حزيران) المقبل، يترقب المحللون ما إذا كان "أوبك+" سيتمكن من استعادة التوازن بين العرض والطلب أم ستتجه الأسواق نحو مزيد من التقلبات.

القرار وتداعياته

كان تحالف "أوبك+"، بقيادة السعودية وروسيا، أعلن في الثالث من مايو (أيار) الجاري، زيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يومياً اعتباراً من يونيو، في خطوة تمثل الثالثة في سلسلة زيادات تدريجية بدأت في أبريل (نيسان) الماضي.

تعزيز الإمدادات

ووفقاً لبيان "أوبك+"، فإن الزيادة تهدف إلى تعزيز الإمدادات بما يتماشى مع حاجات السوق، مع التأكيد على إمكانية تعليق الزيادات إذا شهدت الأسواق تقلبات مفاجئة، ومع ذلك، أثار القرار مخاوف من تخمة المعروض، بخاصة مع استمرار ضعف الطلب العالمي، الذي بلغ 102 مليون برميل يومياً في أبريل الماضي، من دون زيادة ملحوظة عن العام السابق، خلافاً لتوقعات سابقة بارتفاع قدره 500 ألف برميل يومياً.

وتتزامن هذه الخطوة مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب سياسات ترمب الاقتصادية التي تتضمن فرض رسوم جمركية.

ويخشى المحللون أن تؤدي الزيادة الجديدة إلى مزيد من الضغوط على الأسعار، مع توقعات بأن يراوح سعر "برنت" ما بين 55 و65 دولاراً وفقاً لتقديرات بنوك الاستثمار الكبرى.

تسارع غير مسبوق

من جهته، قال المدير العام السابق لتسويق النفط والغاز بوزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان، علي الريامي، إن وتيرة زيادة الإنتاج النفطي التي شهدتها السوق أخيراً تختلف عن تلك التي أنجزت في إطار التفاهمات السابقة بين الدول المنتجة.

وأوضح أن القرار الأخير بزيادة الإنتاج بإجمالي بلغ 411 ألف برميل يومياً يعد تحولاً لافتاً مقارنة بالزيادات السابقة التي بلغت نحو 400 ألف برميل، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل تصعيداً ملحوظاً في ضخ الإمدادات.

وأضاف الريامي، "ما شهدناه خلال الشهرين الماضيين، ونتوقع استمراره خلال الشهر المقبل، هو تسارع غير مسبوق في عمليات زيادة الإنتاج، على رغم أن الدول التي بادرت بهذه الخطوة ليست ملزمة بها بموجب الاتفاق الأصلي".

وبيّن أن ثماني دول من خارج الالتزام المباشر بالاتفاق النفطي، بما في ذلك السعودية وروسيا والعراق، تطوعت سابقاً بخفض إضافي في الإنتاج، لكنها اتفقت أخيراً على إعادة تلك الكميات إلى السوق بوتيرة أسرع من المتوقع، ما يعكس دوافع داخلية تدفعها نحو التراجع عن الخفوض.

ولفت الريامي، إلى أن دولاً مثل كازاخستان أظهرت رغبة واضحة في تعزيز إنتاجها، مشيراً إلى تصريحات وزير الطاقة الكازاخستاني التي أكدت أن "أولويات الدولة تأتي قبل الالتزامات المتعلقة بتخفيض الإنتاج".

وختم الريامي بالتأكيد على أن هناك عوامل داخلية تمارس ضغوطاً على صناع القرار في هذه الدول، معتبراً أن بعض المبادرات القائمة تسعى للحفاظ على الحضور في السوق النفطية أكثر من التقيد بالقيود الجماعية.
طريق للاقتراض

وقال المتخصص في الشؤون النفطية، كامل الحرمي، إن الكويت والسعودية بحاجة إلى أن يراوح سعر برميل النفط ما بين 90 و95 دولاراً لتحقيق توازن فعلي في موازناتهما العامة، في حين تحتاج دول مثل العراق وإيران ونيجيريا إلى أكثر من 100 دولار للبرميل لتغطية التزاماتها المالية.

وأضاف أن العجز المالي الحالي يقدر بما بين 30 إلى 40 دولاراً للبرميل، بينما يبلغ سعر النفط في الأسواق حالياً نحو 61 دولاراً، وهو ما لا يكفي لتعويض الكلف أو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في تلك الدول، مؤكداً أن الوضع مرشح لمزيد من التأزم.

وأشار الحرمي إلى أن الصدام الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين لا يزال مستمراً، مضيفاً أن "كل طرف يعتقد أنه الأقوى"، وهو ما يعمق حال عدم اليقين في أسواق الطاقة ويضغط على مستويات الطلب. ولفت إلى أن الطلب العالمي على النفط "ضعيف"، وأن الحكومات باتت تنفق من الاحتياطات من دون وجود إيرادات كافية، وتابع "إذا استمرت الأسعار عند هذا المستوى، فإن الجميع سيتجه نحو الاقتراض، بل قد يصل الأمر إلى ما يشبه التسوّل المالي".

وأوضح أن الأسواق التقليدية في آسيا، مثل الهند وباكستان والصين، لم تعد قادرة على امتصاص كميات إضافية من النفط، في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة بمنافسة الدول النفطية على نفس الأسواق من خلال إنتاج النفط الصخري.

وأشار إلى أن منتجي النفط الصخري يعانون أيضاً في ظل الأسعار الحالية، إذ يحتاجون إلى سعر يراوح ما بين 70 و80 دولاراً للبرميل لضمان جدوى اقتصادية، مشيراً إلى أن "سعر 60 دولاراً لا يشجع على الاستثمار أو التوسع في الإنتاج، بل يقتصر على الإنتاج الحالي من دون ضخ استثمارات جديد".

واختتم الحرمي حديثه محذراً من أن الوضع إذا استمر على ما هو عليه، فإن الشهر المقبل قد يشهد تحركات قوية من الدول المتضررة داخل "أوبك+"، وربما محاولة للتخلص من الدول التي تجاوزت حصصها وأثرت في استقرار السوق.

تباطؤ محتمل

بدوره، يرى الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية"، طارق الرفاعي، أن قرار تحالف "أوبك+" برفع الإنتاج يضع ضغوطاً هبوطية على أسعار النفط، بخاصة مع تباطؤ محتمل في الطلب العالمي وتصاعد الضبابية الاقتصادية.

ويشير إلى أن استقرار الأسعار حول 70 دولاراً للبرميل مرهون بثبات الطلب، محذراً من خطر الهبوط إلى 60 دولاراً أو أقل في حال تراكم المخزونات وتراجعت ثقة السوق.
ولفت الرفاعي إلى الشكوك حول قدرة السوق على استيعاب الزيادة الإنتاجية في ظل تعافٍ اقتصادي عالمي بطيء وغير متوازن، ويتوقع أن يؤدي تراجع الأسعار إلى حذر لدى منتجي النفط الصخري الأميركيين، الذين قد يفضلون توزيع العوائد على التوسع في الحفر، مما قد يخلق توازناً جزئياً مع زيادة إنتاج "أوبك+".

تغيرات جوهرية

فيما أشارت أستاذة الاقتصاد والطاقة، وفاء علي، إلى أن خريطة الطاقة العالمية تشهد تحولات كبيرة مدفوعة باضطراب الإمدادات وعودة الحمائية التجارية، مما يخلق "فوضى اقتصادية" تنذر بتباطؤ عالمي أعمق. وتشير إلى أن محاولات "أوبك+" للحفاظ على الاستقرار واجهت صعوبات بسبب تجاوز بعض الأعضاء لحصصهم الإنتاجية، مما أبقى الأسعار في منطقة رمادية.

وأكدت أن تراجع البيانات الاقتصادية الصينية زاد من قلق "أوبك+" ودفعه لتبني قرارات تعكس فقدان التوافق بين المنتجين، خوفاً من تخمة المعروض وضعف الطلب وأخطار الرسوم الجمركية. وتنتقد سياسات ترمب الاقتصادية، معتبرة أنها تضر بمنتجي النفط الصخري وتتناقض مع واقع الأسعار المنخفضة، محذرة من أنها قد تعقد المشهد الطاقي الأميركي.

وأوضحت أن دول الخليج المنتجة للنفط تواجه ضغوطاً متزايدة على موازناتها في ظل تراجع الأسعار والاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، مشيرة إلى تحول دراماتيكي في الحسابات المالية وتوقعات بوصول الطلب إلى مستويات متدنية.
موجة هبوط

فيما يرى نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول السابق، مدحت يوسف، أن قرار "أوبك+" برفع سقف الإنتاج سيؤدي حتماً إلى موجة هبوط جديدة في أسعار النفط، بخاصة في ظل التراجعات الحادة التي تشهدها الأسواق حالياً.

وأشار إلى أن تداولات المضاربين والمستثمرين في العقود الآجلة والقصيرة الأجل هي التي تحسم تحركات الأسعار، لكن المعطيات الراهنة تدل على استمرار الانخفاض.

وأكد يوسف أن تحقيق استقرار الأسعار يتطلب توازناً دقيقاً بين العرض والطلب، وهو ما يفتقد حالياً بسبب تخمة المعروض الكبير في الأسواق، ويوضح أن كلفة إنتاج النفط الصخري الأميركي المرتفعة ستجعله يبطئ وتيرة إنتاجه بشكل كبير إذا تراجعت الأسعار إلى نحو 50 دولاراً للبرميل.
واستبعد يوسف وجود تفسير اقتصادي لقرار "أوبك+" بزيادة الإنتاج في هذا التوقيت، مرجحاً وجود ضغوط سياسية من قوى كبرى تسعى لهذا التوجه على رغم آثاره السلبية على دول الخليج المنتجة للنفط.

ويحذر يوسف من أن موازنات دول الخليج قد تواجه ضغوطاً كبيرة نتيجة لانخفاض الإيرادات النفطية، مستشهداً بتجربة يونيو 2020 حين هوت الأسعار وأجبرت تلك الدول على تبني سياسات تقشفية صارمة.

تحديات الطلب

ويرى المتخصص الاقتصادي الدكتور وائل الصاوي، أن قرار "أوبك+" بزيادة الإنتاج يمثل محاولة لاستباق تحولات السوق، لكنه ينطوي على أخطار جمة في ظل ضعف الطلب العالمي.
وأشار إلى تباطؤ النمو في الاقتصادات الآسيوية الكبرى وتعميق حال عدم اليقين بفعل السياسات التجارية الأميركية، مما يقلل من قدرة هذه الاقتصادات على استيعاب المعروض الإضافي.

تأثير الأسعار

وقال المستشار المالي محمود عطا إن تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل يشكل تحدياً كبيراً لمنتجي النفط الصخري الأميركي، الذين يعتمدون على أسعار تراوح ما بين 65 و75 دولاراً لتحقيق الربحية.

وأضاف عطا أن الضغوط المالية قد تدفع هذه الشركات إلى تقليص الإنتاج أو إيقاف عمليات الحفر الجديدة، بخاصة إذا استمرت الأسعار عند مستويات منخفضة لفترة طويلة، وتوقع أن يشهد إنتاج النفط الصخري تباطؤاً ملحوظاً خلال النصف الثاني من 2025، مما قد يوفر بعض الدعم للأسعار على المدى الطويل.
اجتماع حاسم

على ذات الصعيد، أشار المستشار الاقتصادي لمجموعة الحملي وشركائه السعودية، حسام الغايش، إلى أن الدول الأعضاء في تحالف "أوبك+"، مثل السعودية وروسيا، تسعى إلى تأديب الأعضاء غير الملتزمين بحصصهم، مثل العراق وكازاخستان، اللذين تجاوزا حصصهما بأكثر من 1.2 مليون برميل يومياً في الربع الأول من 2025.

وأضاف الغايش أن اجتماع يونيو المقبل سيكون حاسماً لتحديد ما إذا كان التحالف سيواصل زيادة الإنتاج أم سيعيد تقييم السياسة في ضوء تطورات السوق، وتوقع أن يظل التركيز على مراقبة الطلب الصيني والتطورات الجيوسياسية، بما في ذلك احتمال عودة النفط الإيراني إذا جرى التوصل إلى اتفاق نووي.
تحديات مالية

وقال مستشار الأسواق العالمية محمد مهدي عبد النبي إن تراجع أسعار النفط يضع دول الخليج أمام تحديات مالية كبيرة، إذ تعتمد موازناتها على أسعار تراوح ما بين 85 و100 دولار للبرميل.

وأشار عبد النبي إلى أنه في النهاية يبقى قرار "أوبك+" بزيادة الإنتاج محفوفاً بالأخطار، إذ يهدد بتعميق تراجع الأسعار في ظل ضعف الطلب وتفاقم التوترات التجارية واقتراب اجتماع يونيو المقبل وسط اتجاه الأنظار نحو قدرة التحالف على استعادة التوازن أو مواجهة تحديات جديدة قد تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية.
خفوض واسعة

عقب قرار "أوبك+" الأخير بزيادة الإنتاج، سارعت مؤسسات مالية كبرى مثل "باركليز و"ING" إلى خفض توقعاتها لأسعار خام "برنت" للعامين المقبلين، إذ قلصت "باركليز" توقعاتها بمقدار 4 دولارات لعام 2025 ودولارين لعام 2026، بينما تتوقع "ING" متوسط سعر يبلغ 65 دولاراً هذا العام، بانخفاض عن توقعاتها السابقة.

وأشار محللو "ING" إلى حال عدم اليقين الكبيرة في الطلب بسبب أخطار الرسوم الجمركية، معتبرين أن تغيير سياسة "أوبك+" يضيف مزيداً من الغموض على جانب العرض، ودفع القرار بنكي الاستثمار "غولدمان ساكس" و"مورغان ستانلي" إلى مراجعة توقعاتهما بالخفض لأسعار الخام خلال الفترة المتبقية من العام الحالي والعام المقبل.

ولفت محللو "غولدمان ساكس" إلى أخطار هبوطية كبيرة على الأسعار ناجمة عن "الطاقة الفائضة المرتفعة وأخطار الركود العالية"، على رغم وجود توازن حالي بين العرض والطلب الفوري.
وخفض البنك توقعاته لبرنت بواقع دولارين إلى ثلاثة دولارات للبرميل ليبلغ متوسطه 60 دولاراً لما تبقى من 2025 و56 دولاراً في 2026، وبالمثل، خفض "مورغان ستانلي" تقديراته لـ"برنت" بواقع 5 دولارات ليبلغ 60 دولاراً للربع الثاني و57.5 دولار لبقية العام، متوقعاً نطاقاً سعرياً بين 55 و60 دولاراً للبرميل خلال العام المقبل.

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=136&id=201694

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc