شرعية الحكم في الشعوب الحية والمحنطة والمنحطة
16/09/2025
كتب الباحث الاقتصادي الدكتور دريد درغام :
يمتلئ التاريخ بالأمثلة عن الشعوب أو المناطق التي كلما ضاق بها الحال تقلصت أحلامها الدنيوية فتحتمي بعوالم الغيب والأديان وما قد يباع لها من تجار الأوهام. وقلة هي الدول التي وفقها الله بنخبة أو قادة قادرة على الخروج عن المألوف.
وغالباً ما يفرض التغيير من قبل العامل الخارجي الذي يشن الحرب أو يسبب الكوارث. حينها يصبح الشعب مطواعاً في يد من يقوده بدوافع يرتبط معظمها بالخوف على ما تبقى من أمان "مزعوم" لديه. في الحروب والإبادة والمجاعات وغيرها من الويلات، لا يحتاج الامر إلى عباقرة أو علماء اجتماع لمعرفة أن البلاد تمر في منعطف تاريخي حيث أن كل فرد بالمجتمع سيكون قادراً على أن يشعر به وأن يعرف بضرورة التغيير. في العموم يرفض الشعب التغيير وخاصة عندما يرتبط الأمر بالمساس بالغيبيات. ولكن كلما اشتد الظلم يصبح الشعب مطواعاً لدرجة تجعله مستعداً للخروج خلف "أي بديل" راغب بالقيادة. وعندما يشعر الشعب بأن القائد يحترمه، يصبح متسامحا حتى بتغيير العادات والطقوس الموروثة؛ ولنا في كمال اتاتورك المثال الأكبر في تغيير عقلية الاتراك من بيئة دينية محافظة إلى بيئة علمانية وافقت على حلق الذقون والتخلي عن الطربوش وتغيير عقلية العمل والانتاج. النجاح الأكبر بتغيير العقليات كان بوصول تورغوت اوزال في الثمانينيات. وبعد انتهاء المنعطفات التاريخية تدخل الشعوب في مراحل السياسة كواجب.
في السياسة لا بد من التمييز بين الأداء السياسي كواجب وبين التعامل مع المفاصل التاريخية لحياة الشعوب. في الحالة الأولى تتميز الشعوب "الحية" باعتبارها السياسة وظيفة سامية تتطلب التفكير في كل يوم وكأنه مفصل تاريخي يتطلب جهداً كبيراً في استقراء المخاطر والفروص وتقوية عوامل القوة وترميم نقاط الضعف. أما الشعوب "المحنطة" فتعتبر السياسة عملاً كهنوتياً يتطلب الحفاظ على الدوام والمراسم والتشريفات وغيرها من السنن التي وجد المؤسسون أنها مناسبة للظروف التي عاشوا فيها. ونسي مسؤولو الشعوب المحنطة أن الظروف الجديدة تتطلب تفكيراً جديداً. ورؤية مشروع نهضوي متكامل. تعتبر الشعوب المحنطة أن التغيير في السياسة يكون بردات فعل يتم فيها تغليب مصلحة الحاكم على المحكوم. وإضافة إلى فئتي حية ومحنطة يوجد فئة ثالثة "منحطة" وهذه تحتاج إلى بوستات طويلة قادمة.
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=145&id=202932