الاقتصاد الإسرائيلي تحت مطرقة إعادة تشكيل الشرق الأوسط
28/06/2025




من المتوقع أن يكون حجم النمو في البلاد أقل بنحو 5 في المئة خلال الأعوام القليلة المقبلة مقارنة بما كان سيكون عليه لو لم تندلع الحرب


زاد العجز في الموازنة الحكومية إلى أكثر من ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي 

 

سيرياستيبس :

كانت شوارع القدس تضرب بها الأمثال في الزحام والحيوية، لكن الحال تغيرت الآن، إذ يشق صفير صفارات الإنذار سكون المدينة، بينما تضرب الصواريخ الإيرانية درع إسرائيل الدفاعية المعروفة باسم "القبة الحديدية".

ومنذ أن بدأت إيران قصف إسرائيل يصف السكان المحليون أجواء المدينة بأنها باتت أشبه بـ"أجواء كوفيد"، إذ تباطأت وتيرة الحياة اليومية وسط تهديد القصف.

فقد أغلقت المتاجر وأقفلت المدارس، ويعمل كثر من منازلهم للبقاء قرب ملاجئ القنابل.

ويقول تومر دالومي، مهندس يبلغ من العمر 34 سنة ويعيش مع زوجته وطفليه في وسط القدس، لصحيفة "تليغراف"، "الوضع هادئ، والشوارع شبه خالية، ووسائل النقل العامة أقل بكثير من المعتاد". ويضيف "المتاجر والمطاعم خالية تقريباً، باستثناء الأماكن الأساسية. هناك فقط نوافذ زمنية قليلة خلال اليوم يمكن الخروج فيها بأمان على الأرجح".

وبينما يتعامل كثير من السكان المحليين مع الوضع بروح مرنة – إذ يمازح بعضهم بأنهم لم يتمكنوا يوماً من العثور على موقف سيارة في وسط المدينة بهذه السهولة – إلا أن "أجواء كوفيد" هذه، كما تعلم بريطانيا وغيرها من الاقتصادات المتقدمة، لها كلفة باهظة.

ومع تعرض الاقتصاد لضغوط شديدة بسبب العملية العسكرية الواسعة في غزة واحتمال اندلاع حرب مع إيران، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل قادرة مالياً على خوض معركتها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

يقول كبير متخصصي الأسواق الناشئة في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، ليام بيتش، "من المتوقع أن يكون حجم اقتصاد إسرائيل أقل بنحو خمسة في المئة خلال الأعوام القليلة المقبلة مقارنة بما كان سيكون عليه لو لم تندلع الحرب"، مشيراً إلى انخفاض العمالة نتيجة استدعاء قوات الاحتياط وغياب العمال الفلسطينيين من غزة. ويضيف "هذا تأثير كبير إلى حد ما، صحيح أن الاقتصاد الإسرائيلي أظهر قدراً من الصمود، وبعض القطاعات بدأت بالتعافي، لكن التأثير في جانب العرض كان حاداً ويترك أثراً دائماً في الاقتصاد".

فعلى رغم أن الاقتصاد الإسرائيلي عادة ما يسجل نمواً سنوياً لا يقل عن أربعة في المئة، وحقق 6.5 في المئة في العام السابق لهجوم "حماس" في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإنه نما بأقل من واحد في المئة خلال العام الماضي.

كما ارتفعت الإنفاقات الدفاعية بأكثر من 60 في المئة، مما دفع العجز في الموازنة الحكومية إلى أكثر من ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورفع نسبة الدين إلى الناتج إلى ما يقارب 70 في المئة.

وكالات التصنيف الائتماني تتابع الوضع بقلق

وتتابع وكالات التصنيف الائتماني الوضع بقلق، فوكالات "فيتش" و"موديز" و"ستاندرد أند بورز"، جميعها تحتفظ بتصنيفات إسرائيل ضمن الشريحة الأدنى من الدرجة الاستثمارية العليا، لكنها وضعتها تحت "نظرة مستقبلية سلبية".

وجاء في مذكرة حديثة لوكالة "أس أند بي غلوبال" مع بدء الغارات الجوية الإسرائيلية، أن "تصاعد النزاع العسكري قد يضعف الاقتصاد الإسرائيلي ومركزه المالي ومركزه في ميزان المدفوعات بصورة كبيرة". وأضافت الوكالة "هذا التصعيد قد يتسبب في زعزعة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وهرب رؤوس الأموال، وتقلبات في الأسواق المالية وسعر الصرف. وقد يؤدي أيضاً إلى أضرار مادية مباشرة في البنية التحتية، وما يرافق ذلك من أخطار على النمو المالي والمالية العامة".

وقد اضطرت الحكومة بالفعل إلى رفع ضريبة القيمة المضافة وتخطط لتجميد رواتب الموظفين الحكوميين. ومع تصنيف ائتماني أدنى مقارنة بدول أخرى متقدمة، لا تستطيع إسرائيل الاقتراض بالسهولة نفسها، مما يعني أن خفض الإنفاق بات وشيكاً.

بالنسبة إلى أشخاص مثل تومر دالومي، هناك مخاوف من أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري قد تأتي على حساب خدمات حيوية أخرى مثل الصحة والتعليم والنقل.


ويقول دالومي "نحن نفهم الحاجة إلى الأمن، لكن لا يمكن أن يكون ذلك على حساب مستقبل أطفالنا أو رفاهية عائلاتنا. المدارس في حاجة إلى دعم، والمستشفيات مكتظة، والبنية التحتية للنقل متداعية بالفعل".

ويعكس هذا القلق شعوراً متزايداً بين السكان بأن الحرب لا تثقل فقط كاهل الجبهة العسكرية، بل تفرض أيضاً ضغوطاً متزايدة على الحياة اليومية والخدمات الأساسية في الداخل.

ويقول دالومي "لقد بدأنا نشعر بذلك، عليك الانتظار فترات أطول بكثير للحصول على مواعيد مع أطباء متخصصين، قد تنتظر نصف عام لأمر كان يعد بسيطاً قبل عامين أو ثلاثة فقط".

من جهته يقول رئيس مركز الأبحاث الإسرائيلي "مؤسسة شورش"، دان بن ديفيد، للصحيفة، إن الحكومة ستضطر إلى التخلي عن نهجها الشعبوي بسبب الضغوط المالية المتزايدة.

ويضيف "هناك كثير مما سيجب علينا دفع ثمنه في المستقبل، لإعادة بناء الجيش، وإعادة إعمار الشمال والجنوب، وترميم الحياة التي تحطمت". ويتابع "نحن نتحدث عن مبالغ هائلة، لم نواجه مثلها من قبل"، وقال "ولكن هذا ما يجعل من الأسهل أن نقول لمجموعات المصالح: سنوقف الدعم، لقد حان وقت العلاج بالصدمة".

تجنب الإنفاق المفرط قد يكون مهمة صعبة

ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، يرى بعض المتابعين أن الحفاظ على الانضباط المالي وتجنب الإنفاق المفرط قد يكون مهمة صعبة.

ويقول ليام بيتش "كان البنك المركزي من أبرز المنتقدين خطط الحكومة المالية، وصرح بأن بعض الخفوضات المقترحة في الإنفاق لا تقترب حتى من المستوى المطلوب لتجنب اختلالات في الاقتصاد".

لكن يصعب إيصال هذه الرسائل إلى المستثمرين في الأسواق المالية، إذ تشهد سوق الأسهم في تل أبيب (TA-125) ارتفاعاً قياسياً، إذ صعد بأكثر من سبعة في المئة منذ أن بدأت حكومة بنيامين نتنياهو غاراتها الجوية في الـ13 من يونيو (حزيران) الماضي.

كذلك سجل الشيكل مكاسب مقابل الدولار الأميركي، وانخفضت عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات، وبعد أكثر من أسبوع بقليل على بدء الحملة يسود التفاؤل الأجواء.

ولكن بدلاً من القلق في شأن التأثيرات القصيرة المدى على المالية العامة أو الاضطرابات في أنشطة الأعمال اليومية، يركز المتفائلون على الأفق البعيد.

وتقول المديرة التنفيذية لمؤسسة "يو كي إسرائيل برنس"، شيرا غولدبلوم "على رغم عدم وجود بيانات رسمية بعد، أعتقد أن هناك تحولاً ملحوظاً في المزاج العام لدى الإسرائيليين. كثر باتوا أكثر تفاؤلاً بالمستقبل، إلى حد كبير بسبب احتمال أن تخرج إيران من هذا الصراع وقد أصبحت أقل تهديداً استراتيجياً".

وتقول شيرا غولدبلوم إن هناك "طفرة كبيرة" بانتظار إسرائيل في حال نجحت في إحلال السلام في المنطقة واحتواء إيران. وأضاف "الاستثمار الخاص سيكون أكبر بكثير، لأن المنطقة بأكملها ستصبح أكثر أماناً. وإذا انفتحت إيران للاستثمار، فستكون الفرصة أكبر، لأنها دولة ضخمة".

وفي المدى القصير، يرى كاندل أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق الدفاعي قد تزاحم الاستثمارات العامة والخاصة الضرورية في مجالات مثل الطرق والمدارس والمستشفيات، لكنه يشير إلى أن هذا الإنفاق العسكري قد يحقق أيضاً دفعة اقتصادية على المدى الطويل، لا سيما من خلال تعزيز صادرات إسرائيل الدفاعية، التي تعد بالفعل كبيرة.

ومن التعليقات المتداولة في الأوساط الإسرائيلية أنه "بعدما منعت فرنسا عرض الأسلحة الإسرائيلية في معرض باريس للطيران، انتقل المعرض إلى سماء إيران". فقد أظهر الاقتصاد الإسرائيلي مرونة في السابق، ويعود ذلك جزئياً إلى الروح المجتمعية في البلاد. ويقول كاندل "هناك مقولة قديمة في التوراة ’كل شعب إسرائيل مسؤول عن بعضه بعضاً‘، وقد يكون هذا تفسيراً لغياب مؤشرات إلى هجرة العقول من إسرائيل على رغم الحرب".

في الوقت ذاته، لا يزال بعض الجنود في الخطوط الأمامية يبرمون صفقات تجارية من داخل الدبابات، بحسب كاندل.

ماور شلومو، مبرمج يبلغ من العمر 31 سنة، تحدث لوسائل الإعلام عن عودته من جبهة غزة، وخلال عام فقط بنى شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وباعها.

أما تومر دالومي، فيقول للصحيفة "التاريخ يظهر أن المجتمعات تعيد بناء نفسها بعد الحروب، أعتقد أننا سنعود إلى طبيعتنا، هذه هي طبيعتنا كشعب، هذه هي إسرائيل".

اندبندنت عربية


 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=110&id=202175

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc