الاقتصاد في حالة انهيار
من الناحية الاقتصادية، تعيش البلاد حالة شبه شلل. الليرة السورية فقدت معظم قيمتها، والأسعار ترتفع بوتيرة تجعل الرواتب عاجزة عن تغطية أبسط الحاجات. البنية الإنتاجية، سواء الصناعية أو الزراعية، تراجعت بشكل كبير، في ظل غياب حقيقي لأي برامج إصلاح أو خطط تنموية جادة.
هذا الانهيار الاقتصادي لم يعد حدثاً طارئاً، بل تحوّل إلى بنية دائمة للأزمة، تُعيد إنتاج نفسها عبر التضخم، وغياب فرص العمل، واتساع رقعة الفقر.
البطالة والفقر كقدر يومي
الشباب السوري يقف في مواجهة مأزق حاد، إمّا الهجرة بحثاً عن فرص حياة أفضل، أو البقاء في الداخل بلا عمل ولا أفق.
فالبطالة باتت حالة عامة، ليست مرتبطة بفئة محددة، بل تمتد من حملة الشهادات العليا إلى العمال المهرة. ومع البطالة يأتي الفقر، الذي لم يعد يقتصر على «الطبقات الدنيا»، بل طال شرائح واسعة من المجتمع كانت تُعتبر سابقاً جزءاً من الطبقة الوسطى. لقد تحوّل الفقر من ظرف اجتماعي إلى قدر يومي يعيشه أغلب الناس.
المهرجانات كأداة إلهاء
في هذا السياق، تأتي المهرجانات والمعارض والاحتفالات. بدلاً من أن تكون منصات حقيقية للنقاش والإنتاج والتبادل، تتحوّل إلى أدوات تجميل للواقع، ووسيلة لصناعة صورة زائفة عن التعافي. لتقدَّم الخطابات والتصريحات والإنارة والدعاية كبديل عن السياسات الاقتصادية، وكأن الفرح المصطنع يمكن أن يحل محل الخبز المفقود.
لكنّ هذه الفعاليات لا تغيّر من الواقع شيئاً، بل على العكس، تساهم في تكريس الإحباط، لأنها تُظهر الفجوة الهائلة بين ما يُسوَّق إعلامياً وما يُعاش واقعياً. إنها لا تعبّر عن حاجات المجتمع، بل عن حاجة السلطة إلى صناعة واجهة خطابية، تحجب الانهيار وتعيد إنتاج الوهم.
ما يحتاجه السوريون حقاً
الحقيقة أن السوريين لا يبحثون عن مهرجان جديد ولا عن حملة دعائية أخرى. حاجتهم الأساسية اليوم هي سياسات جادة تضع حداً للانهيار الاقتصادي، وتوفّر فرص عمل، وتستعيد كرامة العيش. حاجتهم هي إلى أفق سياسي يُعيد لهم ثقتهم ببلدهم، ويمنحهم أملاً بمستقبل أفضل.
بهذا المعنى، يمكن النظر إلى المهرجانات ليس كرمز للاحتفال، بل كمرآة تكشف المفارقة، بلد يعيش في العمق انهياراً شاملاً، فيما يُقدَّم على السطح كرنفالاً دائماً.
إنها مفارقة بين واقعٍ مأزوم وصورة مُبهرة، وبين مجتمع يبحث عن لقمة الخبز وكرامة العيش، وسلطة تكتفي بمنحه مشاهد احتفالية لا تُسمن ولا تُغني.
قاسيون