سيرياستيبس :
أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر حصرية أن "البنك يعمل وفق أسس تتناسب مع الاقتصاد العالمي، والتركيز منصب على فك العزلة والقيود وبناء جسور مع العالم الخارجي، للانتقال إلى مرحلة الاستقرار وهو الهدف الرئيس".
موضحاً خلال لقاء له أمس مع مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، أن "المصرف المركزي يعمل حالياً ضمن استراتيجية تشمل الرؤية الواضحة لاستراتيجية العمل ومنها العمل على إصدار عملة جديدة لتحسين الوضع النقدي، والثانية تهدف لإصلاح القطاع المصرفي وحل بعض مشكلات مجالس إدارة المصارف العاملة تحت مظلة المصرف المركزي، وتحقيق الاستقرار النقدي لسعر القطع ضمن الرقابة على المصارف وشركات الصرافة والإشراف على نظام المدفوعات".
وقالت وكالة "رويترز" اليوم إنه ستُطرح أوراق نقدية جديدة في سوريا خلال ديسمبر (كانون الأول) المقبل ضمن الذكرى الأولى للإطاحة بنظام الأسد، مشيرة إلى أن عملية إعادة تقييم الليرة السورية تتضمن حذف صفرين.
وأضافت الوكالة ضمن تقريرها أن المصرف المركزي أبلغ البنوك الخاصة بنيته إصدار العملة الجديدة، إلا أنها زعمت أن شركة "جوزناك الروسية" (نفس الشركة التي كانت يطبع لديها النظام السابق) هي من ستتولى طباعة الأوراق النقدية السورية الجديدة.
ويأتي التوجه إلى طباعة عملة جديدة في ظل وجود كتلة كبيرة من النقود السورية خارج النظام المصرفي، تقدر بأكثر من 40 تريليون ليرة (3.8 مليار دولار أميركي)
الليرة خسرت أكثر من 99 في المئة من قيمتها منذ عام 2011
المتخصص في الشأن الاقتصادي عمار يوسف قال لـ"اندبندنت عربية"، "من المنطقي والطبيعي أن تتجه سوريا إلى طباعة عملة جديدة في ظل وجود كتلة هائلة من الليرة خارج الجهاز المصرفي تقدر بأكثر من 40 تريليون ليرة، كذلك فإن الليرة بوضعها الحالي غير قادرة على القيام بوظائفها كما يجب، بعدما خسرت أكثر من 99 في المئة من قيمتها منذ بدء الحرب عام 2011، لذلك فإن استبدالها قد يكون أمراً ضرورياً ومهماً شريطة أن يتم ضمن شروط صحيحة ومدروسة وبسرية كاملة خاصة لجهة موعد ومدة التبديل".
وأشار يوسف إلى ضرورة توافر مجموعة من الشروط التي تمهد لتبديل العملة أهمها تحقيق الاستقرار الاقتصادي واتباع سياسات علمية لمعالجة التضخم، بعيداً من سياسيات منع وتقييد الكاش التي أرهقت الاقتصاد والناس والأعمال ولم تحقق المطلوب منها، لافتاً إلى أن تغيير العملة في ظل معدلات تضخم عالية يمكن أن يؤدي بعد فترة إلى فقدان الليرة مجدداً لقيمتها.
ودعا يوسف إلى ضرورة وضع سياسات نقدية واضحة لمعالجة التضخم وبمجرد وصوله إلى مستوى مقبول يمكن الإعلان عن استبدال العملة، مؤيداً اللجوء إلى حذف الأصفار وحتى تغيير صور الأسدين عنها نظراً إلى الأثر النفسي لذلك.
وتعليقاً على طباعة العملة لدى شركة روسية وفقاً لما ذكرته وكالة "رويترز" قال يوسف "اختيار الشركة التي ستطبع لديها نقود يتعلق بالعروض المقدمة من قبل الشركات، واللجوء إلى شركة ما، يعني أن عرضها كان الأنسب "مشيراً إلى أن المعلومات المنشورة لم تصدر رسمياً بعد.
لافتاً إلى أن هناك مستوى من القرارات النقدية بدأ المركزي يلجأ إليها لمعالجة الوضع النقدي، الذي يبدو صعباً للغاية وليس من السهل التعامل معه خصوصاً في ظل وجود عدم ثقة بالجهاز المصرفي السوري تراكمت عبر أعوام وليس من السهل استعادتها.
المصارف الخاصة تعاني شحاً في السيولة
تغير العملة السورية نوقش على مدار الأشهر بعد سقوط النظام السابق، وانقسمت آراء المتخصصين ما بين من يدعو إلى حذف الأصفار وبين من يرى الحل في طباعة فئات أعلى من العملة، ولكن أكدوا أنه قبل تلك القرارات يجب أولاً ضرورة معالجة وضع التضخم الذي وصل إلى مستويات عالية في سوريا.
فتقول مديرة في أحد البنوك الخاصة بدمشق، رداً على سؤال لـ"اندبندنت عربية" حول إذا ما كانت المصارف الخاصة أبلغت فعلاً بأن هناك عملة جديدة تطبع، أوضحت "لا يوجد إبلاغ رسمي بذلك حتى الآن"، مستدركة "لكن هناك حديثاً وتداولاً بين موظفي البنوك حتى الزبائن لفكرة طباعة العملة، إذ تأتينا أسئلة مستمرة من رجال أعمال وتجار فيما إذا كان هناك عملة جديدة".
وأشارت إلى أن هناك مخاوف من بعض مَن يكتنزون مبالغ كبيرة من الليرة وتعرضهم للمساءلة في حال السير فعلا نحو تبديل العملة، قائلة "ربما تساعد هذه المخاوف في إقبال أصحاب الأموال المكتنزة على ضخها في السوق أو إيداعها في البنوك مما قد يساعد ولو جزئياً في حل مشكلة السيولة".
وتابعت أن المصارف الخاصة تعاني شحاً شديداً في السيولة بسبب تحويل الأموال إلى كاش لسداد الرواتب التي زادت بنحو 200 في المئة اعتباراً من أغسطس (آب) الجاري.
حاكم "المركزي" يعلن تأسيس مؤسسة لضمان الودائع
إلى ذلك وخلال وقت يعاني فيه السوريون والمؤسسات المختلفة صعوبات في سحب الأموال من المصارف وتقييدها بمبالغ محددة يومياً وحتى أسبوعياً، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عن قرار يفيد تدشين "مؤسسة ضمان الودائع"، مشيراً إلى أن هذا القرار يأتي في إطار الجهود القائمة لتطوير النظام المالي والمصرفي في سوريا وتعزيز ثقة المواطنين بسلامة مدخراتهم".
وقال ضمن منشور له إن "تدشين هذه المؤسسة يشكل خطوة استراتيجية تهدف إلى حماية أموال المودعين في المصارف السورية ضمن حدود وضوابط محددة، بما يضمن طمأنتهم على مدخراتهم، إلى جانب تعزيز الاستقرار المالي مما ينعكس إيجاباً على متانة القطاع المصرفي، إضافة إلى دعم الثقة العامة بالنظام المصرفي السوري، وهو ما نعده ركيزة أساس لمرحلة التعافي الاقتصادي، كذلك يهدف القرار إلى تهيئة البيئة الاستثمارية الملائمة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وكذلك تحفيز عودة التحويلات المالية من السوريين في الخارج".
مؤكداً أن هيئة ضمان الودائع ليست مجرد إجراء موقت، بل هي جزء من رؤية أشمل لإصلاح القطاع المالي في سوريا، قائمة على تحديث التشريعات المصرفية وتعزيز الشفافية واستقلالية المؤسسات المالية وبناء شبكة أمان مالي حديثة تتماشى مع المعايير الدولية، لافتاً إلى أن استكمال إجراءات التأسيس هو خطوة أخرى مهمة ليكون القطاع المالي داعماً أساساً لإعادة بناء الاقتصاد الوطني.
يأتي قرار إحداث مؤسسة لضمان الودائع في سياق جهود كبيرة يبذلها المركزي السوري لاستعادة الثقة بالجهاز المصرفي وحث الناس على إيداع أموالهم في البنوك كونها أكثر أماناً مع الإشارة إلى أن المركزي كان أصدر قرار مهماً سمح بموجبه بحرية سحب الودائع بعد الثامن من مايو (أيار) 2025.
فقدان الثقة بالمصارف السورية
مصدر تجاري في العاصمة دمشق قال "هناك حال من عدم الثقة بالمصارف السورية، والسوريون يميلون إلى الاحتفاظ بأموالهم ومدخراتهم في منازلهم ومكاتبهم، مع الإشارة إلى أن السوريين فقدوا الثقة في النظام المصرفي المالي اللبناني أيضاً".
مشيراً إلى أن هناك مؤسسات اقتصادية سورية استطاعت التغلب على مشكلة السيولة من خلال صناعة دورة مالية مصرفية داخلها، لتلبية حاجاتها من الكاش من دون اللجوء إلى المصارف، إذ يبدو سحب الأموال منها معقداً وصعباً جداً.
وفي هذا السياق، قال صاحب مؤسسة اقتصادية إلى "اندبندنت عربية" إنه "أوجد نظاماً مالياً داخل مؤسسته يمكنه من إدارة الكاش وتلبية الحاجات منه خلال الوقت المناسب وضمن الزمن المطلوب من دون الحاجة إلى إيداع الأموال في المصارف"، مضيفاً "كتلة الرواتب في مؤسستنا كبيرة جداً، ولسنا مضطرين إلى إرسال موظفينا للانتظار في طوابير أمام المصارف أو شركات الصرافة لسحب رواتبهم على دفعات"، معتبراً أن الالتزام بدفع الرواتب كاملة وفي مواعدها يعزز الولاء الوظيفي بالتالي ليس مستعداً لفقدان ولاء الموظفين مقابل إيداع رواتبهم في البنوك السورية التي تعاني معظمها من شح في الكاش ومن تعقيدات في السحوبات، مؤكداً أن هناك مخاطرة في الاحتفاظ بكتل نقدية في المؤسسات، مضيفاً "عندما تحل مشكلة السيولة والسحوبات فلن يتردد لحظة في العودة إلى النظام المصرفي" مشيراً إلى أن خطوات البنك المركزي تبدو مبشرة، مستدركاً "لكن لا بد من خطوات إضافية".
متخصصون أكدوا أن فقدان الثقة بالجهاز المصرفي جاء نتيجة تراكم مجموعة من الأسباب طوال الأعوام الماضية، كان أولها فقدان الثقة بالبنوك اللبنانية وأزمة الودائع التي أتت على ودائع السوريين والتي تقدر بأكثر من 40 مليار دولار، بينما السبب الثاني كان يتعلق بالعقوبات على دمشق، إضافة إلى خروج النظام المصرفي السوري من نظام "سويفت" العالمي، مما أدى إلى تعقد المعاملات والتحويلات والتمويلات وارتفاع الكلف ثم جاءت منصة تمويل المستوردات التي اخترعها النظام السابق التي كبدت المستوردين خسائر كبيرة نتيجة تأخر التمويلات وتغير سعر الصرف.
وأكد أن "هناك تجاراً خسروا مليارات الليرات بسبب ذلك، علماً أن ديون التجار على المنصة بلغت عند سقوط النظام 800 مليون دولار وتعهدت الحكومة الحالية بإعادتها".
إلا أن السبب الرئيس في ابتعاد الناس من المصارف لحفظ أموالهم هو تذبذب سعر الصرف بهامش كبير وتسببه في خسارة المودعين لنسبة تراوح ما بين 10 إلى 20 في المئة من أموالهم مع كل انخفاض في سعر الصرف، هذا إلى جانب تلاعب الصرافة واستغلال فروق الأسعار مما تسبب في قلق الناس على أموالهم وتغيير سياساتهم في إدارة أموالهم وكان أول التغييرات الاحتفاظ بأموالهم في صورة دولار داخل منازلهم والتصريف بقدر الحاجة.
طباعة عملة جديدة يجب أن يتم بسرية كاملة
المحلل المصرفي باسل سليمان قال لـ"اندبندنت عربية" إن "قرار طباعة عملة جديدة قد يبدو قراراً موفقاً في هذه المرحلة"، مشيراً إلى أهمية قيادة عملية تغيير وطباعة العملة بسرية كاملة وضرورة اتباع خطوة صارمة في مرحلة التبديل، خصوصاً لوجود كميات كبيرة من العملة متمركزة لدى فئات قليلة، مؤيداً عملية حذف أصفار من العملة خلال وقت أصبحت فيه أعلى فئة نقدية بالكاد تشتري "بسكوتة" في وقت يتكبد الناس عناء حمل الأموال ونقلها.
سليمان وصف الإعلان عن إنشاء مؤسسة لضمان الودائع بـ"المهمة"، موضحاً أنها "تأتي في سياق خطوات عدة من شأنها تحقيق النتائج المطلوبة عند اكتمالها وتحسن الظروف"، لافتاً إلى أن أهم إجراء ربما يجب اتخاذه الآن هو أن يتدخل ’المركزي‘ كبائع ومشتر في السوق عبر المصارف وشركات الصرافة وأن يلجأ إلى تثبيت سعر الصرف ولو لفترات محدودة ومتتابعة فهذا سيخلق الثقة عند الناس ويحميهم من استيلاء الصرافة على فروق الأسعار، وهي المساحة التي يتلاعبون فيها، مؤكداً أن على رغم أن كل شيء يسعر بالدولار، فإن السوريين يفضلون الدفع بالليرة لعدم وجود سعر واحد رسمي معتمد للدولار ولجوء مقدمي الخدمات إلى التلاعب بالسعر والاستيلاء على نسبة من الأموال عند الدفع بالدولار، مما يؤدي إلى خسارة الناس نسبة من أموالهم تصل إلى 10 في المئة.
سليمان قال أيضاً إن "البلاد تحتاج إلى مزيد من الوقت لتعيد ترتيب أوضاعها وإنجاز اندماجها في النظام الاقتصادي والمالي العالمي"، مثمناً قرار المركزي بالسماح بسحب الودائع بعد الثامن من مايو الماضي، إذ بادر عدد من المؤسسات بإيداع أموالها وهناك مؤسسات تمكنت فعلاً من سحب أموالها بموجب قرار ’المركزي‘، مستدركاً "لكن ما زالت الأمور من دون الطموح، وما زالت هناك خطوات لا بد من اتخاذها لاستعادة الثقة في الجهاز المصرفي"، لافتاً إلى أنه في هذه الظروف الأمنية الحالية كان من المفترض أن تكون الثقة بالمصارف في أعلى درجاتها، باعتبارها المكان الآمن للأموال والمدخرات.
اندبدنت عربية