حرائق اللاذقية تملأ رئة البلاد بالكربون .. وتنذر البلاد بمزيد من الجفاف
قرنفلة : صناعة سنتيمتر واحد من تربة الغابة يحتاج ما بين 150 إلى 300 عام




البلاد خسرت 120 ألف هكتار من الغابات الطبيعة منذ عام 2011

 

كثيراً ما تجاهلت الإدارات المتعاقبة في عهد النظام المخلوع تبني حلول علمية لحماية الغابات 


 سيرياستيبس :

أتت الحرائق المستمرة في سوريا التي بدأت في الثالث من الشهر الجاري على أكثر من 15 ألف هكتار مما يعكس حجم الكارثة التي تواجهها سوريا، وأشارت معلومات إلى أن محافظة اللاذقية خسرت 4.35 في المئة من مساحتها بسبب الحرائق في خمسة أيام فحسب، ويبدو أن خسارة مزيد من مساحات الغابات إلى ازدياد مع استمرار الحرائق.

 وخسرت سوريا منذ بدء الثورة عام 2011 ما بين 90 و120 ألف هكتار من الغابات الطبيعية، وتركزت في المحافظات الساحلية وإدلب وحماة وحمص، وباحتساب أن كل هكتار يحوي في المتوسط على 1000 شجرة، فإن سوريا تكون فقدت منذ بداية الحرب ما يقدر بـ105 ملايين شجرة حراجية.

ويشار هنا إلى أن تقرير لوزارة الزراعة السورية عام 2020 تحدثت عن نشوب 2480 حريقاً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة وتسببت في إحراق 2.1 مليون شجرة مثمرة، وبحسب دراسة محلية فإن سوريا تحتاج إلى نحو 1.85 مليون هكتار من الغابات لتحقيق الغطاء الحراجي المستدام بيئياً.

وتبدو سوريا أمام كارثة بيئية حقيقية لن تتوقف آثارها بفقدان الأشجار وإنما التسبب بمزيد من الجفاف والعوز المائي والخلل البيئي، عدا عن الآثار الاقتصادية، بينما لا تزال الحرائق مستمرة في غابات اللاذقية وسط صعوبات في السيطرة عليها بسبب قوة الرياح.

ويعمل الدفاع المدني السوري مسنوداً بفرق من الأردن وقبرص وتركيا ولبنان ليل نهار من دون التمكن من إنهاء الحرائق التي تستمر في التهام أشجار الغابات الأجمل في سوريا.

ونظراً إلى خطورة الوضع فإن الاتحاد الأوروبي أعلن عن تفعيل برنامج الفضاء لدعم جهود الاستجابة المحلية للحرائق المشتعلة في ريف اللاذقية من خلال صور الأقمار الاصطناعية.

مزيد من الجفاف وتراجع الأمطار

المتخصص الزراعي عبدالرحمن قرنفلة، قال في حديث مع "اندبندنت عربية" إن "صناعة سنتيمتر واحد من تربة الغابة يحتاج ما بين 150 إلى 300 عام".

لذلك فإن الكارثة لا تكمن في احتراق الأشجار فقط، التي يمكن أن تجدد ويعاد زراعتها، بل في فقدان مجتمع الغابة بأكمله، إذ يوجد نظام بيئي كامل دمر بفعل الحرائق.

وأشار إلى خطورة تدمير التربة نتيجة الحرارة التراكمية التي تصل إلى عمق 30 سم وبدرجة حرارة تبلغ نحو 1500 مئوية، مما يؤدي إلى تأكسد المعادن والأملاح التي يمكن أن يستفيد منها النبات، واصفاً ما يحدث في غابات اللاذقية بأنه "تدمير لا يمكن للعقل أن يتصوره".

وأضاف أن الآثار الكارثية للحرائق ستنتقل إلى الإنسان، فانخفاض نسبة الأوكسجين الذي تنتجه الغابة يؤدي إلى احتباس الكربون وارتفاع درجات الحرارة، ويؤدي إلى مزيد من الجفاف في بلد يواجه أصلاً كارثة في تراجع معدلات الهطول المطري.

وأوضح في حديثه أن الغابة تشبه "وسادة أو إسفنجة تمتص مياه الأمطار والرطوبة وتحتفظ بها في الجبال"، وبعد احتراق مساحات واسعة من الغابات، ستذهب مياه الأمطار إلى البحر عبر مجاري السيول التي لن تجد عوائق توقفها، مما يعني مزيداً من الجفاف.

وأشار إلى أن للغابة تأثيراً مهماً في التوازن الهيدروجيولوجي، وأن حمايتها تعني حماية طبقات المياه السطحية والجوفية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحياة النباتية وتشكل مورداً مهماً للبشرية.

لا استراتيجيات للتعامل مع الغابات

بين قرنفلة أن التحليل الإحصائي يكشف عن زيادة في عدد الحرائق خلال الآونة الأخيرة، وزيادة في متوسط المساحات المدمرة، وهو ما يشير إلى غياب التقدم في الوقاية من الحرائق، وعدم تحسن تقنيات مكافحة حرائق الغابات.

وأضاف أن غابات سوريا تعاني كونها غير منتجة وغير مخططة ولا تدار بهدف العمل المكثف، مما يدفع النظم الإيكولوجية إلى أشكال نباتية أكثر تدهوراً وقابلة للاحتراق، وفي نهاية المطاف تختفي جميع النباتات، وتنجرف التربة تدريجاً بفعل الأمطار لتظهر الصخور العارية.

وأوضح أن البلاد افتقدت دائماً إلى استراتيجية شاملة للتعامل مع الغابات، ولا تزال حتى الآن بلا رؤية واضحة، ولا يوجد أي مفهوم لربط السكان المحليين بالغابة بصفتهم أصحاب مصلحة، وهؤلاء، بحسب قوله، هم من يجب أن يحموها، لا الخفير الحراجي ولا البندقية.

وأكد أن حماية الغابات ليست شأناً حكومياً فقط، بل مسؤولية مجتمعية بالدرجة الأولى، لأنها تعني حياة كل مواطن، واستمرار الحياة على كوكب الأرض بمعناها الأشمل.

وقال إنه بعد هذه الحرائق، لم يعد ترفاً أن يتمتع المجتمع السوري، خصوصاً الشباب، بالوعي لأهمية الغابات، وضرورة الحفاظ عليها، والتطوع في زراعة الأشجار.

الغابات توفر 50 مهنة

وبينما يبدو من الصعب وضع رقم تقديري لخسائر سوريا نتيجة احتراق الغابات، فإن المؤكد أن الرقم كبير للغاية، وتأثيراته ستظهر تدريجاً مع الوقت، بخاصة في ظل الحاجة إلى إنفاق كبير لمواجهة الآثار التراكمية والعميقة.

والمؤلم هو فقدان الأهمية الاقتصادية للغابات، فهي تتيح الحفاظ على الكائنات الحية، وتعد موطناً لتربية الماشية، ومنجماً لإمكانات وراثية جديدة، ومصدراً لتوليد الطاقة، وتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كيماوية.

وتوفر الغابات نحو 50 مهنة مختلفة، ويعد الخشب أساساً لنحو 50 ألف مشروع من مختلف الأحجام، وتشكل إطاراً مثالياً للترفيه، وتستخدم على نطاق واسع للرعي.

والأهم أنها تنقي الهواء، فالهكتار الواحد من الغابة يمكنه امتصاص من ستة إلى 10 أطنان من الكربون سنوياً، وإطلاق من 12 إلى 20 طناً من الزيوت العطرية الحاملة للأوكسجين.

وتفتح زراعة النباتات الطبية في المساحات المكشوفة بالغابات آفاقاً عديدة للتنمية الريفية والصناعية والسياحية، ويمكن في بعض الحالات أن تكون بديلاً للزراعة التقليدية، بخاصة في التربة الرديئة النوعية.


وأكد قرنفلة أن الوقت حان لإنشاء لجان دائمة للغابات، وإطلاق نظام وطني للمعلومات والاتصال في شأن الغابات، وصياغة أدوات لحمايتها وتطويرها واستغلالها.

وأضاف "من المهم تبني نظام صارم لاستخدام الأراضي بحيث لا يسمح بتحويلها إلى استخدامات أخرى، مثل البناء بعد الحرائق".

وشدد على ضرورة استعادة المناطق المحروقة من خلال التجديد الاصطناعي أو الطبيعي، مع مراعاة خصوصية النظم البيئية، واختيار أنواع مقاومة للحريق يمكن مزجها بأنواع أخرى لتقليل أخطار النيران.

ودعا إلى تعزيز تدابير مكافحة الحرائق، من خلال الاستفادة من تقنيات الاستشعار عن بعد، وتركيب أنظمة لحماية النباتات، إلى جانب تدريب الحراجيين ورفع كفاءاتهم.

المأساة السورية: حطب الغابة في مقابل الدفء

كثيراً ما تجاهلت الإدارات المتعاقبة في عهد النظام المخلوع تبني حلول علمية لحماية الغابات، ومنذ الخمسينيات صدر قرار بمنع رعي الماعز في الأحراج، لا يزال سارياً على رغم أن الرعي المنظم يساعد في الحد من الحرائق.

كذلك لم تنفذ توصيات الخبراء بزراعة الصبار والغار كمصدات نيران، ولم تعتمد خطة حقيقية لحماية الغابات.

وعلى رغم وجود قانون يمنع قطع الأشجار، فإن القطع الجائر استمر، وتسببت بعض الحرائق في الماضي في فتح الطريق أمام المتنفذين لاستثمار الحطب في تجارة الفحم.

يقول مصدر خاص لـ"اندبندنت عربية" إن بعض المساحات المحروقة كانت تحول لاحقاً إلى أراض زراعية، أو يشاد عليها أبنية وفيلات.

ومنذ حرائق 2020 وما بعدها، شهدت البلاد عمليات استيلاء على أراض محروقة قرب التجمعات السكانية، بينما اقتصرت استجابة الجهات المعنية على شق طرق ترابية لإطفاء النيران، وهي الطرق ذاتها التي استخدمت لاحقاً لنقل الحطب الذي لجأ إليه السكان للتدفئة، بعدما كان النظام يوزع 50 لتراً من المازوت سنوياً لا تكفي لأسبوع، وغالباً لا تصل أصلاً، مما أجبر الناس على التحطيب.

وتقدر خسائر سوريا نتيجة هذا التحطيب بعشرات الملايين من الدولارات، ضحت بها الحكومات المتعاقبة في مقابل التهرب من مسؤولياتها في توفير وسائل التدفئة.

لعل حرائق غابات اللاذقية الحالية تمثل فصلاً آخر من المأساة السورية التي أبكت الناس طوال سنوات الحرب، وفيما يشاهد السوريون كيف تحترق "رئة البلاد"، بالكاد يستطيعون استيعاب كارثة الجفاف وقلة الأمطار التي أضعفت أمنهم الغذائي ودفعتهم نحو الفقر والعطش والجوع.

يقول عبدالرحمن قرنفلة "كان هناك تعطيل لكل شيء في السنوات الماضية، ترك كل شيء على حاله من دون أية معالجة حقيقية، نتمنى أن يحمل المستقبل حلولاً تجد من يتبناها".



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=202299

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc