النص المركب وشطرنج اللغة في جديد سلمى حداد
12/08/2025
سيرياستيبس
ديب علي حسن
يكتب احد النقاد الشكلانيين قائلا : ان تشريح النص الابداعي كما ذبح البلبل الجميل من اجل بضع غرامات من اللحم .
ولكن هل يصمد هذا الرأي امام ازدهار النقد وتطوره ام علينا ان نقرا الابداع دون محاولة الولوج الى كنوزه ؟
في الحقيقة المشهد الشعري الحالي يحفل بالكثير من الاسماء المهمة التي استطاعت ان تحجز لها مكانا في هذا الازدحام وتلفت النقاد الى ما تقدمه .
سلمى جميل حداد الاستاذة الجامعية في الادب الانكليزي اثرت المشهد الشعري العربي بالعديد من الاعمال التي استطاعت من خلالها ان تقول : ها هو نصي امامكم يحمل جمر اللغة واتقاد التجربة الابداعية التي تتوهج من خلالها الذات دفقا من المعاني على اجنحة الخيال الى فضاءات تمور بلواعج النفس وتسبر اعماقها.
في جديدها في القطار السريع لا ادري .
الذي صدر منذ فترة قريبة تجدل حداد الحزن والالم والامل ترسم الخيبات تفجر اللغة بمدلولالات لا يستهلكها او يطويها الزمن .
في نصوصها ومضات الاعماق وسبر لجدلية الحضور والغياب غياب اقوى من الحضور تقول :
حضرتُ ولم أجدكَ
في كل خطوة كان لي جذر من فراغ
نحوكَ ناديتُ أجابتني الهزيمة
التصقتُ بقشوري كي أشعر بدفء الالتصاق
بطمأنينة الغبار في قفص الكون الكبير..
ظننتُ أنني تماثلت للقناعة
وأن البرد ضيف طارئ لا يلبث أن يغادر
لكنه أدام البقاء.
انه برد الوجود برد النفس التي تاقت للانطلاق نحو الحرية والتحليق بجناح من الامل لعله يكسر قفص الكون الذي على اتساعه ضاق بها .
قطار الحيرة واليقين السؤال والجواب الحضور والغياب ..البرد والدفء ..الدهشة والصدمة ..ثنائيات بضدها تتميز :
- التذكرة سيدتي!
حضرتَ ولم تجدني
مكتوفة الأشواق هنا
في قطار سريع لا يُسرعني إليكَ
لا أدري بكم من السنوات مررتُ
وكم من الأميال قطعني إليكَ فبكيتُ وأبكيتُ
وكم من براميل القهوة شربني فامتلأتُ
وما وصلتُ.. ماااا وصلتُ
أخلصتُ لأفكاري حتى اهترأتُ
وحين حضرتُ
نسيتُ الطريق إليكَ وعلى ذمة القطار بقيتُ
وبالبرد انتصرتُ..
بمهارة الصائغ استطاعت ان توظف مقردتها اللغوية وتثريها بدلالات جديدة ها هو القطار حائك ماهر
( لا شيء غيره يجدل عواءه على السكك الجليدية.......).
سرمدية الحزن ...
من ملامح الحركة الشعرية العربية ظاهرة الحزن والقلق والوجودي انه حزن غير ذاك الذي تميزت به الرومانسية الشعرية سواء الغربية ام العربية .
انه حزن مركب وقلق حضاري ربما بدأه السياب في انشودة المطر وعبر عنه الماغوط في ( الفرح ليس مهنتي).
وصقلته التجارب والتثاقف الحضاري والقدرة على توظيف الاسطورة لتكون بؤرة الاشعاع
نعم الهم الانساني واحد
والقضايا لم تعد تخص هذه الحضارة دون غيرها انها عالم واسع لكنه ضاق وضج باحزانه وكل له الف قصة وحكاية ...
الف خيبة انسانية ووجودية:
التذكرة سيدتي!
ساعدني سيزيف!
احمل معي صخرتي الأبدية!
مصابةٌ بداء العزيمة أنا
لكن الجبال أوزرتني ما لا أطيقْ
والهضاب خانتني
واستعصى على ركبتيّ الطريقْ
لكأنما ذا الليل قدري
وذا الخراب وذي المنافي وذا الحريقْ
وقمصاني من خيشِ أكياس الطحين
تعجن للبائسين رغيف الصباح
ومن أكمامها تخيط خياماً
لذوي القربى ويتامى الحروب
وأبناء عنق الزجاجة
يطول وثم يطول.. يطول ويضيقْ،
ساعدني سيزيف!
احمل معي صخرتي الأبدية!
.....
بحثتُ عنكَ في الأماكن القصيّة
في بلدان لا أدركُ عواصمها
على طرقات لا أعرف خطواتها
في فناجين لا أفهم رموزها
- ثقي بي يا سيّدة التمني واضطراب اليقينْ
أنا عرّافة وأمي عرّافة منذ مئات السنينْ
ستمشين إليه على ألسنة الشموع
حتى تذوبين قطرةً قطرةً كعيون الانتظار
لكنك ستصلينْ
إلى ذلك الكون المليء بشيءٍ مِن شيء
ارفعي إبريقكِ أعلى من إبطيكِ واشربي
اشربي حتى ترتوينْ
قليلاً ستنهضين من العطش أبهى
طويلاً طويلاً سوف تبحثينْ.
في هذا الديوان الجديد تنسج حداد ثوبا جديدا من اللغة التي استطاعت ان تبرهن انها لغة شاعرية مهما كان النص طافحا بالدلالات واستخدام الرموز بقراءات جديدة .
وربمايكون وراء هذا الثراء اللغوي والقدرة على التجديد ان الشاعرة على اطلاع وتواصل دائم مع الثقافات العالمية لاسيما انها نشرت اكثر من مجموعة شعرية باللغة الانكليزية وهي واضعة معاجم لغوية غير تقليدية تبحث في ثراء المفردات ومعانيها وتطور دلا لاتها.
انه باختصار : النص المركب في شطرنج اللغة.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=145&id=202590