واشنطن والرياض... تحركات مكثفة تعيد تشكيل مسار الشراكة الاقتصادية
18/11/2025
سيرياستيبس :
كتب الإعلامي غالب درويش :
يتوجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن غداً الثلاثاء في زيارة تعد الأولى له إلى الولايات المتحدة منذ سبعة أعوام، يلتقي خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وسط توقعات بأن تشهد توقيع اتفاقات اقتصادية ودفاعية متقدمة، إضافة إلى بحث ملفات الشرق الأوسط، وفي مقدمها ملف التطبيع مع إسرائيل.
أهداف استراتيجية
تأتي الزيارة في لحظة تعكس صعوداً سعودياً واسع التأثير ودوراً متعاظماً في صياغة السياسات الإقليمية، متجاوزة العلاقات التقليدية إلى شراكة استراتيجية متوازنة، وتحمل الزيارة أهدافاً واضحة تتصل بتعزيز التعاون مع واشنطن بما يحفظ المصالح المشتركة.
أشار متخصصون في الشأن الاقتصادي، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن أجندة الرياض في هذه الزيارة تتجاوز الإطار التقليدي للصفقات الثنائية، متجهة نحو توسيع التعاون في مجالات الأمن والدفاع والتكنولوجيا والاقتصاد، ضمن مسار يتوافق مع مستهدفات "رؤية 2030".
ولفتوا إلى أن تلك الزيارة تأتي في وقت تسعى فيه السعودية إلى ترتيبات تضمن تعزيز الردع، عبر التباحث حول مظلة حماية أميركية متقدمة وصفقات عسكرية نوعية تشمل مقاتلات الجيل الخامس وأنظمة الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى شراكات في تطوير الصناعات الدفاعية الوطنية بدعم تقني أميركي رفيع.
الاقتصاد أولاً
يتوقع المتخصصون أن تتمحور المحادثات حول تعزيز موقع السعودية كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، وتأمين أحدث تقنيات الرقائق، إلى جانب بحث برنامج الطاقة النووية المدنية باعتباره مشروعاً سيادياً واقتصادياً مهماً، يضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.
وأكد المختصون أن القمة المرتقبة ترسخ مرحلة جديدة من الثقة السعودية، تعكس قدرة الرياض على صياغة خياراتها الاستراتيجية وحماية مصالحها عبر شراكات قائمة على الندية والتوازن مع واشنطن.
من المنتظر أن يوقع خلال الزيارة اتفاق لبيع 48 مقاتلة "أف–35"، إضافة إلى بحث التطورات في قطاع غزة ضمن خطة ترمب الرامية إلى وقف الحرب الدائرة هناك. وصرح ترمب، خلال حديثه للصحافيين على متن طائرته الرئاسية الجمعة الماضية، بأنه يدرس الموافقة على بيع طائرات "أف–35" للرياض، مشيراً إلى أن الزيارة ستشهد اتفاقات اقتصادية ودفاعية كبرى.
استثمارات ضخمة
تأتي الزيارة بعد نحو ستة أشهر من زيارة ترمب للسعودية في مايو (أيار) الماضي، التي أعلنت خلالها الرياض عزمها ضخ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال أربع سنوات.
وكانت آخر زيارة لولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2018، إذ التقى حينها ترمب خلال ولايته الرئاسية الأولى (2017–2021)، ووقع الجانبان في تلك الزيارة "وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية" إلى جانب 12 اتفاقاً ثنائياً شملت قطاعات متعددة أبرزها الطاقة والدفاع.
شراكة راسخة
تقوم العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة على شراكة راسخة تطورت خلال العقود الماضية، مدعومة بمشاريع التحول الاقتصادي الكبرى في السعودية التي رفعت جاذبية السوق أمام الشركات الأميركية، خصوصاً في قطاعات الطاقة والتقنية والصناعة.
وتتسم العلاقات الاقتصادية بين الرياض وواشنطن بالمرونة والتنوع، وتعد السعودية من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في المنطقة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 نحو 32 مليار دولار، إذ صدرت الرياض سلعاً ومنتجات إلى الولايات المتحدة بقيمة 13 مليار دولار شملت مواد أولية ومنتجات بتروكيماوية، في مقابل واردات منها بلغت 19 مليار دولار تنوعت بين معدات صناعية ومنتجات تقنية وسلع استهلاكية، وذلك وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وفي جانب الاستثمار، سجلت الاستثمارات الأميركية المباشرة في السعودية نحو 15.3 مليار دولار بنهاية 2024، مما يعزز مكانة الرياض كوجهة جاذبة للاستثمارات الدولية، لا سيما في ظل التغيرات الاقتصادية التي تقودها "رؤية 2030".
وتعمل الشركات الأميركية في قطاعات عدة حيوية داخل السعودية، منها الصناعة والطاقة والتقنية والصحة.
53.9 مليار دولار
كانت بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء كشفت منتصف العام الحالي عن بلوغ الاستثمارات الأميركية التراكمية في السعودية نحو 202.29 مليار ريال (53.94 مليار دولار) بنهاية عام 2023، محققة أعلى مستوى لها منذ بدء التوثيق الإحصائي، ومؤكدة بذلك المكانة المتقدمة للولايات المتحدة ضمن قائمة شركاء الاستثمار الأجانب في السعودية.
ويمثل هذا الرقم نحو 25 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد، مما يعكس عمق الشراكة الاقتصادية بين البلدين، واتساع قاعدة المصالح المتبادلة، خصوصاً في ظل توجه السعودية نحو توطين الصناعات المتقدمة وجذب رؤوس الأموال التقنية العالمية.
وفي الاتجاه ذاته، سجل رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي في الولايات المتحدة نحو 7.7 مليار دولار في عام 2019، إلا أنه انخفض إلى نحو 6.8 مليار دولار في عام 2022، قبل أن يرتفع مجدداً إلى نحو 7.5 مليار دولار بنهاية 2023.
وفي ظل "رؤية 2030"، توجهت إلى السعودية الشركات الأجنبية بنقل وتأسيس أكثر من 600 شركة مقارها الرئيسة في الرياض، من بينها كثير من الشركات الأميركية، وعلى رأسها البنوك الكبرى مثل "مورغان ستانلي" و"سيتي غروب" و"غولدمان ساكس"، إلى جانب "بيبسيكو" و"بكتل".
وأعلنت أيضاً شركات التكنولوجيا الكبرى نيتها القيام بهذه الخطوة، ومن بينها "أمازون" و"مايكروسوفت" و"غوغل".
2.7 في المئة
تعد السعودية أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، بلغت صادراتها إلى الولايات المتحدة 2.7 مليار ريال، أي ما يعادل 2.7 في المئة من إجمالي الصادرات. بالمقابل، سجلت الواردات من الولايات المتحدة 6 مليارات ريال، أي 8.3 في المئة من إجمالي الواردات، وذلك بحسب بيانات وزارة الاقتصاد والتخطيط.
وفي عام 2024، بلغ إجمالي صادرات السعودية إلى الولايات المتحدة 47.8 مليار ريال (12.46 مليار دولار)، بينما بلغت واردات السعودية من أميركا 72.5 مليار ريال (19.333 مليار دولار).
770 مليار دولار
تقدر قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بنحو 770 مليار دولار، كما تمثل استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي في أميركا 40 في المئة من محفظة استثماراته العالمية، وشهد منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي المنعقد في الرياض أخيراً، إبرام اتفاقات ثنائية بين الجانبين تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، في قطاعات عدة حيوية، منها التعدين والطاقة والدفاع والتقنيات المتقدمة.
وفي سياق أوسع، تستهدف السعودية رفع حجم "استثماراتها وعلاقاتها التجارية" مع الولايات المتحدة إلى تريليون دولار خلال الأعوام المقبلة، ضمن مساعيها الحثيثة إلى تحقيق مستهدفات "رؤية 2030" وتنويع الاقتصاد الوطني بعيداً من الإيرادات النفطية، وهو الرقم الذي ذكره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال كلمته خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي السابق، الذي كان بحضور رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، مؤكداً أنه "مرشح للزيادة" حال أتيحت فرص إضافية.
تعزيز التنمية
على الصعيد ذاته، أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة أن السعودية تمضي بخطى ثابتة نحو استقطاب أحدث التقنيات والتوسع في قطاعات محورية مثل الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن هذه التوجهات تشكل فرصاً استثمارية واعدة لاستقطاب الخبرات العالمية وتعزيز مسار التنمية المستدامة ضمن بنية الاقتصاد السعودي المتطور.
ومن الجانب الأميركي أكد باعجاجة أن الولايات المتحدة حريصة على بناء علاقة أكثر تكاملاً وتنسيقاً مع السعودية، بما يضمن مصالح الطرفين.
وبين باعجاجة أن هذا التقارب الراهن يعكس إرادة مشتركة لتأسيس شراكة اقتصادية متوازنة تعتمد على المصالح المتبادلة والتعاون العميق في مجالات التكنولوجيا والطاقة والاستثمار، موضحاً أن هذا النسق الجديد من التعاون يفتح آفاقاً غير مسبوقة لمستقبل العلاقات السعودية - الأميركية خلال المرحلة المقبلة.
فرصة استثنائية
قال رئيس مركز "بئر الخير للاستشارات الاقتصادية" الدكتور إبراهيم المطرف، إن المرحلة الحالية تمثل فرصة استثنائية لتعميق الشراكة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة، مؤكداً أن التعاون بين البلدين يتحرك ضمن إطار إستراتيجي متكامل يجمع مظلات سياسية واقتصادية تدعم توسعاً واسعاً في مجالات الاستثمار والتجارة والتنمية.
وأشار المطرف إلى أن اللقاءات المتوقعة بين الجانبين تأتي في وقت تشهد فيه السعودية تحولات اقتصادية كبرى، مما يعزز الحاجة إلى شراكات نوعية مع مؤسسات أميركية حكومية وخاصة، قادرة على دعم المشاريع العملاقة التي تطلقها برامج "رؤية 2030".
وبين أن هذا التعاون يشمل قطاعات متعددة مثل الطاقة والصناعة والتجارة والخدمات والتقنية، ويتوسع ليشمل تطوير الصناعات الدفاعية والاتصالات والنقل والتمويل.
وأوضح المطرف أن الولايات المتحدة أسهمت خلال السنوات الماضية في دعم مسار الإصلاح الاقتصادي من خلال شراكات بين المؤسسات الرسمية وهيئات الأعمال، مما أدى إلى تعزيز الهيكلة الاقتصادية في مجالات المصارف والطاقة والتعليم والدفاع، إضافة إلى تحسين بيئة الاستثمار وزيادة تدفق الاستثمارات المشتركة.
ولفت إلى أن نتائج هذا التعاون ظهرت في تأسيس مشاريع صناعية وتجارية واستثمارية عززت النمو الاقتصادي ورفعت مستوى التنسيق بين الجانبين.
وبين أن "رؤية 2030" مثلت نقطة تحول اقتصادية كبرى، إذ وفرت للسعودية موقعاً عالمياً مهماً مدعوماً بقدرات اقتصادية واستثمارية ضخمة، مما فتح مجالاً أوسع لتعميق التعاون مع الولايات المتحدة، خصوصاً في القطاعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والصناعة الحديثة والطاقة المتقدمة والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن ثقل الاقتصاد السعودي ودوره المتنامي إقليمياً وعالمياً جعلا منه ركيزة رئيسة في تعزيز مسارات الشراكة مع واشنطن في الجانب الاقتصادي.
أشار المطرف إلى أن اللقاءات المقبلة ستتيح المجال لطرح رؤية واضحة وشاملة لمستقبل التعاون الاقتصادي، بما في ذلك تطوير سلاسل الإمداد وتوسيع الاستثمارات وبحث مشاريع الطاقة النووية المدنية وزيادة فرص الشراكات في التقنية والصناعة، منوهاً بأن هذه الرؤية تهدف إلى بناء نموذج اقتصادي مشترك قادر على الاستجابة للتحديات العالمية وتحقيق مكاسب تنموية طويلة الأمد.
وأكد أن العلاقات الاقتصادية السعودية - الأميركية تمتلك تاريخاً ممتداً منذ ثلاثينيات القرن الماضي، تطورت خلاله من تعاون بترولي أولي إلى شراكة واسعة تشمل طيفاً واسعاً من القطاعات.
وأشار إلى أن الجهود الرسمية والأهلية في السعودية أدت دوراً بارزاً في بناء هذا المسار، وفتحت الطريق أمام تعاون متجدد يقوم على الثقة والمصالح المتبادلة، ويمثل اليوم أحد أهم نماذج الشراكة الاقتصادية في المنطقة.
استثمارات نوعية
بدوره، قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية الدكتور عبدالله الجسار إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن تمثل فرصة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الرياض وواشنطن، عبر استثمارات نوعية ومشاريع استراتيجية ستسهم في ترسيخ الدور السعودي في أسواق الطاقة والتقنية.
وأوضح الجسار أن ملف الطاقة سيكون محوراً رئيساً في المحادثات، سواء في ما يتعلق باستقرار أسواق النفط أم التوسع في مشاريع الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ترى في السعودية شريكاً أساسياً لضمان أمن الطاقة العالمي، بينما تعمل الرياض على توسيع حضورها الدولي في قطاعي الطاقة التقليدية والمتجددة.
مرحلة جديدة
لفت أستاذ المالية والاستثمار بجامعة الإمام محمد مكني إلى أن الشركات الأميركية مرشحة لدخول مرحلة استثمارية جديدة في مشاريع "رؤية 2030"، خصوصاً في المدن الذكية والصناعات المتقدمة والقطاعات التكنولوجية، معتبراً أن الزيارة قد تطلق واحدة من أكبر موجات الاستثمارات الأميركية في المنطقة خلال العقود الأخيرة، بما يعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين.
وبين مكني أن الجانب الدفاعي والتقني سيحظى أيضاً باهتمام واسع، مع توسع السعودية في توطين الصناعات العسكرية والتقنيات المتقدمة، مؤكداً أن التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والبيانات الضخمة، سيشكل امتداداً طبيعياً للشراكة الاقتصادية القائمة وداعماً رئيساً للاستقرار الإقليمي والدولي.
اندبندنت عربية
المصدر:
http://syriasteps.com/index.php?d=131&id=203646