الجفاف والحرائق يلدغان مربي النحل .. تراجع خطير في التربية والعسل
13/08/2025
سيرياستيبس
يعاني قطاع تربية النحل في سوريا أزمة حقيقية، إذ سجّل إنتاج العسل انخفاضاً مقارنة بالسنوات السابقة، وتأتي هذه الأزمة نتيجة سلسلة من التغيرات المناخية القاسية، فما هي الأسباب وما الحلول المطلوبة..؟.. كل ذلك نتابعه في هذا التحقيق الصحفي..
تعدَّدتْ الأسباب والنتيجة واحدة
النحال خالد أحمد من محافظة القنيطرة، أكد تراجع كميات إنتاج العسل في الموسم الحالي عن المواسم السابقة بسبب تضرُّر النحل من حالة الجفاف التي مرّت بها البلاد، وكذلك من كثرة رش المبيدات، إلى جانب ارتفاع وغلاء أسعار الأدوات المستخدمة لدى النحالين.
أما النحال عدنان كريدي، من ريف دمشق فقال: إن الحالة المعيشية الصعبة، وضعف القدرة الشرائية عند المواطنين قللا الطلب على العسل محلياً، في ظل غياب فرص للتصدير الخارجي.
وعن الكوارث الطبيعية التي أثّرتْ سلباً على تربية النحل، تحدّث النحال محمد حسين من ريف اللاذقية، مبيناً أن الكوارث التي مرت بها منطقة الساحل السوري من حرائق واختفاء قسم من الغطاء النباتي وقلة الأمطار أثرت كثيراً على إنتاج العسل.
عام استثنائي
أمام هذا الواقع المتردي لتربية النحل وإنتاج العسل، ماذا يقول أصحاب الخبرة؟.
رئيس فرع اتحاد النحالين العرب في سوريا، الخبير في الثروة الحيوانية، أحمد قاسو، اعتبر أن هذا العام عاماً استثنائياً على مربّي النحل وعلى قطاع تربية النحل عموماً، نظراً للمعوقات التي تعرضت لها هذه المهنة، ولم تشهدها منذ عقود مضت.
وبيّن أن التغيرات المناخية التي أصبحت حديث المنطقة والعالم أثرت على تربية النحل، وعلى العلاقة بين النحل والنباتات، ويختلف هذا التأثير تبعاً للمناطق والتاريخ، مثل فترة الإزهار وعلاقتها بالطقس الحديث، فقد رافق فترة إزهار الحمضيات موجة صقيع، لم يتجاوز إنتاج الخلية فيها 5 بالمئة عن الأعوام السابقة، فضلاً عن انخفاض متوسط الهطول المطري إلى 30 بالمئة من المعدل السنوي، وتأثرت الزراعات البعلية بشكل مباشر، إضافة إلى انخفاض انتشار النباتات والأشواك البرية التي يعتمد عليها النحل.
وقال قاسو: إن هذا التغير أدى إلى ضعف إنتاج العسل وتراجع قوة النحل وأثّر على مناعته وعدم القدرة على مقاومة الأمراض التي يتعرض لها، وفي ظل هذا التراجع كان تأثر النحل بالاستخدام العشوائي للمبيدات هذا العام تأثراً ملحوظاً، نظراً لورود العديد من الحالات التي تأثرت برش المبيدات السامة في العديد من المناطق، وكان لها أثر كبير على تراجع قطاع تربية النحل.
ولم ينس الخبير قاسو الحرائق الكارثية التي تعرضت لها العديد من المناطق هذا العام، والتي أدت إلى خسائر فادحة في قطاع تربية النحل وإنتاج العسل وخروج نسبة جيدة من خلايا النحل لا يستهان بها، وتقدر بنحو 15 إلى 20 بالمئة من أعداد الخلايا في بلادنا، فضلاً عن دور الواقع الأمني مع بداية انطلاق المراعي الموسمية في الحد من حركة مربي النحل، وخاصة الليلية منها في المناطق الحراجية، والتنقل بين المراعي الذي هو أساس مهنة تربية النحل من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب بين المراعي أينما وجدت، وكلما تعدد التنقل وتنوعت المراعي كان الإنتاج أفضل.
ومن الأسباب التي ذكرها، وتأثرت بها تربية النحل، جمود الأسواق والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وضعف القدرة الشرائية التي لا تخفى على أحد من مراقبي سوق العسل، ودخول المنافسة بعد فتح الأسواق من الدول المجاورة، ما أثر على سلعة العسل بشكل كبير، وبات تسويقها من الأعمال الشاقة التي تفوقت على باقي أعمال المهنة.
أجود الأنواع
رئيس دائرة النحل والحرير في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي المهندسة إيمان رستم، أكدت أن تربية النحل تعد مدخلاً رئيساً من مدخلات الإنتاج، وأحد المشاريع الأسرية الريفية المهمة إلى جانب الفائدة التي يجنيها مربو النحل في الحصول على العسل والشمع وتجارة الملكات وغيرها من منتجات الخلية.
وبيّنت أن هناك فائدة أشمل لا تقل أهمية عما سبق، ألا وهي قيام النحل بتلقيح المحاصيل الزراعية، حيث تعتبر نحلة العسل من أهم الملقحات الحشرية، مشيرة إلى أنه ثبت نتيجة التجارب العملية أن النحل يعمل على زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية وتحسين النوعية بنسبة تفوق 30 بالمئة.
وبحسب م. رستم فإن العسل السوري يعد من أجود أنواع العسل العالمية، وذلك لتنوع البيئة السورية وغناها بالنباتات والمراعي الطبيعية والمزروعة، وهذه فرصة ذهبية لإيجاد قنوات تصريف وأسواق خارجية لهذا العسل، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الترويج والتسويق الصحيح كان له تأثير سلبي في المنافسة وبيع المادة.
وأوضحت أن التبدلات المناخية هذا الموسم لعبت دوراً سلبياً في واقع تربية النحل وإنتاج العسل، كونها أثرت بشكل كبير على المراعي الربيعية، وقالت: إن حالة الانعزال التي عانت منها بلادنا سابقاً نتيجة سياسة النظام البائد أدت إلى التراجع في تربية النحل بشكل كبير، نتيجة عدم الدراية وهجرة الخبرات والفقر العلمي والفني في الأساليب والممارسات العلمية الحديثة في التربية وتوافر مستلزماتها.
تأصيل النحل السوري
المهندسة رستم أكدت أن وزارة الزراعة أطلقت مشروعاً لإعادة تأصيل النحل السوري، خاصة السلالات المحلية المعروفة بقدرتها على التأقلم والمردودية الجيدة، وتعمل على إنتاج ملكات نحل محلية مقاومة وذات إنتاجية عالية.
ولمواجهة التحديات التي تواجه قطاع تربية النحل، أكدت أن الوزارة حرصت على الانفتاح والتعاون مع مختلف الجهات للاستفادة من تجاربها في تطوير هذا القطاع، بما يناسب واقع التربية في بلادنا وتطوير أساليب التربية ومستلزمات الإنتاج بشكل علمي ومدروس، وضبط جودة منتجات الخلية وتسهيل تبادلها وتطوير التشريعات الناظمة لعملنا في هذا القطاع.
مضيفة: جرى تقديم الدعم الفني للمربين للحفاظ على مناحلهم والتخفيف من الأضرار الناجمة من التغيرات المناخية وتبدلات الفصول على مدار العام وضرورة اتخاذ مختلف الإجراءات اللازمة لرعاية النحل صيفاً، من تأمين مشارب وتظليل الخلايا والكشف الدوري الأسبوعي على (الخلايا النحلية) صباحاً، والوقاية من الآفات وتقدير شدة الإصابة بالفاروا دورياً وحماية الخلايا من جميع الأخطار وتقييمها، من حيث الإنتاجية والنشاط ومقاومة الآفات والحفاظ على مخزون غذائي في الخلية صيفأ وشتاءً، وتنفيذ برنامج ترحيل إلى مناحل تبادلية في حال عدم توافر المرعى بالمنحل الرئيسي، وفرز العسل المختوم وترطيب أرضية المنحل ومكافحة الأعشاب الجافة حول الخلايا بشكل دائم.
مهنة النحالة
وانطلاقاً من أهمية تربية النحل، أكدت م. رستم أن وزارة الزراعة عملت على الاهتمام بهذا القطاع ورفع شأن مهنة النحالة من خلال إحداث مديرية تربية النحل في الوزارة منذ عام 1988، وتم إطلاق مبادرات تسهم في نشر التقانات الحديثة في التربية ورفع مستوى الكفاءة الإنتاجية وتحسين الجودة، ووضعت خطة لتطوير هذا القطاع تعتمد في مضمونها على عدة برامج تساهم في تحقيقها، ولاسيما في تحسين وتطوير سلالة نحلة العسل البلدية، وتطوير البنى التحتية ورفع وتنمية كفاءة مراكز تربية النحل في المحافظات، وتنظيم وتنمية المراعي النحلية وتطوير صناعة النحل، وإنتاج العسل وتشجيع الاستثمار.
ولفتت إلى أن الوزارة أخذت على عاتقها تقديم العديد من الخدمات لمربي النحل، تمثلت في تأسيس المخابر اللازمة لدراسة العينات المرضية، وتحليل العسل، ومنتجات الخلية، وتسهيل حركة ونقل الخلايا بين المحافظات وتنظيمها، وإنتاج طرود النحل والملكات من السلالات المحلية وبيعها بأسعار تشجيعية، وإقامة المناشر اللازمة لتصنيع الخلايا الخشبية وأجزائها وبيعها بأسعار مناسبة، وتقديم التسهيلات اللازمة للمستثمرين في هذا القطاع لضرورة تأمين مستلزمات التربية وتصدير فوائض الإنتاج من العسل ومنتجات الخلية، والمتابعة المستمرة لأهم آفات النحل، وتبني الأبحاث العلمية اللازمة للوقاية من الآفات وتحسين المردودية وتعميم النتائج.
الثورة
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=132&id=202605