جيمس جيفري: ترمب يصغي لأصدقائه العرب وعليهم إقناعه بأهمية سوريا
07/05/2025




سيرياستيبس :

من يلتقي السفير الأميركي السابق جيمس جيفري وجهاً لوجه، سرعان ما يدرك أن الفارق ضئيل بين أسلوبه في اللقاءات الخاصة وحديثه أمام وسائل الإعلام، فالرجل الثمانيني الذي خدم مع جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترمب معروف بصراحته ولغته المباشرة. التقيته للمرة الأولى في صيف عام 2023 خلال محاضرة مغلقة قدّمها في "معهد واشنطن"، حيث كنت الأجنبي الوحيد في غرفة تعج بأميركيين يعملون في شؤون الشرق الأوسط. جلست في آخر الطاولة المستديرة لكن قبالته تماماً، مما جعلني عرضة لسؤال مباغت منه عن انطباعي أو فهمي لما طرحه. أجبته ولا أعلم إن كنت مقنعاً، لكنَّ ما أدركته في تلك اللحظة أن جيمس جيفري يحب أن يصغي له الآخرون، وكأي دبلوماسي مخضرم يحرص على وصول صوته، وهذه الأيام ثمة رجل بعينه يود جيفري أن ينصت إلى توصياته وهو دونالد ترمب.
عمل جيمس جيفري مبعوثاً خاصاً للرئيس ترمب إلى سوريا بين عامي 2018 و2020، واليوم لا يشغل منصباً في إدارته الثانية، لكنه يحرص بشدة على أن يُستمع إلى نصائحه حول الوضع الجديد في الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا التي يعتبرها الآن القضية الأولى في المنطقة، أي أهم من البرنامج النووي الإيراني والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وعندما تواصلت معه لإجراء مقابلة تركز على سوريا الجديدة وهمومها وتطلعاتها في محيط ملتهب، لم يتأخر في الرد بقبول الحوار الذي حرص فيه على توجيه رسائل للإدارة الجمهورية وحلفائها الإقليميين، ومفادها ضرورة الأخذ بيد سوريا نحو المستقبل حتى لا تعود للماضي أو أسوأ منه.ترمب يصغي لأصدقائه العرب"

في حديثه مع "اندبندنت عربية"، أكد جيفري أنه يؤمن بأن الحلفاء العرب لواشنطن، مثل السعودية وقطر، يدركون حساسية اللحظة التاريخية، لكن التحدي الحقيقي كما يرى يكمن في إقناع ترمب نفسه بأن سوريا تستحق موقعاً متقدماً في أجندة أولوياته المتضخمة.

وقال السفير السابق إن "دونالد ترمب يصغي جيداً إلى أصدقائه العرب، وسيستمع إليهم في شأن سوريا إذا جعلوها أولوية قصوى على جدول الأعمال، أما إذا جاءت سوريا في المرتبة الخامسة أو السادسة فلن تحظى بأي اهتمام منه"، مشيداً بالإعلان السعودي - القطري المشترك بسداد ديون سوريا لدى البنك الدولي.
وأضاف في المقابلة التي أجريت ضمن برنامج "حوارات أميركية"، "العرب يلعبون دوراً بالغ الأهمية، وأحثهم على استغلال نفوذهم الكبير لدفع إدارة ترمب نحو التركيز على سوريا"، مسترسلاً أن "الدول الإقليمية كانت عنصراً حاسماً في إستراتيجية إدارة ترمب الأولى، إذ عملنا مع مجموعة مصغرة على ملف سوريا ضمت مصر والسعودية والأردن، وتمكنا من الحفاظ على قدر كاف من الوحدة.، لكن الإماراتيين غيروا موقفهم وحاولوا التقارب مع الأسد، ليس حباً فيه بل اعتقاداً منهم أن ذلك قد يقنعه بطرد الإيرانيين، لكننا اختلفنا معهم في هذا التقدير وبالطبع لم يتحقق ما كانوا يأملونه".
لحظة بأهمية حرب 73 وتحرير الكويت"

في مايو (أيار) 2023، عادت سوريا للجامعة العربية وحضر بشار الأسد وكانت المطالب العربية واضحة وفي مقدمها كبح النفوذ الإيراني والسماح للاجئين بالعودة من دون استهدافهم، ويقول جيفري إن الأسد لم ينفذ تلك المطالب ولم يتخذ أي إجراء ضد الإيرانيين، واستمر في سياساته الوحشية ضد شعبه مما قاد إلى سقوطه في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وهذا السقوط لم يكن مجرد نهاية للنظام بل يعتبره السفير السابق "هزيمة لإيران وانتصاراً للشرق الأوسط".

لو كنت أمام ترمب اليوم فماذا ستقول له في شأن سوريا؟
يجيب جيفري: "سأقول له إن الشرق الأوسط تمكن من هزيمة إيران بفضل القوة الأميركية والإسرائيلية والتركية والعربية على مدى عام ونصف العام الماضيين، بعدما كانت التهديد الأكبر للأمن على مدى 20 عاماً مضت، وأنت في لحظة شبيهة بما أعقب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 أو تحرير الكويت عام 1991، ويمكنك تشكيل الشرق الأوسط بطريقة توفر السلام والازدهار لشعوب المنطقة والأمن للعالم بأسره، بما في ذلك أمن الولايات المتحدة، فلا مزيد من الإرهاب ولا من الأسلحة النووية ولا من تدفقات اللاجئين، لكن عليك اغتنام الفرصة ومواصلة العمل على دمج إسرائيل والعرب، وهذا يشمل تحركا في شأن القضية الفلسطينية وضمان بقاء سوريا موحدة وقوية، وتوحيد موقف المجتمع الدولي تجاه دمشق".

الدور التركي لن يكون تهديداً للعرب
منذ صعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم في سوريا، برز الدور التركي بسبب رهانها الباكر عليه، وقد ذهب ترمب إلى أبعد من ذلك عندما وصف رجب طيب أردوغان بـ "الذكي لاستيلائه على سوريا"، وهو تصريح يعمق بعض المخاوف العربية من أن نفوذ إيران في سوريا ولّى، لكنها الآن تحت رحمة لاعب إقليمي جديد، وأن الرئيس الأميركي بتلك التصريحات قد يشجع مزيداً من النفوذ التركي.
لكن جيفري الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا بين عامي 2008 و2010 يرد على تلك المخاوف بنبرة مطمئنة، مشيراً إلى أن "تركيا طرف إقليمي مؤثر لكن ينبغي التعامل معها بواقعية، وانا أعرف تركيا جيداً وأفهم أن هناك دوماً مخاوف في العالم العربي من النفوذ التركي في المنطقة، لكنني لا أرى أن تركيا ستكون بديلاً عن إيران، فتركيا تركز بشكل رئيس على أوروبا، سواء من حيث الثقافة أو الروابط الاقتصادية".

وعرّج السفير السابق على هواجس تركيا الأمنية على حدودها الشمالية والشرقية، مثل القوقاز والبحر الأسود والبلقان، والتي يراها أسباباً كافية لعدم اعتقاده بأن أنقرة تمثل تهديداً في سوريا يشابه التهديد الذي شكلته إيران من الناحية الإيديولوجية والدينية والعسكرية في المنطقة.
رسالة ترمب الصارمة عام 2018

قاد الحديث عن تركيا جيفري إلى الدفاع عن سجل إدارة ترمب الأولى التي عمل فيها مبعوثاً خاصاً لسوريا، فعلى رغم أن ترمب ينسب الفضل في سقوط الأسد إلى تركيا، فإن جيفري يرى أنه "كان على الرئيس أن يمنح نفسه مزيداً من الفضل"، لأن السياسات التي اتبعتها إدارته الأولى أسهمت بصورة كبيرة في النهاية التي آل إليها نظام الأسد، مشيراً إلى أن واشنطن تبنت مبدأ "استقلالية القرار السوري".

وسرد جيفري أبرز سياسات ترمب الحاسمة آنذاك، وذكر أن الرئيس الأميركي وجّه في سبتمبر (أيلول) 2018 رسالة صارمة للأسد وروسيا وإيران منعت هجوماً وشيكاً على إدلب، وتلتها لاحقا مكالمة مباشرة بين وزير الخارجية مايك بومبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
واعتبر السفير السابق موقف ترمب آنذاك نقطة تحول، إذ أظهر جديته في منع سقوط إدلب، لافتاً إلى أن إدارته قررت حينها إرسال مساعدات إلى إدلب دعماً للنازحين، وقال إن "ترمب منع سقوط إدلب وكان مسؤولاً عن الإبقاء على القوات الأميركية وبناء تحالف واسع لمواصلة الضغط على الأسد، وهذه السياسات وإن كانت اُستكملت بحماسة أقل في عهد إدارة بايدن، إلا أنها أسهمت في سقوط الأسد".

"عقوباتنا قد تدفع الشرع نحو اللجوء لإيران"

أسهم جيفري في صياغة حزمة العقوبات على نظام الأسد ومنها "قانون قيصر"، لكنه اليوم يدعو إلى إلغائها بأسرع وقت، بل ويحذر من أن استمرارها قد يقود الشرع الذي قاتل إيران في الماضي إلى التحالف معها، على حد قوله، موضحاً أن "العقوبات لم تفرض لإيذاء الحكومة السورية بحد ذاتها، بل لمعاقبة الأسد ودفع النظام البعثي القديم نحو إصلاحات تفضي إلى نشوء سوريا جديدة".
وقال السفير الأميركي السابق إن "لدينا بالفعل سوريا جديدة الآن، والمفارقة أنها تواجه ضغوطاً هائلة بسبب العقوبات، وأخشى أنه إذا لم يتمكن الشرع من الحصول على دعم الغرب والدول العربية والولايات المتحدة والمنظمات الدولية بسبب التبعات القانونية لهذه العقوبات، فقد يلجأ الشرع إلى إيران، ليس حباً فيها فقد قاتلها لأعوام، ولكن لعدم وجود أي خيار آخر، وهذا هو الخطر الحقيقي".
ويُبدي جيفري معارضته سحب القوات الأميركية من سوريا، مؤكداً أن الدولة الوحيدة التي تدفع باتجاه هذا الانسحاب هي إيران، وفي ضوء التقارير الأخيرة عن تقليص عدد الجنود الأميركيين قال، "كثيراً ما حرص الرئيس ترمب على مراجعة انتشار القوات الأميركية حول العالم وكان مترددا في شأن إبقاء قواتنا في سوريا خلال عامي 2018 و2019، ومرتين اتخذ قراراً بالانسحاب لكنه اقتنع في النهاية بأن هذا الوجود يخدم أهدافاً إستراتيجية، منها احتواء ما بقي من تنظيم 'داعش' في البادية وشمال شرق سوريا، إضافة إلى منع تقدم قوات النظام والإيرانيين والروس".
ويضيف، "لكن الوضع تغير، فالهدف الثاني، وهو صد تقدم تلك القوات، لم يعد قائماً، أما المهمة الأساس الباقية وهي مكافحة تنظيم 'داعش' فلا تزال قائمة، ونحن نعيش في حال من عدم اليقين، لكن التقليص المحدود للقوات لن يؤثر في سير المهمة، وخلال الوقت الراهن لا توجد دولة، باستثناء إيران، ترغب في انسحاب القوات الأميركية، لا تركيا ولا إسرائيل ولا حتى روسيا، فهذه القوات تمثل عامل استقرار في سوريا، والجميع لا يريد عودة الفوضى وعلينا أن نتذكر ما مرّت به المنطقة خلال الـ 14 عاماً الماضية".

ماذا يريد ترمب من الشرع؟

وحتى الآن لا تبدو واشنطن متحمسة لملء الفراغ الذي خلفه انحسار الدورين الروسي والإيراني، ويقر جيفري بأهمية أن تعزز إدارة ترمب انخراطها في الشأن السوري، لكنه يشير إلى أنها أوضحت موقفها عبر مجموعة المطالب التي قدمتها لحكومة الشرع، وقال "لا أرى أن هناك فراغاً كاملاً، فهناك سياسة قائمة على مطالب واضحة، لكنها تقترب من الفراغ السياسي في قضية بهذه الأهمية".

وأوضح الدبلوماسي السابق بأن إدارة ترمب لم تتجاهل الرئيس الشرع، فقد أجرت اتصالات عدة معه ومع فريقه خلال اجتماعات دولية مختلفة، كما قدمت الولايات المتحدة قائمة من الأسئلة والقضايا المعقولة التي ترغب في معالجتها مع الحكومة الجديدة، بما يفتح المجال أمام توسيع الاستثناءات من العقوبات الحالية، وربما في نهاية المطاف رفع العقوبات، وقال "لا أعتقد أن هناك طلباً مباشراً للشرع بالاعتراف بإسرائيل، لكن ما تطلبه الولايات المتحدة كما استنتجتُ هو أن تدعم حكومة الشرع الجهود الرامية لمنع سوريا من أن تعود منصة تهديد للمنطقة، وذلك عبر الإسهام في محاربة تنظيم 'داعش' والتخلص من الجهاديين الأجانب الذين يحتلون مناصب نافذة داخل 'هيئة تحرير الشام' وجهازها البيروقراطي".
وأشار جيفري إلى أن "المطالب تشمل تحديد مواقع الأسلحة الكيماوية والعثور على الأميركيين المفقودين، وأعتقد أننا نتلقى بالفعل بعض المساعدة في هذا الجانب، ودمج 'قوات سوريا الديمقراطية' ذات الخلفية الكردية في الدولة السورية بطريقة لا تهدد تركيا، وعدم السماح لإيران أو 'حزب الله' بالعودة واستخدام الأراضي السورية لتهديد إسرائيل أو غيرها من الدول، إضافة إلى عدم مهاجمة أو إساءة معاملة الأقليات".

لماذا لم تحسم واشنطن موقفها من سوريا؟

ما يشعر جيفري بالأسف حياله ويعده خطأَ فادحاً هو "غياب قنوات تواصل طبيعة ومستمرة لمناقشة توقيت وآلية تنفيذ المطالب الأميركية، ويصف ذلك بأنه تردد من جانب الولايات المتحدة في التواصل النشط مع الحكومة السورية، ويعزو هذا التردد إلى "تباين الآراء داخل الحكومة الأميركية، فبعضهم يرى أن الشرع لا يمكن الوثوق به أبداً بسبب خلفيته وصلاته السابقة بتنظيم 'القاعدة'، في حين يريد آخرون إعطاءه فرصة مستندين إلى سجله خلال العقد الماضي، وأنا تابعت بنفسي الوضع عن كثب في إدلب حين كنت مبعوثاً لسوريا، ولم نلاحظ أي دلائل على أنه لا يزال ملتزماً بالنهج الإرهابي".
ويتجلى انعدام الثقة بالشرع بوضوح في أوساط مكافحة الإرهاب داخل الحكومة الأميركية، مما يجعل هذه المرحلة بمثابة اختبار له ولحكومته، وهو اختبار يتعلق بماضيه ومستقبله، وما إذا سيكون قادراً على مقاومة العناصر الإرهابية.

وحتى تُحسم هذه المسألة يقول جيفري "سنشهد فراغاً نسبياً وإن بدأت الأمور تتغير تدرجياً، فإسرائيل التي تعتبر من العوامل المؤثرة في دوائر مكافحة الإرهاب، غيرت موقفها بصورة طفيفة خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتقى الإسرائيليون مع الأتراك في باكو لتقليل التصادمات العسكرية بين القوات العسكرية الإسرائيلية والتركية في سوريا، كما أن رئيس الوزراء نتنياهو سيتوجه إلى أذربيجان، مما يشكّل تحالفاً بين إسرائيل وسوريا وتركيا وأذربيجان لصد النفوذ الإيراني".
ويحذّر جيفري من تجاهل سوريا قائلاً إنها "القضية الأهم في الشرق الأوسط حالياً، حتى بالمقارنة مع الملف النووي الإيراني أو مع أحداث غزة، فسوريا هي مركز الأحداث اليوم، وإذا بقيت موحدة ومستقرة واستمر المجتمع الدولي داعماً لها، فلن تتمكن إيران من استعادة نفوذها ولن يستعيد تنظيم 'داعش' قدراته، وستتوقف الفظائع التي شهدناها خلال الـ 20 عاماً الماضية في المنطقة، وسنكون أمام بداية جديدة لكنها مشروطة بالنجاح في سوريا".

هل يخشى الشرع الاغتيال؟

يثير وجود المقاتلين الأجانب في سوريا، ولا سيما أولئك الذين يشغلون مراكز قيادية في الجيش، قلقاً متزايداً لدى السوريين، وفي هذا السياق يحذر جيفري من تداعيات وجود مقاتلين من أقلية الإيغور، وهو ما قد يدفع الصين إلى لعب دور أكثر حسماً في الملف السوري، فباعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، تملك بكين أدوات مؤثرة مثل حق النقض الذي قد تستخدمه إما لكبح العقوبات عن دمشق أو لتعطيل مبادرات الدعم الدولي.

وإضافة إلى جانب نفوذها السياسي، يقول جيفري إن "الصين شريك اقتصادي وتجاري رئيس في منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها التأثير في الدول التي لديها علاقات عميقة معها مثل الإمارات والسعودية وقطر، ويمكن للصين مساعدة سوريا مباشرة أو إلحاق الأذى بها، لذا فهذا أمر مهم، وبكل الأحوال تجب إزالة هؤلاء المقاتلين من مواقعهم".

ويستغرب جيفري قائلاً "لماذا يقود المقاتلون الأجانب القوات في سوريا؟ إنهم ليسوا سوريين، وقد أوضحنا مع الأتراك أن المنطق نفسه ينطبق على المقاتلين غير السوريين في المستويات العليا في 'قوات سوريا الديمقراطية' أو 'وحدات حماية الشعب الكردية' أو 'حزب العمال الكردستاني' فكلهم يجب أن يغادروا".
وعما إذا كان خوف الشرع من الاغتيال هو ما يجعله متردداً في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، قال السفير الأميركي السابق "هناك كثر يريدون إبعاده، فهو هدية لسوريا بقدراته العسكرية وحكمته حتى الآن في التعامل مع وضع صعب للغاية، وانظر كيف تعامل مع اشتباكات اللاذقية، فكما تعلم بدأ ذلك بهجوم إرهابي على قواته من قبل البعثيين الباقين، وتطور إلى ردود انتقامية من الجيش السوري وقوات غير نظامية طاولت المدنيين في المناطق العلوية في سوريا، لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ أوقف الشرع التصعيد وحاول مد الجسور ولم تتكرر الحادثة، وهذا النوع من السلوك كما تعرف نادراً ما نراه في الشرق الأوسط، فعادة نشهد حادثة مشابهة ثم ننتظر أسبوعاً لنرى تصعيداً أكبر ثم أكبر ثم أكبر، وكلنا عايشنا هذا النمط في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى".
وشارك جيفري ثلاث استراتيجيات لمنع الجماعات الإرهابية من استغلال مرحلة الانتقال الجارية في سوريا، ويأتي توحيد الموقف الدولي في مقدمها، ويبدي تفاؤله حيال ذلك "نظراً إلى أن الدول العربية وتركيا وأوروبا، إضافة إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تتبنى مقاربة منفتحة تجاه حكومة الشرع، في حين لم تحسم الولايات المتحدة موقفها بعد وكذلك إسرائيل، ولا سيما بعد بسط سيطرتها على مناطق قريبة من الجولان".

أما الإستراتيجية الثانية فتقوم على التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة لمعالجة الهواجس الأمنية لدى كل طرف، تركيا ومخاوفها من "حزب العمال الكردستاني"، وإسرائيل والأردن وقلقهما من الوجود الإيراني و"حزب الله"، إضافة إلى مصدر القلق المشترك لدى الجميع وهو عودة "داعش"، بينما تتمثل الإستراتيجية الثالثة في دعم الاقتصاد السوري والإسهام في إعادة إعماره، وهو ما يعتبره جيفري درساً بالغ الأهمية استخلصه من تجارب المنطقة خلال الأعوام الـ 14 الماضية، بما فيها من إخفاقات وفرص.

العلاقة بين سوريا والعراق

وفي حديث جيفري عن العراق تفاؤل لافت، فهو يبدي إعجابه بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ويقول إنه أثبت بأنه "عراقي وطني حقيقي عبر احتواء مختلف الأطياف العراقية وليس فقط الغالبية الشيعية، إضافة إلى تقليص اعتماد العراق على إيران في مجال الطاقة، وبالتالي تقليص النفوذ السياسي الإيراني"، مضيفاً أن "السوداني يسعى إلى توطيد علاقات بلاده الاقتصادية مع الدول العربية وإبقاء القوات الأميركية في البلاد بعد عام 2026، ليس فقط في إطار مكافحة تنظيم 'داعش' بل لتحقيق نوع من التوازن الإقليمي".
وقال جيفري الذي عمل سفيراً لدى العراق بين عامي 2010 و 2012، إن التغيير السياسي في دمشق يتيح للسوداني فرصة إستراتيجية جديدة، ففي نظره لم يعد العراق محاطاً بإيران شرقاً وحليف تابع لها غرباً، بل بات بإمكانه بناء علاقة متوازنة مع سوريا، وقد لمس جيفري خطوات فعلية في هذا الاتجاه، مثل دعوة الحكومة السورية إلى القمة العربية في بغداد، وهو ما يتعارض مع النهج الإيراني ويعزز أسباب تفاؤله.
ترمب والتهدئة الإقليمية مع إيران

انتقلنا إلى التهدئة الإقليمية الجارية مع إيران وزيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران الشهر الماضي، فقال جيفري إن ما يحدث لا يتجاوز حدود "الدبلوماسية الطبيعية ولا يوجد ما يستدعي مزيداً من التحليل، فالسعوديون والإيرانيون أعضاء في 'أوبك' ولديهما مصالح نفطية مشتركة، ومن المنطقي أن يكون للسعوديين قناة تواصل مباشرة أو غير مباشرة مع الإيرانيين من طريق العراقيين، لإبلاغهم موقفهم".

وعن موقف الرئيس الأميركي من المصالحة، أعرب جيفري عن اعتقاده بأنه لن يقوضها لعلمه بأنها لا تمثل تحولاً جذرياً في المشهد الإقليمي، موضحاً أن "كثيرين يميلون إلى الاعتقاد بأن كل تقارب دبلوماسي يشبه زيارة نيكسون إلى الصين وقلبه موازين الحرب الباردة، لكن هذا ليس ما يحدث هنا"، وذكر أن ترمب نفسه يحاول التوصل إلى اتفاق مع إيران وسيتطلع لدعم السعوديين من خلال علاقاتهم مع إيران، واصفاً ذلك بأنه "أمر إيجابي".
وفي شأن شكل الاتفاق الذي سيدعمه مع إيران، قال السفير السابق إنه يؤيد اتفاقاً مشابها للاتفاق النووي المبرم عام 2015، مع تعديلات تضمن قيوداً دائمة وأكثر صرامة على تخصيب اليورانيوم، إما بوقف التخصيب تماماً أو الإبقاء عليه عند مستويات منخفضة جداً بصورة دائمة، كما شدد على ضرورة أن تقدم إيران توضيحات كاملة حول أبحاثها السابقة في مجال تطوير الأسلحة النووية وأنظمتها الصاروخية المرتبطة بها، وذكّر بأنه كان مسؤولاً عن هذا الملف في البيت الأبيض عام 2007 حين حصلت واشنطن على معلومات أولية بهذا الشأن، مضيفاً أن إسرائيل استحوذت لاحقاً على أرشيف كامل للبرنامج النووي الإيراني، وقال "لا يمكن أن نسمح للإيرانيين بالإفلات من المحاسبة فقد كانوا يخططون لبناء صواريخ برؤوس نووية، وعليهم أن يشرحوا لنا ما فعلوه وأن يضمنوا أن تلك الأنشطة باتت من الماضي".

وعن شائعات عقد لقاء بين الرئيس ترمب والرئيس السوري الشرع على هامش زيارته المرتقبة للرياض، يرى جيفري بأن التواصل المباشر بين واشنطن ودمشق خطوة تصب في مصلحة الولايات المتحدة إذا ما أُحسن توظيفها، مستشهداً بلقاء ترمب القصير مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في العاصمة روما، وكيف "غيّر ديناميكيات الحرب الأوكرانية بالكامل"، على حد قوله.
اندبندنت عربية 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=201696

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc