الرياض تفتح الأبواب وواشنطن تعود إلى الشريك التاريخي
خريطة تعاون اقتصادي ودفاعي وتقني تتجاوز المعهود خلال زيارة ترمب إلى السعودية





تحط طائرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في السعودية معلنة بداية زيارة رسمية هي الزيارة الخارجية الأولى للرئيس الأميركي في ولايته الثانية، في افتتاح جولة شرق أوسطية محورية تبدأ من الرياض لتبرز رغبة من الإدارة الأميركية الجديدة باستعادة ثقلها الإقليمي من بوابة السعودية، بعد سنوات من التراجع والتردد والتناقضات الكبيرة التي رافقت فترة إدارة سلفه جو بايدن.

السعودية اليوم ليست كما كانت، وواشنطن لم تعد كما كانت. هذا واقع لا تغفله المواقف ولا تُخطئه الأعين. فتبدو هذه الزيارة تتجاوز حدود المجاملة، وتتخطى البروتوكول. إنها اختبار متبادل للثقة وللقدرة على التأسيس لعهد مختلف في العلاقات الدولية.
ويدرك الرئيس الأميركي، الذي عاد إلى البيت الأبيض على خلفية استقطاب داخلي غير مسبوق، وانقسام حزبي حاد، أن بوصلته الخارجية تحتاج إلى نقطة ارتكاز، وجدها في الرياض التي أبدت مواقف متزنة في التعامل مع قضايا إقليمية ودولية خلال السنوات الماضية.
وتبرز الرياض بثقلها السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، لا بوصفها حليفاً قديماً، بل بصفتها شريكاً في إدارة الملفات، وصانعاً للمعادلات، وموازناً عقلانياً في لحظة اضطراب.

لا سلام بلا عدالة

تتقدم الحرب في غزة على جدول لقاءات الزيارة، بعدما تحولت من مأساة محلية إلى تحدٍّ عالمي يختبر صدقية الدول وقدرتها على وضع حد للقتل والحصار والتشريد. المجازر الإسرائيلية، التي دخلت شهرها الثامن، أودت بحياة أكثر من 52 ألف فلسطيني، وشردت ما يزيد على 1.9 مليون إنسان.

وبحسب وكالة "رويترز" فإن ترمب ينوي استخدام زيارته الرياض لإطلاق إطار عمل أميركي جديد لإنهاء الحرب، يشمل تشكيل حكومة انتقالية في غزة، وترتيبات أمنية جديدة لما بعد الحرب، بما يفتح المجال لإعادة تفعيل مسار التسوية السياسية، لكن ما لا يغيب عن الإدارة الأميركية هو أن هذا المسار – من وجهة نظر السعودية – له شرط لا يمكن تجاوزه: وقف فوري وشامل لإطلاق النار.

تسريبات متعددة من مصادر خليجية وأميركية أكدت أن المسؤولين الأميركيين يمارسون ضغوطاً هادئة، ولكن مستمرة، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحمله على القبول بوقف دائم لإطلاق النار، وفتح المجال أمام حل سياسي حقيقي، يكون مدخله الواضح هو إنهاء العدوان، وضمان الحقوق الفلسطينية.

في هذا السياق أعلنت السعودية موقفها بوضوح أن السلام مع إسرائيل لا يمكن أن يتحقق ما لم يوقف العدوان، وتحمى حياة المدنيين، وتستأنف خطوات إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وكررت السعودية الموقف في فترات مختلفة ليعكس ثباتاً وانسجاماً بين القيادة والشعب، وبين السيادة والمبدأ.

قمة خليجية - أميركية

في موازاة زيارة ترمب تشهد الرياض حدثاً دبلوماسياً آخر لا يقل أهمية، يتمثل في القمة الخليجية - الأميركية المرتقبة، والتي دعا إليها الملك سلمان بن عبدالعزيز بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وتأتي في ظل تقاطعات دولية وإقليمية متسارعة، تتطلب موقفاً خليجياً موحداً، وقراءة جماعية دقيقة للواقع.

الملفات التي ستطرح على الطاولة عديدة: من أمن الخليج، إلى تطورات الملف الإيراني، مروراً بملف الطاقة، والتحولات الجيوسياسية في المحيط الآسيوي، وليس انتهاءً بمشاريع التعاون الدفاعي والتقني مع الحليف الأميركي.
لكن الأهم في هذه القمة، أنها تعقد في الرياض، وتدار من الرياض، وتقرأ من خلال منظور سعودي ناضج، يعلي من قيمة الحوار، ويؤمن بأن وحدة الصف الخليجي ليست ترفا، بل ضرورة أمنية وسياسية.


الاقتصاد ومنطقة النفوذ الجديدة

بعيداً من السياسة، فإن ملف الاقتصاد يفرض نفسه بقوة على مائدة اللقاءات السعودية - الأميركية، فبحسب مصادر مطلعة، تناقش هذه الزيارة حزمة مشاريع مستقبلية، في مقدمها التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتقنيات العسكرية والطاقة النظيفة والطموح النووي السلمي.

كل ذلك يندرج ضمن إطار "رؤية 2030"، التي لم تعد مجرد خطة تنموية داخلية، بل أصبحت وثيقة استراتيجية تسهم في رسم علاقات السعودية بالعالم، ومن جهة أخرى تحاول واشنطن من خلال هذه الزيارة إعادة التوازن في علاقاتها الاستثمارية، خصوصاً بعدما اتجهت السعودية، ومعها معظم دول الخليج، نحو تنويع الشراكات، وتوسيع دائرة التعاون مع الصين وكوريا الجنوبية والهند.

المسؤولون الأميركيون، كما تؤكد تقارير إعلامية، قلقون من تنامي النفوذ الصيني في الخليج، فالصين التي وقعت اتفاقات بمليارات الدولارات مع عدد من الدول الخليجية، باتت لاعبا اقتصادياً صاعداً في المنطقة، من مشاريع الطاقة والبنية التحتية، إلى الموانئ والتقنيات الرقمية، وهو ما يدفع واشنطن لإعادة صياغة عروضها، وتقديم شراكات أكثر واقعية وأقل شرطية، تستجيب لحاجات المنطقة، لا لإملاءات المركز.

بين الثقة والندية وإعادة تعريف التحالف

في خضم هذه الملفات تبقى المسافة الأخلاقية بين الخطاب والممارسة هي ما يميز الدول وتتجلى من خلال تجنب المواقف الآنية والإصرار على الثبات والرؤية وعدم الانجراف خلف الوعود، وتجنب رهان القرارات لإرضاء طرف أو مسايرة محور.
ويبدو أن الرياض تسعى إلى إعادة تعريف التحالف وفق منطق الندية والشراكة المبنية على المصالح لا التبعية.

ومن خلال متابعة الأداء الذي تبديه الرياض نجد أنها تسعى إلى تحقيق النجاح في إيجاد أمنها قراراً سيادياً، ومن اقتصادها منصة استثمارية عالمية، ومن شبابها محركاً للتغيير.

لا يمكن قراءة هذه الزيارة من دون استحضار السياق العالمي: من الحرب الروسية - الأوكرانية، إلى أزمة الهند وباكستان، مروراً بتقلبات الاقتصاد العالمي، وتحولات سوق الطاقة، في هذا العالم المضطرب، تبحث العواصم عن "مكان آمن للقرار"، وتطرح الرياض نفسها لتكون ذلك المكان ونقطة ارتكاز لصياغة معادلات جديدة في العلاقات الدولية.

وحين يقال إن الرئيس الأميركي يبدأ ولايته الثانية من السعودية فلا يعني ذلك مجاملة دبلوماسية، بل إقراراً بحقيقة جيوسياسية تعبر عن رغبة بفعل كثير من أجل مستقبل زاهر ليس للبلدين فحسب، بل المنطقة والعالم.

اندبندنت عربية



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=201743

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc