سيرياستيبس : 

تشهد العلاقات الأمريكية الروسية تصعيدًا غير مسبوق، بعد أن أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل غواصتين نوويتين قرب المياه الروسية، في خطوة وصفها بأنها "تحذير ضروري" على خلفية تصريحات وصفتها واشنطن بـ "الاستفزازية والمتهورة" من دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس السابق. هذا القرار تزامن مع تحذيرات متبادلة وتصريحات ملتهبة من موسكو، وسط تراجع الآمال بأي تقدم دبلوماسي قريب، وإصرار الطرفين على مواقفهما المتشددة.

تهديدات ترامب وتحريك الغواصات!

في منشور على منصة "Truth Social"، قال ترامب: "الكلمات لها تبعات. بعض الناس يتحدثون بجنون، وقد آن الأوان للرد بوضوح". وأكد أنه أمر بتحريك غواصتين نوويتين إلى "أماكن مناسبة" قرب روسيا، وقال ترامب، تعليقًا على تهديدات ميدفيديف "أرضًا خطيرة تستدعي الحذر الشديد"، مشيرًا في ذلك إلى روسيا.

القرار الأميركي جاء في أعقاب مهلة حدّدها ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تنتهي في 8 أغسطس/آب الجاري. وقد أعلنت واشنطن أنها سترسل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو لمحاولة فتح نافذة دبلوماسية أخيرة، قبل أن تفرض حزمة عقوبات شاملة على الاقتصاد الروسي، تشمل قطاعي الطاقة والمصارف.

ميدفيديف يُصعّد وبوتين يتمسك بموقفه!.

في المقابل، ردّ ميدفيديف على تهديدات ترامب بتصريحات اعتُبرت الأكثر تصعيدًا منذ أشهر، قائلاً: "روسيا ليست إيران، وليست إسرائيل. من يلعب بالنار ستحترق يده أولًا". وأضاف في منشور نُشر عبر تليغرام أن "المواجهة الآن لم تعد مع أوكرانيا فقط، بل مع من يحرّكها".

الرئيس فلاديمير بوتين التزم نبرة أكثر حذرًا، لكن دون أي إشارة إلى التراجع. فخلال لقاء عسكري، قال إن "الحوار مُمكن، لكن ليس بالشروط الأمريكية، بل وفق الوقائع الميدانية"، مؤكدًا أن "زخم المعارك في شرق أوكرانيا يسير في مصلحة روسيا"، في إشارة إلى العمليات الجارية حول مدينة تشاسيف يار، رغم نفي كييف فقدانها للسيطرة الكاملة هناك.

بين الرمزية والردع..

الخطوة الأمريكية قوبلت بتحفظات من بعض مراكز الدراسات الغربية. فقد علّق هانس كريستنسن، مدير قسم المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين، على التحرك قائلًا: "الغواصات النووية الأمريكية متمركزة أصلًا ضمن منظومة الردع، وما قام به ترامب هو إعلان رمزي أكثر منه تحرك عملياتي".

بدوره، وصف داريل كيمبال، رئيس جمعية مراقبة الأسلحة، تصريحات ترامب بأنها "غير مسؤولة"، معربًا عن قلقه من أن يتحول التلاعب بالكلمات إلى تفلتٍ في الحسابات العسكرية. وأضاف: "منصات التواصل ليست مكانًا مناسبًا لإرسال رسائل نووية".

أما في موسكو، فرأى أندريه كورتونوف، المدير السابق لمجلس العلاقات الدولية، أن ترامب يسعى إلى "إظهار الحزم أمام الداخل الأميركي"، معتبرًا أن "الانتخابات المقبلة تلعب دورًا في هذا التصعيد الظاهري"، لكنه لم يستبعد في حديث لقناة روسيا 24 أن "واشنطن وموسكو تخوضان مفاوضات خلف الكواليس لا يتم الكشف عنها".

أثر اقتصادي متوقع وتصاعد المخاوف الأوروبية

على الصعيد الاقتصادي، أظهر مسح أجرته وكالة رويترز أن الروبل الروسي مرشح للانخفاض بنسبة 20% خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، إذا ما تم تفعيل العقوبات الأمريكية الجديدة. ووفق التقديرات، قد يصل سعر صرف الدولار إلى أكثر من 100 روبل، مقارنةً بنحو 82 حاليًا. يُذكر أن البنك المركزي الروسي كان قد خفّض سعر الفائدة الأسبوع الماضي، لكن هذه التوقعات دفعت بعض المحللين للقول إن البنك قد يضطر إلى تجميد دورة التيسير النقدي مؤقتًا.

في بروكسل، دعا مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى "ضبط النفس وتجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة"، في حين شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على "ضرورة استمرار المساعي الدبلوماسية مهما بلغ التصعيد".

سيناريوهات الأيام المقبلة
كل الأنظار تتجه إلى تاريخ 8 أغسطس/آب 2025، حيث ستنتهي المهلة التي حددتها واشنطن لموسكو. وفق مراقبين، فإن فشل زيارة المبعوث الأمريكي، أو تعنّت موسكو، قد يؤدي إلى واحدة من ثلاثة سيناريوهات:

- فرض عقوبات أميركية واسعة تشمل حلفاء روسيا.
- تقليص التنسيق العسكري مع أوروبا الشرقية. 
- أو ـ في حالة التهور ـ تصعيد مباشر عبر إعادة نشر قوات أمريكية في بلدان مثل بولندا أو فنلندا.

ويرى مراقبون أن بوتين، حتى اللحظة، يبدو واثقًا من أن الوقت في صالحه، بينما يراهن ترامب على توازن الردع والضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وكالات