هل تسطو الحكومة الفرنسية على مدخرات الأسر؟
مدخرات المواطنين 19422 مليار دولار منها 7312 مليار أصولاً مالية



 

بلغت ديون فرنسا نحو 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد

 

سيرياستيبس :

محللون يتوقعون فرض ضريبة على مدخرات الفرنسيين وحساباتهم البنكية، ولن يكون ذلك الأمر حكراً على الأثرياء وحسب، بل الطبقة المتوسطة أيضاً، ومن الطرق المتوقع انتهاجها الخفض الكبير في منح المتقاعدين والمساهمات الاجتماعية وخفض أجور الموظفين وهذا ما اعتمد في اليونان.

ارتفع معدل الادخار في فرنسا من 15 في المئة قبل جائحة كورونا إلى 18.9 في المئة حالياً، وهو نسبة غير مسبوقة، وجاء ذلك كرد فعل للأسر الفرنسية على الأزمة المالية المتفاقمة وفرضيات التعامل معها في المستقبل بإجراءات استثنائية.

في يوليو (تموز) الماضي نشر المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية "INSEE" معدل الادخار الفرنسي للربع الثاني من عام 2025، إذ يمثل هذا المعدل 18.9 في المئة من دخل الأسر، وهو معدل مرتفع للغاية.

وتجدر الإشارة إلى أن مدخرات الأسر الفرنسية تتكون من عوائد رؤوس الأموال وأقساط القروض من جهة، والمدخرات المالية المباشرة من جهة أخرى.

وتتميز المدخرات المالية بالاستقرار، لذا فإن المدخرات المالية أي المدخرات في حسابات التوفير، وتأمينات الحياة، والأسهم هي التي شهدت أكبر نمو، في الواقع، تجاوزت هذه المدخرات قروض الرهن العقاري للمرة الأولى في أوائل عام 2025.

ويستعرض مؤسس شركة "لوريلو إيكوداتا" للأبحاث والإستراتيجيات الاقتصادية، مدير دائرة الادخار، فيليب كريفيل، سلوكيات الادخار والاستهلاك لدى الأسر الفرنسية قائلاً "يرتبط هذا التطور بسلسلة من الأزمات والصدمات، أولاً، كانت هناك عمليات الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا، والتي عجز الفرنسيون خلالها عن الاستهلاك، ولكن أيضاً بدافع الخوف، ادخروا".

وأضاف "بمجرد انحسار الجائحة، اندلعت الحرب في أوكرانيا، تساءلت الأسر عما إذا كانت مصادر الطاقة ستنفد، عندما ارتفعت أسعار هذه المصادر نفسها بصورة كبيرة، مما أدى إلى موجة من التضخم"، مشيراً إلى استمرار الصدمات الجيوسياسية مع حرب غزة، التي، وإن لم تكن مرتبطة مباشرة بالاقتصاد الفرنسي، إلا أنها تفاقم الجدل السياسي، ناهيك بالأزمة السياسية في فرنسا منذ يونيو (حزيران) 2024.

 وتابع كريفيل "كل هذه الصدمات تثير القلق وتشجع الفرنسيين على الادخار، وكما هي الحال مع التضخم، كلما تعمقنا في الحديث عن الأزمة والمالية العامة، ازداد خوف الفرنسيين من زيادات الضرائب وإجراءات التقشف، فهم يدخرون تحسباً للصعوبات، وبالنظر إلى المؤشرات والغموض السياسي في الأيام الأخيرة، من غير المرجح استعادة الثقة فوراً، إذ إن جميع الصدمات أسبابها وقتية لكن هناك سبباً هيكلياً يغذي الادخار الفرنسي وهو شيخوخة السكان"، وأوضح "من جهة، أولئك الذين يتوقعون تقاعدهم ويدخرون المال تحسباً لمعاشات تقاعدية صغيرة نوعاً ما، ومن جهة أخرى، أولئك المتقاعدون بالفعل الذين يدخرون خوفاً من تأثير الأزمات في معاشاتهم التقاعدية، ولكن أيضاً لتوريث ثرواتهم لأبنائهم وأحفادهم".

المساهمات الاجتماعية ومنح التقاعد في مهب الريح

من جهته، وصف المحلل المالي مارك تواتي المرحلة التي وصلت إليها الأزمة المالية في فرنسا بـ"الدراماتيكية"، موضحاً "أصبح الدين العام منفلتاً بل بدأ يلقي بظلاله على مدخرات الفرنسيين"، قائلاً "المديونية المفرطة تصبح خطراً بالنظر إلى انعكاساتها على جميع القطاعات ومنها الادخار وعندما نلقي نظرة على مدخرات الفرنسيين من مصادر الدخل نجد أنها في حدود 16600 مليار يورو 19422) مليار دولار) منها 6250 مليار يورو (7312 مليار دولار) أصولاً مالية مباشرة".

مارك تواتي نصح الفرنسيين بالاستعداد لجميع المفاجآت مثل إمكان اللجوء إلى تعبئة مدخراتهم، وهو أمر مرعب، على رغم أن المدخرات خاصة وليست عمومية خلافاً للنفقات، مشيراً إلى أنه إذا انتهجت الحكومة هذه الطريقة من طريق تعبئة المدخرات لمصلحة القطاع العمومي فهي عملية تحويل ملكية لهذه الأموال وهذا أمر درامي وجب الكفاح من أجل تفاديه، لافتاً إلى عدم الأهلية في تحويل مدخرات الأسر الفرنسية، قائلاً هذا "يصنف انقلاباً".

وفي شأن الخطر التالي أوضح التواتي "يتمثل في إمكان وضع سقف للتصرف في الأموال وتحديد العمليات المالية وسحب الأموال نقداً بالحسابات الخاصة في محاولة للضغط على الأزمة المالية، كذلك مراقبة الصرف من طريق غلق الحدود رمزياً، قد يصل إلى منع تحويل الأموال إلى الخارج من قبل الحسابات الخاصة إن كانت للأفراد أو المؤسسات على حد السواء".


وأشار إلى أن تلك الفرضيات مطروحة، مشيراً إلى أنها لن تطبق غداً بالضرورة لكنها واردة تماماً بعد تفاعل الأزمة وتناميها بسرعة قياسية.

ويتوقع التواتي فرض ضريبة على المدخرات كذلك على الحسابات البنكية، ولن يكون حكراً على الأثرياء وحسب، بل الطبقة المتوسطة أيضاً، ومن الطرق المتوقع انتهاجها الخفض الكبير في منح المتقاعدين والمساهمات الاجتماعية وخفض أجور الموظفين وهذا ما اعتمد في اليونان.

أما التهديد الكبير المترتب فهو انخفاض الدخل القومي الخام لفرنسا إلى ما بين خمسة و10 في المئة، ووصف تواتي ذلك بـ"الأمر الموجع" وبمثابة كارثة، قائلاً "هذا لا أتمناه، لكن هذا ما أوصلونا إليه حكام فرنسا ويواصلون الهرب إلى الأمام، وكان من الأجدى تفاديه لكنهم لم يجتهدوا قط".

خفض مستمر للتصنيف الائتماني منذ عام 2013

في الأثناء، خفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف فرنسا من "AA-" إلى "A+" أول من أمس الجمعة، في امتداد واضح لتنامي الديون واستمرار عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين المالي، اللذين يعوقان ترسيخ ماليتها العامة المتدهورة بشدة، إذ بلغت ديون فرنسا 4029.7 مليار دولار أي ما يقارب 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتجاوز عجز الموازنة الفرنسية سقف 166.14 مليار دولار.

بهذا الخفض تتراجع فرنسا إلى منتصف تصنيف دول منطقة اليورو، ويمثل خفض التصنيف الائتماني، الذي يقيس قدرة فرنسا على سداد ديونها، نقطة تحول في تاريخها.

وعلى رغم أن هذا الخفض لن يسفر عن عواقب فورية تذكر على باريس، فإنه قد يدفع المستثمرين إلى بيع سندات الدين الخاصة بهم بحثاً عن استثمارات أقل مخاطرة، مما قد يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة.

كانت فرنسا قد حصلت سابقاً على تصنيف ائتماني أعلى درجة، "AA-"، مع نظرة مستقبلية سلبية، مما فتح الباب أمام خفض التصنيف، أما هذا التصنيف الجديد "A+"، فيضع فرنسا الآن ضمن فئة "فوق المتوسط"، مقارنة بتصنيفها السابق "جيد أو مرتفع".

اندبندنت عربية



المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=126&id=202952

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc