لماذا تحترق الغابات؟
06/07/2025





سيرياستيبس :

أصبح من الضروري أخيراً تغيير السؤال الذي يدور حول حرائق الغابات المستمرة التي تثير هلعاً في مناطق عدة من العالم، فالسؤال الأكثر غرابة الذي يدور اليوم في أوساط المجتمع العلمي حول هذه الحرائق هو من يحرق غاباتنا؟ بدلاً من لماذا تحترق غاباتنا؟ والإجابة عن هذا السؤال جاءت من خلال كشف مجموعة من العلماء المتخصصين في هذا الشأن عن اسم متورط جديد في هذه الحرائق، وهو طائر من فصيلة الجوارح أطلق عليه العلماء أكثر من اسم، أبرزها "طائر الشر" و"التنين الصغير" و"أبو الخطّاف" وغيرها من الأسماء. أما اسمه الحقيقي فهو الحدأة السوداء، وأصبح هذا الطائر أخيراً يوصف بالعامل الأخطر المتسبب بحرائق الغابات لأنه طائر مفترس يتغذى على الحيوانات والطيور والقوارض الهاربة من لظى النيران.

 
رأي العلم الحديث

يقول العلم الحديث إن أسباب تدمير الغابات متنوعة ومعقدة، لذلك تتطلب حماية الغابات تعاوناً واستثماراً مستدامين. وعلى العالم، وفق مواقع علمية متخصصة عدة، أن يتّبع نهجاً شاملاً لوقف إزالة الغابات. نهج يضع المجتمعات وسبل العيش في صميمه، بدءاً من العمل مع الشركات لبناء سلاسل توريد أخلاقية وتعزيز سياسات الاستدامة، وصولاً إلى تعزيز الاقتصادات الريفية بالتعاون مع مجتمعات الغابات. ويرى كثر في المجتمع العلمي الأوروبي أنه من المهم أن يواصل الناس رفع أصواتهم، مطالبين قادة العالم باتخاذ إجراءات أكثر جرأة وطويلة الأجل للحفاظ على غابات كوكبنا الثمينة سالمة.

إذاً من المسؤول؟

أخيراً، امتدت الحرائق من الأمازون إلى القطب الشمالي، مما يعني أن الغابات تحترق حول العالم وليس في منطقة واحدة لأسباب متعددة وغير متوقعة أحياناً. في إندونيسيا مثلاً، تدمّر الحرائق السنوية، المُعدّة لتطهير الأراضي لزراعة نخيل الزيت، الغابات المطيرة القديمة في كاليمانتان وسومطرة، وحتى الأراضي المتجمدة في سيبيريا وألاسكا أصبحت تعاني حرائق غابات غير مسبوقة. لذلك دق المجتمع العلمي ناقوس الخطر العالمي عام 2021 تحديداً، إذ تساءل كثر عن سبب احتراق الغابات، وهوية المسؤول عن ذلك.

العامل البشري

في الـ16 من أغسطس (آب) عام 2021 نشر موقع "تحالف الغابات المطيرة" (rainforest-alliance) قصة تحت عنوان "لماذا تحترق غاباتنا؟" وأشار إلى أن إزالة الغابات تعني إزالة التنوع البيولوجي. ويرى الموقع أن هناك أسباباً طبيعية وراء كثير من الحرائق أهمها العامل البشري، فعلى مر العصور استخدمت مجتمعات زراعية عدة حول العالم، الحرق المتحكم به بصورة مسؤولة لإدارة أراضيها. ويقول الموقع "تظهر صور الأقمار الاصطناعية حالياً حرائق عبر مساحات شاسعة من الغابات في وسط أفريقيا، لكن الخبراء يشيرون إلى أن هذه الحرائق جزء من دورة حرق تقليدية يديرها المزارعون لتحفيز نمو جديد في السافانا".

أزمة المناخ

على رغم ذلك، ضاعفت أزمة المناخ الحالية من احتمال انتشار حرائق الغابات ودورات الحرق التقليدية، إذ تخرج الأمور عن السيطرة بسرعة كبيرة، ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة والحرارة الشديدة إلى جفاف النظم البيئية لدرجة تجعلها عرضة بشدة لخطر الاحتراق. ومن المثير للقلق أن القطب الشمالي الذي ترتفع درجة حرارته بمعدل أسرع بمرتين عن بقية الكوكب، شهد زيادة هائلة في حرائق الغابات هذا الصيف من شرق سيبيريا إلى ألاسكا وغرينلاند.

ظاهرة الاحتباس الحراري وعوامل أخرى

وفي ظل استمرار قوانين تشجع إزالة الغابات بالحرائق لإنتاج الماشية، وسياسات وصفتها المواقع العلمية بأنها "سياسات محرقة للغابات" ومن بينها مثلاً فكرة فتح الغابات المطيرة للاستغلال التجاري، أعلن العلماء قبل أربعة أعوام أن الجزء الجنوبي الشرقي من الأمازون أصبح منتجاً صافياً للكربون، إذ ينبعث منه كربون أكثر مما يمكنه امتصاصه. وفي هذا السياق أوضح كبير مسؤولي البرامج في "تحالف الغابات المطيرة" نايجل سايزر أن حرائق الغابات المتعمدة في هذه المناطق هي "من أكثر الأمور إيلاماً التي يمكن أن تسببها للنظام البيئي"، فالأشجار رقيقة اللحاء في الغابات المطيرة لا تتمتع بمرونة طبيعية في مواجهة الحرائق، لذا فإن النيران تلتهم كل شيء في طريقها.

أسطورة "أبو الخطّاف"

حتى في أشد فترات ازدهار بعض العلوم المعاصرة، لا يمكننا فصل دور الأسطورة التراثية والشعبية عن الأسباب والعوامل العلمية، والدليل على ذلك هو أسطورة الطائر المسمى "الحدأة السوداء". وتقول الموسوعة العلمية الأوروبية إن طائر الحدأة ويسمى أيضاً "أبو الخطاف" أو "أبو الصلت" هو من الطيور الجارحة عموماً ومن الفصيلة البازية تحديداً. وتضم هذه الفصيلة الشهيرة من الطيور ثلاث فصائل هي الحدآوات والحدآت بيضاء الذيل وحوامات النحل. ووفق "ويكيبيديا" رُصد هذا الطائر وهو يلتقط أخشاباً مشتعلة ويلقي بها في أماكن أخرى، مما يساعد على انتشار النيران.

تنانين صغيرة

وتأكيداً على هذه الأسطورة وفي 10 من يناير (كانون الثاني) عام 2018، كتب بيتر دوكريل في مجلة "ساينس أليرت" (science alert) التي تعنى بإطلاق تحذيرات علمية عاجلة، مقالة مثيرة تحت عنوان "هذه الطيور الجارحة تشعل حرائق الغابات عمداً"، واستهل مقالته بالقول إن "الجو حار جداً في أستراليا حالياً. موجة حر عاتية أحرقت أرقاماً قياسية لدرجات الحرارة، مما ينذر بحرائق غابات مدمرة. وما يزيد الطين بلة أن السلطات مضطرة إلى التعامل مع سلالة قديمة من مشعلي الحرائق وهما الطائران اللذان يشبهان التنانين المصغرة".

طيور النار الجارحة

وتصف دراسة جديدة للمجلة تستند إلى المعارف البيئية التقليدية للسكان الأصليين الأستراليين، سلوكاً غير معروف إلى حد كبير لما يسمى "طيور النار الجارحة"، وهي طيور تنشر النار عمداً باستخدام أعواد مشتعلة في مخالبها ومناقيرها. وتنتشر هذه الطيور المشعلة للحرائق بين ثلاثة أنواع معروفة في الأقل وهي الحدأة السوداء (Milvus migrans) والحدأة الصافرة (Haliastur sphenurus) والصقر البني (Falco berigora).

فريق دولي

ودعت الحاجة الماسة لتحديد خطر هذه الطيور الجارحة في مسألة دقيقة كهذه إلى تشكيل فريق دولي لدراسة الظاهرة. ويوضح الفريق الدولي الذي خصص لهذه المهمة خلال ورقة بحثية نشرت على مواقع علمية من بينها "ساينس أليرت" أنه "على رغم أن حراس الغابات من السكان الأصليين في أستراليا وغيرهم ممن يتعاملون مع حرائق الغابات يأخذون في الاعتبار الأخطار التي تشكلها الطيور الجارحة التي تتسبب في حرائق متحكم بها عبر حواجز الحرائق، فإن التشكيك الرسمي في حقيقة انتشار حرائق الطيور يعوّق التخطيط الفاعل لإدارة المناظر الطبيعية واستعادتها".

لم نكتشف شيئاً

 وقال أحد أعضاء الفريق، وهو الاختصاصي الجغرافي مارك بونتا من جامعة ولاية بنسلفانيا في ألتونا لمجلة "ناشونال جيوغرافيك"، "لم نكتشف نحن العلماء أي شيء، بل إن معظم البيانات التي عملنا عليها هي بيانات تعاونية مع السكان الأصليين الذين عرفوا أن هذه الطيور هي المتسبب الرئيس في كثير من تلك الحرائق منذ ما يقارب 40 ألف عام أو أكثر".
ووفقاً للفريق، تتجمع الجوارح النارية بالمئات على طول جبهات النيران المشتعلة، حيث تطير نحو النيران المشتعلة لالتقاط العصي المشتعلة، وتنقلها لمسافة تصل إلى كيلومتر واحد (0.6 ميل) إلى مناطق لم تحرقها النيران بعد.

تجاوز رجال الإطفاء

وبلغت هذه الطيور درجة من الذكاء تمكنها من تجاوز دور رجال الإطفاء، إذ كتب باحثون أنه "يعتقد بأن هدف هذه الجوارح هو نشر النار إلى مواقع غير محترقة. على سبيل المثال، تنقل النار إلى الجانب البعيد من مجرى مائي أو طريق أو فاصل اصطناعي يصنعه رجال الإطفاء لإخراج الفرائس عبر اللهب أو الدخان". وتعيش الحدأة فوق قمم الأشجار العالية وأعلى البنايات المرتفعة، ودائماً ما تشاهد وهي تحوم فوق الحقول وأعلى البنايات، وتتميز هذه الطيور الذكية بقوة البصر التي تمكّنها من رصد الحيوانات والطيور الصغيرة من ارتفاعات كبيرة.

اندبندنت عربية 



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=199&id=202245

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc