هل يصل النفط إلى 150 دولارا في ظل التوترات الجيوسياسية؟
مؤشرات دولية تؤكد وصوله إلى مستويات تاريخية وأزمة طاقة تلوح في الأفق




 

قالت مؤسسة "جي بي مورغان" إن "التصعيد الحالي في الشرق الأوسط قد يعيد سيناريوهات ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 85 دولاراً للبرميل

سيرياستيبس

كتب الاعلامي غالب درويش

على رغم أن التأثير المباشر في صادرات الغاز الإيرانية كان محدوداً، فإن هذه الأحداث زادت من حال عدم اليقين في الأسواق، وأدت إلى إلغاء محادثات نووية إيرانية أميركية، مما فاقم التوتر، وانعكس هذا التصعيد على الأسواق المالية، إذ ارتفع النفط بأكثر من 13 في المئة لفترة وجيزة، وهرع المستثمرون إلى الملاذات الآمنة كالذهب

مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران يبرز التساؤل الأهم في أسواق الطاقة، وهو هل تدفع هذه التطورات أسعار النفط العالمية إلى مستوى 150 دولاراً للبرميل؟ يتوقف الجواب بصورة كبيرة على مصير مضيق هرمز، الشريان الحيوي الذي يمر عبره نحو 30 في المئة من إمدادات النفط العالمية.

شهدت أسعار النفط قفزات حادة أخيراً، إذ سجل خام "برنت" مكاسب بنسبة 5.5 في المئة، ليستقر فوق 76 دولاراً للبرميل، فيما ارتفع خام "غرب تكساس الوسيط" إلى ما يقارب 75 دولاراً، وجاء هذا الارتفاع عقب ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية، أبرزها مجمع "جنوب بارس" للغاز.

وعلى رغم أن التأثير المباشر في صادرات الغاز الإيرانية كان محدوداً، فإن هذه الأحداث زادت من حال عدم اليقين في الأسواق، وأدت إلى إلغاء محادثات نووية إيرانية أميركية، مما فاقم التوتر، وانعكس هذا التصعيد على الأسواق المالية، إذ ارتفع النفط بأكثر من 13 في المئة لفترة وجيزة، وهرع المستثمرون إلى الملاذات الآمنة كالذهب.

مفتاح الـ150 دولاراً

وأفاد محللون بأن ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل سيكون "نتيجة شبه مؤكدة" في حال إغلاق مضيق هرمز، وأضافوا أن السعودية، على رغم امتلاكها بدائل استراتيجية، ستواجه تحديات كبيرة تتعلق باستقرار الأسواق العالمية، وأكدوا أن تأثير إغلاق المضيق سيكون كارثياً، ليس فحسب في دول مثل الكويت وقطر والبحرين التي تعتمد عليه كلياً، بل على الأسواق العالمية بأسرها.

ويرى المحلل في شركة "ريستاد إنرجي" موكيش ساهديف أن "الإغلاق المحتمل لمضيق هرمز من قبل إيران يظل أهم حدث قد يغير قواعد اللعبة بالنسبة إلى أسواق النفط".

من جانبه يؤكد المحلل الأمني رياض قهوجي أن تهديدات طهران بإغلاق هرمز ليست جديدة، وتستخدم "كأداة ضغط"، مشيراً إلى أن دول الخليج، ومنها السعودية والإمارات، اتخذت خطوات استباقية لضمان استمرارية صادراتها بعيداً من المضيق، كإنشاء خطوط أنابيب بديلة.

ويوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي في الجامعة اللبنانية جاسم عجاقة أن مشروع مد خط أنابيب نفط يربط شرق السعودية بغربها، والذي يعود لأصول في الثمانينيات، يكتسب أهمية قصوى في ظل الوضع الجيوسياسي الراهن، محذراً من أن "تصعيداً يتوسع جغرافياً وزمنياً" سيؤثر بصورة كبيرة وملموسة في مضيق هرمز، مما ينذر بـ"تداعيات خطرة لعدم معرفة رد الفعل الإيراني"، وقد يدفع الأسعار للارتفاع بصورة غير مسبوقة، مع زيادة كلف التأمين، وارتفاع أسعار السلع عالمياً.


ويتفق وزير البترول المصري السابق أسامة كمال، مع هذا الطرح، مؤكداً أن "خط أنابيب الشرق - الغرب" السعودي يمثل "العمود الفقري لاستراتيجية البلاد في تأمين صادراتها بعيداً من المضيق"، مما يمنح الرياض "مرونة وقوة تفاوضية أكبر في أسواق الطاقة العالمية".

وأكدت أستاذة الاقتصاد والطاقة وفاء علي أن السعودية والإمارات ستكونان الأقل تضرراً من سيناريو إغلاق هرمز بفضل "شبكة الاحتياطات العالمية" والموانئ البديلة مثل ينبع، لكنها ترى أن "استمرار العمليات العسكرية سيزيد من احتمالات تجاوز أسعار النفط مستوى 100 دولار للبرميل، وسط غياب حلول فورية لتعويض هذه الكميات الكبيرة".

وذهب نائب رئيس هيئة البترول المصرية السابق مدحت يوسف إلى أن إغلاق المضيق لن يكون مجرد أزمة إمدادات، بل "نقطة تحول في أسواق الطاقة العالمية بأكملها"، متوقعاً "عصراً للطاقة الجيوسياسية"، إذ تتصدر الاعتبارات العسكرية مشهد تسعير النفط، وقد ترتفع الأسعار إلى مستويات قياسية يصعب التنبؤ بها.

ولاحظ المستشار المالي محمود عطا أن التوترات انعكست بالفعل على الأسواق، إذ ارتفعت كلفة التأمين على شحنات النفط في المنطقة، ولجأ المستثمرون إلى الملاذات الآمنة، متوقعاً استمرار هذه الموجة إذا اتسع نطاق التصعيد.

المؤسسات المالية

تشارك المؤسسات المالية الكبرى هذه المخاوف، فقد قالت مؤسسة "جي بي مورغان" إن "التصعيد الحالي في الشرق الأوسط قد يعيد سيناريوهات ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 85 دولاراً للبرميل، حال تضررت تدفقات النفط عبر الخليج العربي بصورة مباشرة"، بينما أكدت شركة "غولدمان ساكس" أن "مضيق هرمز سيظل العامل الأكثر حساسية للأسواق، وإذا تم تهديد الإمدادات فعلياً فإن الأسواق ستشهد قفزات سعرية كبيرة قد يصعب احتواؤها".

واقع محتمل

في ظل هذه المعطيات لا يبدو وصول أسعار النفط العالمية إلى 150 دولاراً للبرميل سيناريو مستبعداً على الإطلاق، بل قد يصبح واقعاً في حال تدهور الأوضاع الجيوسياسية بصورة أكبر، فمع امتلاك السعودية لبنية تحتية قوية وبدائل استراتيجية، إلا أنها لن تكون بمنأى عن تداعيات "أزمة طاقة عالمية" محتملة إذا ما أغلق مضيق هرمز أو تعرضت الإمدادات الرئيسة لخلل كبير.

وتبدو الأسواق العالمية هشة للغاية في مواجهة صدمة طاقة بهذا الحجم، مما يضع العالم على أعتاب "عصر الطاقة الجيوسياسية" الذي قد يعيد رسم ملامح الاقتصاد الدولي لعقود مقبلة، فهل نحن مستعدون لتلك القفزة؟

اندبندنت عربية



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=136&id=202078

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc